ثقافة مشاعر الآخر   /  حكمت حسين                                        

تفترض ثقافة الشعوب المتمدنة توفير الحقوق والحريات الاساسية بشكل متساوٍ للجميع ، بغض النظر عن انتمائاتهم الفكرية والمذهبية والاجتماعية ، وتفترض ثقافة هذه الشعوب التزام المواطنين  بهذه الحقوق والحريات ، وعدم التجاوز عليها ، وبذلك يتم ضمان استقرار هذه المجتمعات ، وبالتالي تمتعها بمسارات الحياة اليومية الجميلة .

وفي المجتمعات غير المتوازنة تختفي هذه الحقوق والحريات لفئات من المواطنين ، وتزداد للفئة الأكبر أو صاحبة السلطة ، وهذا الأمر ينطبق على العراق ، الذي تحول بعد 2003 الى نظام سياسي مشوّه ، تقوده أحزاب دينية تستمد قوتها من ميليشيات غير شرعية ، تمارس العنف ، بدون تحفظ ، ضد من يخالفها الرأي والممارسة ، والأمثلة كثيرة ومعروفة  ، خاصة في مناطق وسط وجنوب العراق حيث السلطة لأحزاب طائفة رؤوساء الوزراء بعد انتخابات 2005 .

بالغت ، وتبالغ هذه الأحزاب في ممارسة شعائرها الدينية ، وتزداد سنة بعد اخرى ، أشكال وأوقات هذه الشعائر ، وتكون لها الأولوية عن العمل أو الدراسة في اثناء ممارستها . الخلل في الموضوع ان أتباع الديانات الأخرى ، باتوا مضطرين ، تحت طائلة الخوف من العواقب ، مجاراة هذه الشعائر في محافظات الجنوب التي تضم من بين ابنائها المسيحيين والصابئة ، وهذا الأمر ليس الهدف من هذه الكلمات ، بل هو ان الكثير ممن لايمارسون هذه الشعائر ، وهم مسجلين كمسلمين في اوراقهم الثبوتية باتوا ، وربما من خوفهم أيضاً ، يمارسون تحت الضغط الجمعي هذه الشعائر ، وربما دون التفكير ، بما تعنيه هذه المبالغة ، في ممارسة شعائر غريبة ، رفض قسم من مراجع دينهم ممارستها .

قد أتفهم ، انه يمكن تأجيل حفل فني ما في محافظة جنوبية ، يدعو رجال الدين فيها الى تحريم الفن عموماً ، خشية من ردود فعل هذه الميليشيات ، ولكن ما لا استطيع تفهمه ، هو نفس التخوف موجود في أذهان زملائهم ، مرة اخرى الذين لايمارسون الشعائر الدينية ، الذين يعيشون في اوربا ، البعيدة عن ميليشيات العراق ، تحت واجهة مراعاة مشاعر الآخر .

سبب هذه الكلمات ، ان احدى منظمات المجتمع المدني ، في دولة اوربية ، اعلنت عن اقامة حفل فني بمناسبة انتصارات الجيش العراق والمتطوعين في معارك الموصل ودعمهم لتحرير كامل المناطق التي تحت سيطرة داعش . وفجأة تنبأت الهيئة التي قررت تنظيم الحفل انها تتوافق مع ذكرى زيارة الأربعين في العراق ، واعلنت الغاء الموعد .

لماذا يجب أن نربط نشاطاتنا مع روزنامة آخرين ؟

لاتوجد في شوارع هذه الدولة مظاهر زيارة الاربعين ، بل موجودة في مساجد وحسينيات هذه المجموعة ، فما شأن الآخرين بهم ؟

وماهو الموعد المناسب ، طالما ان هذه الشعائر على مدار العام ؟

لقد وجدت في احدى المواقع روزنامة لبعض هذه المناسبات وفيها 23 مناسبة وفاة في سنة 2016 فقط . وهي

10 نيسان وفاة علي الهادي ، 22 نيسان وفاة زينب ، 2 آيار وفاة الكاظم ، 12 حزيران وفاة ابو طالب عم محمد ، 15 حزيران وفاة خديجة ، 24 حزيران جرح علي ، 26 حزيران وفاة علي ، 19 تموز وفاة الحمزة ، 29 تموز وفاة جعفر الصادق ، 2 آب وفاة ابراهيم بن محمد ، 1 ايلول وفاة محمد الجواد ، 8 ايلول وفاة محمد الباقر ، 11 اكتوبر وفاة الحسين وصحبه ، 3 نوفمبر وفاة زيد بن زين العابدين ، 7 نوفمبر وفاة الحسن ، 17 نوفمبر وفاة علي الرضا ، 20 نوفمبر اربعينية الحسين ، 28 نوفمبر وفاة محمد ، 4 ديسمبر وفاة سكينة ، 7 ديسمبر وفاة الحسن العسكري .

أضع هذه القائمة التي ينقصها تواريخ اخرى ، امام الهيئة التي اتخذت قرار اللاغاء لتذكيرهم عندما يقررون موعد قادم .

- هل يحترمون هم مشاعرنا وفي مناسباتنا الحزينة ، مثلا هم احتفلوا في 14 شباط بيوم ميلاد زينب ، وهو يوم الشهيد الشيوعي السنوي ؟؟؟؟

- ماذا سنحقق من ابراز تعاطفنا معهم ؟ وكيف سيستقبلون هذا التعاطف ؟؟

- وماهي الخطوة القادمة ، هل سنشارك معهم في شعائرهم ؟؟

أخيراً ، من المؤسف ان بعضنا يفكر بهذه الطريقة ، والتي هي لن تقدم أو تنفع في شيئ ، سوى تكريس مفاهيم مصادرة حريات الآخرين .

5 تشرين الثاني 2016