كثرة الأحزاب رحمة أم نقمة !!!!! / نجم خطاوي
في خريف وأول شتاء عام ١٩٨٢ مكثت في مدينة القامشلى السورية قرابة الشهرين، في انتظار تحسن صحتي بعد الجروح التي إصابتي أثناء العبور نحو كوردستان العراق للالتحاق بالحركة الأنصارية....
هذه المدينة القامشلى جذبتني بسحرها ونكهتها التي تميزها عن باقي المدن، وعبر التنوع القومي والديني والمذهبي، والذي يتماهى مع نزعة التسامح والتعايش، ناهيك عن بساطة الحياة وكرم الضيافة والوعي الاجتماعي والثقافي والسياسي عند أهلها. وبحكم كونها مدينة حدودية تحد دولتين كبيرتين هما العراق وتركيا، وكذلك كونها مدينة كوردية تحد جغرافية وتضاريس مدن وقصبات كوردية في هاتين الدولتين، لذلك تراها صارت كملتقى دروب وطريق للعديد من الثوار والمقاتلين والأحزاب والمنظمات، وكذلك للتجار والمهربين..
لقد جرت العادة أن تختصر الناس أسماء الأحزاب والمنظمات حسب الحروف الأولى لكل كلمة من الاسم من أجل السهولة والاختصار. وقد شاعت أسماء مثل كوك و بككه،وغيرها.
وبحكم تواجدي في دار كانت أشبه ما تكون كمقر للحزب الشيوعي العراقي، صرت اسمع بأسماء الكثير من الأحزاب والمنظمات والجمعيات والجماعات من كوردستان تركيا، وكانت الانشقاقات والتشكيلات الجديدة في تغيير مستمر، حيث تختفي مجموعة لتظهر أخرى أو اثنتين، وهكذا..ولعل الرأي القائل بأن واحدا من أسباب عدم نيل الكورد في كوردستان تركيا لحقوقهم وإخفاقهم في التعريف بقضيتهم اقليميا وعالميا، هو هذا التشتت والتشظي في القوى السياسية.
تعدد الأحزاب يبدو في الظاهر كمظهر من مظاهر الديمقراطية وحرية الناس في تكوين الأحزاب والعمل وسطها والدعوة لها ولبرنامجها، وهو هكذا حقا وحقيقة. وفي العادة تكون النوايا والنيات والمظاهر هي خدمة الشعب والدفاع عن مصالحه، لكن الوقائع توصل لنتائج اخرى يكون فيها الشعب هو المتضرر الأكبر.. رغم الكثير من الايجابيات في وجود وفرة من الأحزاب والذي يمنح الناس فرصة للاختيار فأن في كثرتها علامات من الانانية والتشرذم وتوزع الأصوات والميول الفردية. وفي أغلب الحالات فأن الكثير من هذه الأحزاب والمنظمات الصغيرة تكون الأكثر خسارة..
المصيبة الكبيرة أن هذه الأحزاب ورغم تصويت جماهير كثيرة لها فأنها لا تتمكن من نيل مقاعد ومكاسب تذكر، وهي في هذه الحالة تمنح بعض القوى المتنفذة أصلا فرصة للفوز، وبسبب تشتت الأصوات وضياعها، وخصوصا حين تكون هذه المنظمات متقاربة في الفهم والبرامج والتطلعات..
مفوضية الانتخابات في العراق تقول بأن هناك أكثر من ٨٦ حزبا وكيانا سجل لديها لخوض الانتخابات القادمة في المجالس المحلية والبرلمانية..
في قراءة أولية وربما تكون متسرعة أرى أن هذا فألا غير طيبا وينذر بتشتت أصوات الناس وخسائر للأحزاب المدنية والعلمانية والوطنية، مقابل استمرار سيطرة واستحواذ القوى القومية والدينية والطائفية والمذهبية والعشائرية, والتي لديها ما تضمنه في كل مرة من جمهرة الموالين الثابتين والمضمونين ولأسباب كثيرة ومعروفة ...
القوى المدنية والعلمانية من احزاب ومنظمات مجتمع مدني واتحادات وجمعيات وقوى مستقلة يفرض عليهم واقع البلاد ومصالح الناس التجمع والتمحور حول برنامج عرض وواسع ويستطيع منافسة الآخرين....