رئيس النزاهة إذ يخفي الحقيقة !/ عدنان حسين
إذا كان رئيس هيأة النزاهة وكالةً صادقاً في ما يقول، وإذا كان جادّاً في نواياه وعمله لمكافحة الفساد الإداري والمالي، فليسمعها نصيحة منّي بألّا يعيد مرة أخرى ما قاله أمس، فهذا مما لا يخدم هدف المكافحة.
السيد حسن الياسريُّ قال في حفل لتكريم الطلبة الأوائل نظَّمته الهيأة بمناسبة أسبوع النزاهة الوطني السابع، إن "الفساد ليس قيمةً متأصِّلةً في المجتمع العراقي، بل هو حالة دخيلة وطارئة عليه"، وإن "النزاهة وعفَّة اليد وحُرمة المال العام هي من سمات هذا المجتمع الأصيلة".
في طفولتنا كانت أمهاتنا تكذب علينا كذباً أبيض بتخويفنا من كائنات خرافية يمكن أن تؤذينا إن تصرّفنا على نحو سيء، أو بإغرائنا بهدايا تأتينا من السماء، في يوم ما، إن كانت تصرفاتنا جيدة. السيد الياسري يريد، في ما يبدو، أن يلعب دوراً شبيهاً بدور الأمهات في الزمن المنصرم، وفي حال مثل حالنا الراهنة لا ينفع مثل هذا الدور. النافع هو أن يتمثّل السيد الياسري دور الطبيب النجيب الذي يكاشف مريضه بمرضه من دون مواربة أو لفّ ودوران.
في ما مضى كان الفساد "ليس قيمةً متأصِّلةً في المجتمع العراقي"، لكنه أصبح أصبح الآن قيمة متأصلة في مجتمعنا ودولتنا. هذه هي الحقيقة، والأدلة عليها كثيرة. من هذه الأدلة أن السواد الأعظم من موظفي جهاز الدولة فاسدون إدارياً ومالياً، حتى في سلكي القضاء التعليم العالي المفترض أن يكونا آخر قلاع النزاهة، والكثير من هؤلاء الفاسدين يجمع إلى فساده الإداري والمالي فساداً أخلاقياً. ومن هذه الأدلة أيضاً أن السواد الأعظم من مراجعي دوائر الدولة يتواطأ مع الفاسدين فيها بتقديم الرشى إليهم عن طيب خاطر. ومن هذه الإدلة كذلك أن الفاسدين إدارياً ومالياً يحظون بالاحترام والتقدير في دوائرهم وفي مناطق سكنهم وفي أوساطهم الاجتماعية، وكثيراً ما يجري الثناء على مُحدثي النعمة وفسادهم والإعراب عن الإعجاب بشطارتهم، من دون السؤال عن مصدر النعمة الطارئة!
ومن أكبر الأدلة على أن الفساد أصبح قيمة متأصلة في مجتمعنا أن الرؤوس الكبيرة للفساد أو قططه السمان، موجودون في أعلى المناصب والمراتب في أجهزة الدولة، بفضل الأصوات الانتخابية التي حصلوا عليها أو حصل عليها زعماؤهم السياسيون الذين وضعوهم في هذه المناصب والمراتب. في انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات تجري في الغالب مكافأة الفاسدين والمفسدين بانتخابهم وقوائمهم وكتلهم وأحزابهم المرة بعد المرة.
إذا كان السيد الياسري صادقاً وجاداً في الوصول بسفينة النزاهة الى برّ مكافحة الفساد الإداري والمالي، عليه أن "يصدمنا" بإعلان هذه الحقيقة، فالخطوة الأولى في مكافحة أي مرض هي بابلاغ الطبيب مريضه بحقيقة مرضه، والفساد الاداري والمالي وباء متفشّ الآن إلى أبعد نقطة في مجتمعنا ودولتنا. كواليس هيأة النزاهة تشهد بهذا.