شناشيل / رمية نصرالله نحو النجف / عدنان حسين                      

وضع زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله طائفيته ومذهبيته جانباً، ليعبّر بصوت عالي النبرة عن غضبه الشديد حيال الممارسات المشينة الجارية في العراق باسم الطائفة والمذهب ورمزهما السامي الإمام الحسين بن علي، بذريعة أنها "شعائر حسينية".

السيد نصر الله الذي ليس في وسع أحد التقليل من شأن التزامه الديني والمذهبي، ندّد بقوة بكل هؤلاء الذين يطبّرون رؤسهم، أو يدمون ظهورهم بضرب السلاسل، أو يمشون في النار الموقدة، أو يكبّلون أيديهم وأقدامهم ليُقادوا كالحيوانات الأسيرة، أو يكتبون على قمصانهم انهم "كلاب رقيّة" وما شابه ذلك، أو يجعلون من دمية بائسة لأسد ينهال على رأسه بالضرب رمزاً للإمام علي بن أبي طالب!

بعجب شديد وحرقة واضحة تساءل السيد نصر الله مستنكراً: " هل أهل البيت يريدوننا أن نكون كلاباً؟!"، و" هل تقبل لأبيك أن يكون في صورة دمية الأسد؟ .. كيف تُشبّه بها الإمام علي؟!".

كل الحق مع السيد نصر الله في انتفاضته العارمة هذه، فهنا في العراق يجري تجاوز الحدود ومجانبة المنطق ومجافاة العقل بممارسات تسيء إلى الحسين وقضيته وإلى المسلمين عموماً وبخاصة الشيعة منهم، وتُظهر الدين الإسلامي في صورة لا تختلف في الجوهر عن الصورة التي يقدّمها داعش وسائر المنظمات الارهابية عن الإسلام.

في كلّ سنة يتفنّن أصحاب هذه "الشعائر" في ابتكار الجديد الذي لا سابقة له على صعيد هذه الممارسات لمناسبة يوم عاشوراء أو يوم الأربعين. هذه السنة  على سبيل المثال "ابتكروا" لنا تطبير النساء والأطفال الرضّع! وهو ما أثار زوبعة من الاحتجاجات والانتقادات عبر مواقع التواصل الإجتماعي في العراق وخارجه.

هذه الممارسات المتردية في شكلها ومضمونها، خرجت تماماً عن كونها شعائر تُحيي ذكرى الشهادة البطولية للحسين وتعظّم المأثرة التي اجترحها في ثورته ضد الطغيان والفساد ومن أجل الإصلاح. هذه الممارسات انحرفت بالشعائر الحسينية وحوّلتها إلى "بيزنس" يدرّ على القائمين به والمحرّضين عليه ملايين الدولارات في كل موسم.

في عهد طفولتي كان والدي يستضيف روزخوناً طوال الايام العشرة الأولى من محرم. كانت أجرة ذلك الروزخون أكل بطنه وبعض الهدايا العينية، ملابس له ولأولاده، ومبلغاً متواضعاً لا يتجاوز الدينارين أو الثلاثة، وكان ذلك مصدر سعادة كبيرة للروزخون. أما اليوم فإن الروزخونية و"الرواديد" الذين عملوا الكثير للدعاية لأنفسهم، لا يقبلون بغير الآلالف من الدولارات عن كل ساعة!

من الواضح أن السيد نصرالله لم يكن يخاطب الناس البسطاء الذين يستغفلهم أصحاب البيزنس، فالأرجح أنه كان يتوجّه بكلامه الاستنكاري إلى رجال الدين الشيعة على وجه الخصوص. هؤلاء، بالذات رجال الحوزة في النجف منهم، هم الذين في وسعهم وضع حدّ للإهانات الموجهة إلى الإمام الحسين وقضيته، بتوجيه العامة نحو الكفّ عن هذه الممارسات، ووقف استثمار أصحاب البيزنس لذكرى عاشوراء والاربعين وسائر المناسبات الدينية الأليمة.

بكلمته الأخيرة، إنما ألقى نصرالله بالكرة نحو مرمى النجف.