شناشيل / البرلمان ينتهك أحكام الدستور / عدنان حسين
أياً كان الشخص أو الجهة الواقفة وراء إدراج موضوع منع شرب الخمور والمتاجرة بها داخل العراق في قانون البلديات الذي شرّعه مجلس النواب أمس على نحو مباغت وعاجل، فإن هذا البند في القانون علاوة على انه ينتهك احكام الدستور سيكون وكأنه لم يكن على صعيد الهدف المعلن له.
مصادر في مجلس النواب توجهت بالاتهام في إدراج هذا البند والعمل على تمريره بسرعة صاروخية إلى ائتلاف كتلة القانون وزعيمه نوري المالكي، لكنّ مصادر أخرى رأت أن المتهم الأول هو رئيس مجلس النواب سليم الجبوري الذي قال أعضاء في المجلس حضروا جلسة أمس أنه دفع باتجاه التصويت العاجل على القانون من دون الإفساح في المجال أمام المعترضين للتعبير عن رأيهم. يبدو أن رئيس البرلمان يريد أن يرسّخ لدينا الفكرة القائمة عن الأخوان المسلمين (الحزب الاسلامي العراقي الذي الجبوري من قياداته هو فرعها العراقي)، كونهم حركة غير ديمقراطية، وهي فكرة سبق أن تجلّت اثناء سنة حكمهم لمصر (2012 – 2013)، فهم لم يستطيعوا الاسطبار حتى لسنة واحدة سعوا فيها للاستحواذ على كل مفاصل السلطة في البلاد، فكان أن انقلب عليهم الشعب المصري وأبعدهم عن الحكم بمظاهرات مليونية صاخبة دفعت بالجيش المصري إلى التحرك وإطاحة رئيسهم محمد مرسي وحكومته.
ثلاثة من الدول الست المجاورة للعراق تحرّم تناول المشروبات الكحولية والاتجار بها، لكنّ الخمور متوفرة بكل أنواعها في إيران والكويت والسعودية، بل إن الأمر تعدّى مجرد الاتجار والتناول الى التصنيع سرّاً. الحكومة العراقية لن تأتي بالمعجزة التي لم تستطع حكومات الدول الثلاث اجتراحها على مدى عقود.
بند منع الخمور في قانون البلديات سيكون وكأنه لم يُسنّ، فتجارة الخمور ستزدهر أكثر. كل ما سيحصل هو أن الأسعار ستتضاعف لأن احتياطات التجارة السرية ستتضاعف ولأن الرشاوى التي ستدفع إلى موظفي المراكز الحدودية والجمارك وعناصر الشرطة ستتضاعف، ما يعني أن الفساد الإداري والمالي ستترسخ أركانه ويتسع نطاقه بخلاف ما تعمل له الحكومة. أكثر من هذا سيكون من نتائج هذا القانون الذي لم يتفكر أصحابه في عواقبه المحتملة، توسيع نطاق تناول المخدرات التي لا تخلو منها الآن أي مدينة، بما فيها المدن المقدسة، بل هي منتشرة في الكثير من البلدات الصغيرة والقرى. مضاعفة أسعار الخمور ستدفع بالشباب وسواهم من غير القادرين على مجاراة الأسعار الجديدة للاقبال على المخدرات.
ثمة جانب آخر في القضية، هو أن هذا البند في قانون البلديات يتعارض تماماً مع أحكام عدد من مواد الدستور. المادة (3) مثلاً تعترف بأن "العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب"، وإذا كان الدين الإسلامي يحرّم الخمرة فإن الدين المسيحي والدين الإيزيدي لا يحرمانها، وسكان العراق ليسوا مسلمين بالكامل، وتحريم تناول المسيحيين والإيزيدين الخمرة والاتجار بها سيكون انتهاكاً لحكم هذه المادة الدستورية.
المادة (17) تقضي بأن " لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية "، وهذا القانون ينتهك هذا الحق. أما المادة (43) فتقضي بأن "اتباع كل دين أو مذهب أحرار في :أ ـ ممارسة الشعائر الدينية بما فيها الشعائر الحسينية"، وتناول الخمرة جزء من الشعائر الدينية التي تمارس في الكنائس المسيحية.
وأخيراً فان المادة (46) تقضي بأنه " لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمسّ ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية"، ومنع شرب الخمرة والاتجار بها يحدّد ويقيّد جوهر حقوق وحريات كفلها الدستور.