شناشيل-السيد الجبوري .. إستقلْ أو اعتذرْ ! / عدنان حسين

في دولة أخرى، تحترم نفسها، وتحترم مواطنيها، ويحترم المسؤولون فيها أنفسهم ودولتهم ومواطنيهم ومواقع الخدمة العامة التي يحتلّونها، ما كان موظف متوسط الدرجة (مدير عام مثلاً)، ناهيكم عن مسؤول يفترض أنه عالي المقام كرئيس البرلمان، ليجرؤ على القول ما قاله رئيس مجلس النواب العراقي سليم الجبوري أول من أمس، ثم يبقى في منصبه.

في حضور صحافيين تونسيين زاروا البلاد، أراد السيد الجبوري أن يبرّر العمل الأخرق للمجلس الذي يترأسه بدسّه في اللحظة الأخيرة، من دون علم العديد من أعضاء المجلس، فقرة في مشروع قانون واردات البلديات تحظر بيع المشروبات الكحولية وتصنيعها واستيرادها وشربها حظراً تاماً. الجبوري قال جواباً عن سؤال في هذا الشأن إن"الفقرة لم تكن مدروسة بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية"!، مشيراً إلى أن "أصل القانون كان بهدف فرض رسوم على عدد من البضائع"، الا أن "أطرافاً سياسية أضافت فقرة حظر المشروبات الكحولية"، مرجّحاً "تقديم طعن بالقانون خلال الأسبوع المقبل"! .

هذا كلام يُمكن أن يقوله أي شخص في هذا الكون غير رئيس البرلمان بالذات، فرئيس البرلمان هو الشخص الذي تمرّ من يديه، أو بإشارة منه، إلى سائر النواب مشاريع القوانين وتعديلاتها. ورئيس البرلمان بالذات هو المسؤول عن التثبّت من أن مشاريع القوانين وتعديلاتها المطروحة للنقاش في جلسات البرلمان قد دُرِستْ بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقانونية في اللجان البرلمانية المختصة، فهذا بالذات من أولى واجبات هذه اللجان، وأمر التثبّت هو من الواجبات الرئيسة لرئيس البرلمان.

 في الدول الأخرى التي تحترم نفسها ويحترم رئيس مجلس النواب فيها نفسه ومنصبه ودولته ومواطنيه، يمتنع رئيس البرلمان عن قول أي كلام من النوع الذي قاله السيد الجبوري، بل إنه بدلاً عن قول كلام كهذا، يتقدّم في الحال باستقالته، فالناس في الدول التي تحترم نفسها ويحترمها كبار مسؤوليها ويحترمون أنفسهم ومناصبهم ومواطنيهم، لن يقبلوا أبداً بأن يكون رئيس برلمانهم آخر مَنْ يعلم وأول مَنْ يسعى لتبرير خطأ شنيع كخطأ السيد الجبوري بقبوله بأن تُعرض على التصويت فقرة في قانون لم تكن مدروسة بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية ولم تمرّ على العديد من أعضاء المجلس. والناس في الدول المحترمة لن تقبل كذلك بأن يتغاضى رئيس برلمانهم عن قيام أطراف سياسية بإضافة فقرة مسمومة كهذه، فما الذي يضمن أن حالة كهذه لن تتكرّر في المستقبل؟ بل ما الذي يضمن أن حالة كهذه لم تحصل قبل الآن مرة ومرتين وثلاثاً؟ 

ما قاله الجبوري في حضرة الصحافيين التونسيين له معنى واحد، هو أن رئيس برلماننا غير جدير بمنصبه ولا يستحق الكرسي الذي يجلس عليه تحت قبة الهيئة التي تمثّل الشعب.

هل يحترم سليم الجبوري نفسه ومؤسسته ومنصبه ورمزية كرسيّه وناخبيه وناخبي 327 عضواً آخرين إلى مجلس النواب، ويتقدّم باستقالته، أو أقله أن يعتذر؟