شناشيل - زيارة بارزاني ... في الأوان تماماً / عدنان حسين
تأخّرتْ بعض الوقت أو كثيراً من الوقت، لكنّها جاءت في التوقيت الأنسب، فقلبت الطاولة على مَنْ أعدّها إعداداً ظنّه في غاية التمام ومنتهى الضبط وذروة الكمال، وغير قابل لـ "الخربطة".
زيارة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني الى بغداد بنتائجها الايجابية كانت ضربة معلم من بارزاني ورئيس الوزراء حيدر العبادي على حدّ سواء. واضح أن الأخير، كما رئيس الإقليم، اشتغل سياسة "على المضبوط" ليهيىء أجواء بغداد لزيارة وفد كردستاني رفيع المستوى عشية انطلاق العملية العسكرية الكبرى لتحرير الموصل، وواضح أيضاً أن بارزاني من جانبه عمل الشيء نفسه ليجمع ممثلين عن طرفي الاتحاد الوطني الكردستاني وعن احزاب كردستانية أخرى في قوام الوفد الذي ترأسه.
الإعلان سريعاً عن تفاهمات واتفاقات يعكس عملاً هادئاً غير قصير الأمد بين بغداد وأربيل لتحقيق النتائج الطيبة التي أسفرت عنها الزيارة منذ يومها الأول. الآن غدت كل الطرق ممهّدة لحلّ المشكلات القائمة بين العاصمة الاتحادية وعاصمة الإقليم، وهي جميعاً بعضٌ من المشكلات التي ورثتها الحكومة الحالية عن الحكومة السابقة، فيما الطريق الى تحرير الموصل صارت الآن أيضاً سالكة تماماً، بل إنها تمتدّ الى مرحلة ما بعد تحرير الموصل، وهي مرحلة ستكون محفوفة بمخاطر جمّة. كلمتا العبادي وبارزاني في المؤتمر الصحافي المشترك كانت نبرتهما واثقة بشأن قرب ساعة التحرير والوفاء باستحقاقات ما بعد التحرير.
على مدى السنة المنصرمة وأزيد، بُذِلت جهود جبارة لتدمير العلاقات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، هي جزء من الجهود لإضعاف حكومة العبادي وإفشالها، وبخاصة لجهة تحقيق الإصلاح السياسي والإداري الذي تعهدته الحكومة، وهي أيضاً جزء من الجهود للحؤول دون تحرير الموصل في عهد الحكومة الحالية. في هذا السياق كانت المساعي لعرقلة عملية تعديل حكومة العبادي وتحقيق الاستقرار فيها. وفي هذا السياق أيضاً كان فتح ملف الاستجوابات للوزراء، والبدء بالرقمين الأصعب في هذه المرحلة، وزيري الدفاع والمالية بالذات، فالهدف الأساس هنا عرقلة العملية العسكرية لتحرير الموصل، وإضعاف ثقة المؤسسات المالية الدولية بحكومة العبادي ووقف المفاوضات معها لمنحها القروض والمعونات المالية التي تحتاجها في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة.
بينما كان بارزاني وأعضاء وفده يعقدون الاجتماعات مع العبادي وطاقمه الحكومي ومع القيادات السياسية الأخرى وفيما أخذت الأخبار الطيبة عنها تخرج الى الملأ، كانت الجبهة العاملة في حقل التشويش على العبادي وحكومته والحفر تحت اقدامهما، تجنّد جيشها الدعائي، التقليدي والالكتروني، لإثارة الغبار في أجواء بغداد بخطاب مسعور عكس هلعاً من النتائج المتحققة!
قد تكون زيارة بارزاني إلى بغداد قد تأخرت عن الميعاد، والتبكير بها كان يتطلب جهوداً طيبة أكثر من جانب بغداد وأربيل سواء بسواء، لكنّ الحصيلة الوفيرة لتفاهماتها واتفاقاتها يتعيّن أن تدفع بالطرفين الى جعل الطريق بين بغداد واربيل مفتوحة دائماً بالاتجاهين، فما من مصلحة للكرد، حتى لو تحقّق لهم الاستقلال بعد حين، في علاقة مأزومة مع عرب العراق وعاصمتهم بغداد، وما من مصلحة لنا نحن عرب العراق في علاقة مأزومة مع الكرد حتى بعد استقلالهم، ففي الأقل كلانا عمق استراتيجي للآخر.