طرق على شبابيك المؤتمر العاشر(4) تحسين المنذري      

عن سياسة الحزب (أ)

تعتبر سياسة أي حزب بمثابة مرآة عاكسة لفكره وبرامجه ونهجه وتصوراته وبالتالي فهي ترسم ملامح المستقبل المنشود مرورا بالعمل الجماهيري والعمل مع منظمات المجتمع والخطاب الاعلامي والموقف من النقابات وغير ذلك الكثير من مستجدات العمل السياسي على صعيد الازمنة والامكنة المختلفة. وفي مجمل النظر الى سياسة حزبنا الشيوعي العراقي لفترة مابعد التغيير في عام 2003 فإنها تعكس بحق البرنامج والموقف من الماركسية الذي تطرقنا الى جوانب منها في الحلقتين الثانية والثالثة من سلسلة هذه المقالات . بعد أن نستثني فترة الاشهر الاولى والتي شهدت قدوم  أغلب قادة الحزب من كردستان وبعض دول اللجوءالى بغداد وبعض المحافظات الاخرى، حيث ظهرت بعض النشاطات السياسية المهمة مثل مسيرة الاول من أيار ومسيرة ثورة14 تموز من عام 2003 وقبلها الصدور العلني لطريق الشعب كأول صحيفة تصدر في العراق بعد سقوط الدكتاتورية، فيما بعد بدأ الحزب في الانكفاء تدريجيا خاصة بعد تمثيله في مجلس الحكم وماتلاه من تمثيل في الوزارات أو الجمعية الوطنية وبعدها في البرلمان، فالقبول في مجلس الحكم كان على أساس طائفي وهذا ما كان يشير اليه بريمر في كل مباحثاته مع الاخرين لترغيبهم في التمثيل في مجلس الحكم فكان يشير الى إن الشيعة يحتلون الاكثرية بـ 13 عضوا بوجود حميد مجيد موسى من ضمنهم وكما أشار لذلك في كتابه {عام قضيته في العراق} حينما أشار في صفحة 126 ( ومن حسن الحظ أننا، أنا وساورز، أجرينا مقابلة مع بديل عزيز محمد في قيادة الحزب، حميد مجيد موسى، وكان رجلا ربعا نشيطا في أواسط الاربعينيات من العمر يدرك بوضوح الحاجة الى تشجيع القطاع الخاص في العراق وأثبت موسى ، وهو شيعي، أنه أحد أكثر أعضاء مجلس الحكم تأثيرا وشعبية ) هكذا يدس السم في العسل ففي حين يمتدح الرفيق ابو داود ونشاطه فإنه يشير الى طائفية تمثيله بوضوح !! هذا الموقف المعلن وقتها من بريمر للاسف لم يقابله الحزب برد قوي فقط كان تصريح هنا وآخر هناك للرفيق السكرتير وبعض الرفاق في قيادة الحزب على إن التمثيل تم على أساس تمثيل الحزب الشيوعي ! في حين كان الاجدر أن يكون الرد أكثر صلابة بما فيه الانسحاب من مجلس الحكم وعدم العودة إلا بإعتراف بريمر وبقية أعضاء مجلس الحكم بشيوعية التمثيل وليس بشيعيته، وهكذا تحول مجلس الحكم من ساحة للصراع وإثبات الوجود الى مختبر يجري فيه تحجيم الحزب وتقزيم دوره في الساحة،وكانت من أوائل المآسي هو أن يتساوى دور الحزب ذو السبعين عاما آنذاك بكل نضالاته وتضحياته الجسام وقوافل شهدائه مع نكرات لا يُعرف لهم أصل أو تأريخ فكان لكل منهم صوت وللحزب صوت واحد أيضا،  وهاهو وكيل الرفيق السكرتير والذي يحضر إجتماعات مجلس الحكم في حالة غياب العضو الاصلي يوافق على القرار 137 الخاص بحقوق المرأة، السيئ الصيت، والذي كان بريمر أكثر نقدمية من كل أعضاء مجلس الحكم حينما رفض تطبيقه، ونفس الرفيق الوكيل يقبل أن يكون نائبا لرئيس بعثة الحج لذاك العام! إضافة الى أدوار الرفيق السكرتير والتي يشير اليها بريمر بالاكثر تأثير وشعبية لم تكن سوى وساطاته في إصلاح ذات البين لاعضاء المجلس والذين لم يكونوا سوى ممثلين لقوى رجعية بإمتياز أو عميلة بصراحة وكان الاصلح للعراق لو يبقون متخاصمين دائما فإتفاقهم أدى الى توزيع الادوار وتقاسم السلطة محاصصيا والذي قاد الى المآسي التي مازال العراق يعاني منها الى اليوم !وتستمر المأساة الى الجمعية الوطنية التي تشكلت في أعقاب مجلس الحكم حيث تم تخصيص خمسة مقاعد للحزب الشيوعي من أصل مائة مقعد وعدم تخصيص أي مقعد لممثل الملكية الدستورية لانه لم يكن لهم تأثير أو وجود في الساحة السياسية العراقية ، ونتيجة لاعتراضهم على ذلك وضغطهم على بريمر الذي يطلب بدوره من ممثلي الكتل السياسية أن يتنازل أي منهم عن مقعد واحد لاعطائه للملكية الدستورية فيرفض الجميع، إلا إن الملكية الدستورية تحصل على مقعد من مقاعد الشيوعين ولست أدري كيف تم ذلك هل تبرعا من الحزب ؟ بأي حق يتبرعون بحصة سبعين عاما ونيف من النضال والتضحيات ؟ أم إن هذا المقعد تم أخذه عنوة ؟ فلماذا سكت الحزب عن ذلك دون أن يشن حملة ضد المتنفذين ؟ لحد الان المسألة غير معروفة للاسف الشديد!!
