المحاصصة: الدبلوماسي الجيّد مهرّب جيّد! / عدنان حسين
هذه حادثة ثانية مخزية في حق العراق والشعب العراقي، بطلاها هذه المرة إثنان من الدبلوماسيين العاملين في ممثلية العراق الدائمة لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في مدينة جنيف السويسرية.
لم نلملم بعدُ ذيول الحادث الذي انطوى على تشويه لسمعة العراق في البرتغال، لنكتشف أن الإثنين اللذين عُيّنا في جنيف كدبلوماسيين لخدمة بلادهما وتأمين مصالحها إنما كانا على مدى سنوات يعملان لمصالحهما الشخصية في مجال التجارة بالممنوعات، منتهكين القوانين المحلية والدولية، وقبل ذلك الالتزام الوطني.
آخر تطور في الحادث المتهم فيه ابنا السفير العراقي لدى البرتغال باعتداء شبه مميت على صبي برتغالي، أن وزير الخارجية البرتغالي أعلن عن أن حكومته قد تطلب رفع الحصانة الدبلوماسية عن الإبنين إذا ما قررت النيابة العامة توجيه الاتهام رسمياً اليهما بارتكاب الجرم.
والآن تأتينا طعنة كبيرة في الصدر من موظفين اثنين في بعثتنا بجنيف، فرض القضاء السويسري عليهما غرامة ثقيلة (تزيد قيمتها عن 300 الف دولار أميركي) لقيام هذين الموظفين بتهريب السكائر الى السوق السوداء في فرنسا من دون دفع الضرائب عنها . الأمر لا يتعلق بمئة علبة أو مئتين، فالدبلوماسيان كانا في ما يبدو منصرفين عن مهامهما الدبلوماسية الى تجارتهما السرية، فقد هرّبا على مدى سنوات نحو 600 الف علبة مستغلين وضعهما الدبلوماسي.
الرجلان كانامهربين محترفين بحسب الوقائع التي قدمتها ادارة الجمارك السويسرية ونشرها موقع "infoswiss.ch" ومواقع صحف أخرى، فقد كانا يطلبان شحنات السكائر من شركة في شمال ألمانيا، متخصصة بتسليم البضائع المعفاة من الرسوم الجمركية للدبلوماسيين والسفارات والمنظمات الدولية، ليجري تسليم الشحنات إلى شركة تنشط في الجزء الناطق بالفرنسية في سويسرا، ثم تنقل البضاعة إلى مستودع مستأجر في بلدة فيرناي – فولتير الفرنسية القريبة من مطار جنيف، ومن هناك تُرسل السجائر إلى مدينة رين في شمال غرب فرنسا، حيث يعاد بيعها في الشوارع ( هل كان الدبلوماسيان يعملان لصالح العراق بالهمّة ذاتها؟).
أكثر من هذا ان دبلوماسييينا محترفي مهنة الاحتيال والتجارة بالممنوعات لم يكونا يطلبان شحنات السجائر باسم البعثة العراقية وحسب وانما يزوّران طلبات باسم البعثات الدائمة لهونغ كونغ والبحرين والسعودية وسلطنة عمان! وقد كشف الأمر عندما اشتكت غرفة التجارة في هونغ كونغ الى السلطات السويسرية من أن مجهولين يطلبون السكائر باسمها من دون علمها.
الاسوأ من هذا ان رئاسة البعثة العراقية في جنيف بدلاً من. أن تطلب من الحكومة في بغداد معاقبة الدبلوماسيين المحتالين بأشد العقوبات عن سلوكهما المشين، تقدمت بطلب الى ادارة الجمارك السويسرية لتخفيض مبلغ الغرامة المفروضة على أحدهما( رئاسة البعثة لها قلب رقيق يحنّ حتى على الحرامية!!)، لكن ادارة الجمارك رفضت الطلب.
أمس كتبتُ هنا معلّقاً على حادث ابني السفير لدى البرتغال، مختتماً بالقول إن هذا الحادث يتعيّن أن يكون رنة جرس تنبّه الى ضرورة شمول السلك الدبلوماسي بخطط الاصلاح لتنظيفه من نفايات المحاصصة، وقد وصلني من أحد الأصدقاء الدبلوماسيين، وهو من سفرائنا المميزين في الخارج يقول:
" ليتهم - يقصد أرباب المحاصصة- جاءوا في الأقل بموظفين دبلوماسيين مؤمنين بالعراق ويعملون من أجله .. البعض جاء بموظفين اضافة لعدم كفاءتهم يعملون للتجسس ويكتبون تقارير لتنظيماتهم ويضعون العصي أمام دواليب أي إصلاح في عمل السفارات والقنصليات لمكافحة الفساد وعدم الحفاظ على سرية المعلومات والحديث بسوء عن بلدهم ونظامهم والعملية السياسية برمتها"، ويضيف" ( إننا) في معركة يومية ( مع هؤلاء)"، ويختم بالقول " أما البعثيون وما أكثرهم فيريدون التصدّر والعمل منفرداً ويتقصدون عدم المعرفة"!.
عاشت المحاصصة!
( بعد الانتهاء من هذا العمود جاء في الاخبار أن وزارة الخارجية نفت جزئياً المعلومات حول حادث جنيف، وقال المتحدث باسمها ان القضية قديمة تعود الى العام 2011 وان الشخصين هما فرنسيان وقد طُردا من الخدمة. هذا تصريح مثير للريبة فإذا كان الشخصان فرنسيين لماذا تمتّعا بالامتيازات الدبلوماسية ؟ ولماذا طلبت ادارة بعثتنا في جنيف تخفيض الغرامة المفروضة على أحدهما؟ .. أنصح المتحدث بمراجعة معلوماته، فمن الصعب التفكير بأن سلطات الجمارك السويسرية يمكن أن تلفّق المعلومات على هذا النحو).