وما أدراك ما الادّعاء العام ! / عدنان حسين                                

نعم، فما أدراك ما جهاز الادّعاء العام في هذي البلاد؟ .. إنه من أكثر ما يحيّرنا ويدوّخنا. ماهو؟ أين هو؟ ماذا يفعل؟ ما هي مهمته؟ كيف يؤدّيها؟ لماذا لا يشبه أقرانه في بلاد العالم الأخرى، كمصر ولبنان وأميركا وبريطانيا وفرنسا وسواها؟

في هذه البلدان وفي الكثير غيرها، ما أن يقع حادث يُقتل فيه عدة أشخاص وتتدمر أملاك خاصة أو عامة، كتصادم قطارين أو سقوط طائرة أو انهيار ملعب رياضي أو تفجير أو هجوم مسلح، عادي أو إرهابي، حتى تنقل إلينا محطات الاذاعة والتلفزيون بالبث الحيّ المباشر وقائع مؤتمر صحافي عاجل يعقده المدّعي العام (النائب العام) ليقدّم للجمهور كل ما لديه من معلومات عن الحادث: أين حصل، ومتى حصل، وكيف حصل ولماذا حصل والاحتمالات المتوقعة لدوافع ما حصل. وبعد ساعات (في اليوم التالي في الغالب) يعاود عقد المؤتمرات الصحفية  لتكملة الصورة، وصولاً إلى مرحلة إحالة القضية إلى المحكمة المعنيّة وصدور الحكم الباتّ فيها.

عندنا لا يحصل مثل هذا. ربما كنّا البلد الوحيد الذي لا يبادر فيه المدعي العام الى إبلاغ الجمهور بوقائع الأحداث الجنائية الكبيرة وتطوراتها والتي يموت فيها ويُصاب عدد كبير من الناس. على سبيل المثال، لم نرَ المدعي العام عندما حدث انفجار مخزن الأسلحة والذخيرة لإحدى الميليشيات في حي العبيدي السكني ببغداد يوم الجمعة الماضي، ولم نرّه قبل ذلك في حادثة الكرادة المروّعة (احتاج الأمر عدة أيام بعد الحادث وتحت ضغط السخط الشعبي المتصاعد، ليجري الاعلان عن أن جهاز المدعي العام سيباشر تحقيقاته في الحادثة!). الشيء نفسه كان قد حصل في حادثة مجزرة سبايكر قبل سنتين. وثمة العشرات بل المئات من الحوادث المماثلة التي لم يطلّ فيها علينا المدعي العام بطلّته البهية لينورنا بما حدث وبما سيتخذه جهازه من إجراءات للكشف عن الجناة وتقديمهم الى العدالة، وهي جميعاً كانت حوادث مروّعة ومدمّرة.

 لا أجد سبباً لعدم ظهور المدعي العام أمام وسائل الإعلام يوم الجمعة ليزودها بالمعلومات اللازمة المتصلة بتفجير مخزن الأسلحة والذخيرة في العبيدي، مع أن العديد من الناس قد قُتل أو أصيب فيه، وأن دماراً كبيراً لحق بممتلكات الناس ومنازلهم. نعرف أن وزارة الداخلية وقيادة عمليات بغداد امتنعتا عن جلاء الحقيقة كاملة في ما يتعلق بالحادثة لأن من شأن ذلك أن يحمّلهما جزءاً كبيراً من المسؤولية عن الحادثة وعواقبها، لتهاونهما في تطبيق القانون الذي يقضي بحصر وجود السلاح وذخيرته في يد قوات الدولة وفي مخازنها ومعسكراتها حصراً.

نحن بلد الألف حادث وحادث سنوياً، ويلزمنا جهاز إدعاء عام في مستوى هذه الحوادث، لا يتخذ منها الموقف الأقرب إلى موقف المتفرج المحتار.