وزيران ونائبان: لم يحصل الحزب منذ 2003 والى الان إلا على منصبي وزير، الاول كان في الحكومة رديف مجلس الحكم ونفسه إستمر مع حكومة أياد علاوي، والثاني كان في حكومة نوري المالكي الاولى، وحصل الحزب على نائبين في الجمعية الوطنية المنتخبة الاولى عندما كان النظام الانتخابي يعتمد الطريقة النسبية في حساب الاصوات ، والمرة الثانية كانت في برلمان عام 2006 عندما دخل الحزب ضمن قائمة العراقية برئاسة أياد علاوي ، وعدا هذا كانت هناك مناصب متفرقة مثل وكيل وزارة ومستشار لنائب رئيس وزراء وغيرها من المواقع التي لا تسمن ولا تغني عن جوع! لكن كل تلك المناصب المشار اليها حولت الحزب الى حزب سلطة يراهن على وجوده في السلطة وعلاقته بالاحزاب والكتل المتنفذة في عملية تغيير غير واضحة المعالم، تبنى طيلة تلك الفترة شعار المحافظة على العملية السياسية كهدف أسمى جعله يصمت أحيانا ويهمس في أخرى في مناسبات تستدعي الصراخ لكن الحفاظ على تلك المناصب وصيانة العملية السياسية جعلت الحزب يفرط بالكثير من الحقوق والمطاليب في مواقف غاب عنها الحس الطبقي مما أبعد عنه روافعه الاجتماعية الاساسية من مسحوقين ومهمشين تاركا لقوى أخرى تتبنى طريقة تعبيره المعتادة وراديكاليته في صياغة الشعار كي تستفيد من تلك الروافع الاجتماعية وتمسي من حصتها بعيدا عن الممثل الحقيقي لمصالحها. وإعتمد الحزب في خطابه السياسي مبدءً غريباً على حزب شيوعي هو نقد السلبي ومباركة الايجابي ! مما جعل الناس تفقد ثقتها بالحزب وهو يطالب بتحقيق مطاليبها المشروعة لآنها ترى فيه حزبا حليفا للسلطة ممكن أن يتخلى عنها في أي لحظة! في حين كان يفترض بالحزب أن يعتمد على مبادئه في تحديد مواقفه وليس على علاقاته أو بالاحرى علاقات الرفاق بقيادة الحزب مع القوى المتنفذة، لقد غاب الموقف الطبقي ومعه غاب الموقف المتصلب الذي يملي على الحزب تغيير خارطة علاقاته على ضوءه.لقد أتيحت للحزب أكثر من فرصة كي يتصالح مع جماهيريه أو بالاحرى أن يعود محتضنا من قبل جماهيره التقليدية والتي كانت منذ البدايات الاولى خير سياج يحمي الحزب ككيان وكوادره ورفاقه كاشخاص، لكن يبدو إن ضعف اليقظة الثورية أدت الى ما آل اليه حال الحزب وما توضح بشكل جلي في النتائج الهزيلة التي حصل عليها مرشحو الحزب في عدة إنتخابات. مقابل قوى لاتمتلك رؤى الحزب ولا حلوله ولا تعرف مسبقا أساليب عمله بين الجماهير، إلا إنها تمكنت من إتباع نهج يقترب كثيرا مما كان الشيوعيون يتبعوه في التعامل مع القضايا المصيرية والانية الملحة ، بل إن الحزب إتخذ مواقفا لم تكن معتادة عند الشيوعيين مثيلاتها على سبيل المثال الموقف من الاتفاقية الامنية مع الولايات المتحدة ( الدولة المحتلة) كان الاجدر أن يتخذ الحزب موقفا صارما في رفضها وليس كما عبر الرفيق السكرتير على إنها ( أفضل السيئات) في إستخدام غريب للمصطلحات وتطويع ليس له إمتدادات في سياسة الشيوعيين سابقا، وكذا الحال في موضوعة التصويت على الفيدرالية في البرلمان فكان الاجدر أن يشترط الحزب في القانون المذكور الاشارة الصريحة لرفض تشكيل أقاليم على أساس طائفي أو في الاقل تحديد عدد الاقاليم المقترحة، لكنه بعد رفض كبير من قبل أغلب قواعد الحزب وجماهيره لذلك الموقف ، يضطر الحزب لخوض حملة تثقيفية بحقيقة موقف الحزب لكنها تبقى حبيسة التنظيم أكثر منها موقفا معلنا للناس ، وأيضا سبق ذلك موقف الحزب من الدستور الدائم ، فالرفيق السكرتير كان عضوا في لجنة كتابته لكن بصمات القوى الاسلامية كانت أكبر وأبرز، فبدل أن يذيل الرفيق مسودة الدستور بتحفظات لا يقرأها سوى لجنة الدستور نفسها، كان عليه أن يعلن رفض الحزب لتلك المسودة ويدعو الشعب للتصويت بالرفض، لا أن يجري  تحاشي الرفض بحجة توافق ذلك مع مواقف البعثيين! وكأن الاساليب قد إنعدمت لايصال رأي الحزب ومواقفه لمن  يعنيهم الامر وهم جماهير الحزب وشعبيته المعتادة. لكن للاسف طغت روح المجاملة  على روح المبادئ فوقعنا في أخطاء جسيمة مازلنا نجني ثمارها الى اليوم .