شناشيل - مقتدى الصدر .. صورة اللقاء الأول / عدنان حسين

يبدو زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، لمن يلتقيه، كمن يعيش في وحدة وعزلة لا أنيس له ولا جليس، مع أن دارته في منطقة الحنانة بالنجف لا تبعد عن الطريق العامة سوى بضعة أمتار، والجدار الكونكريتي المحيط بها  ليس مزدوجاً، بخلاف الوضع الذي عليه سائر زعماء الأحزاب والقوى الشيعية المتمترسة قياداتها في أماكن قصيّة عن الناس خلف أسوار مكينة متعددة، إن داخل المنطقة الخضراء في بغداد  أو خارجها.

ووحدة الصدر وعزلته المتبديتان في أحاديثه ليستا فيزيولوجية، فمجلسه عامر بالزوار .. إنها وحدة نفسية أو معنوية يمكن استشفافها من كلامه الذي تتكرر فيه عبارات مثل "أينهم؟".. " أنا أبحث عنهم"، " اليد الواحدة لا تصفّق"، وهو يعني بذلك الشخصيات والقوى السياسية التي تنشغل بالهمّ الوطني فتقدّمه على الهمّ الطائفي، ولا تتمسك بالهوية الطائفية، راكنة جانباً الهوية الوطنية.

لواحد مثلي متابع للشأن السياسي العراقي ومنخرط فيه ويلتقي الصدر للمرة الأولى، لا يمكن أن يخرج من مجلسه بالصورة ذاتها المتكوّنة لديه عنه عن بعد. التغيّر في الطريقة التي يفكّر بها واضح بيّن.

افتتحتُ حديثي معه بالقول: "أنا كنتُ على خصومة معك ومع تيّارك، فقد كتبتُ وتحدثتُ مرات عدة في نقدكما .." .. توقّعتُ أن تبدر منه علامة عدم ارتياح لهذا المُفتتح، لكنّه ردّ بابتسامة خفيفة، وقال بهدوء: "أعرف، وأنا أتابعك من زمان". وفي معرض الردّ لاحقاً على حديثي وملاحظاتي عن مواقفه وتيّاره قال إنه لا يخشى النقد البناء، بل يرغب فيه، ويرى أن الصورة التي يعطيها الإعلام عنه "غير دقيقة".

مقتدى الصدر يتحدث بألم عن تجربة الأحزاب والقوى الشيعية في السلطة، ويعكس في كثير من الأحيان مشاعر متشائمة حيال المستقبل .. إنه مترع بالشعور بالنقمة تجاههم عن فسادهم وسوء إدارتهم الدولة وتسبّبهم في وضع مصير البلاد وأهله على كفّ عفريت بعدم إدارتهم المشاكل على نحو صحيح وبما يحقق وحدة المجتمع والبلاد، بل يرى أن الطبقة السياسية الشيعية تمضي في الاتجاه المعاكس لهذا.

الشعور الذي يعطيه مقتدى الصدر بالوحشة في الطريق السياسية لا يقتصر على شركائه في التحالف الوطني .. إنه يبحث ولا يجد، بحسب قوله، عن شركاء سُنّة "معتدلين وفاعلين" مهمومين بالقضية الوطنية وغير مشدودين لطائفيتهم كما هي عليه الآن حال الناطقين باسم المكوّن السُنّي .. إنه يكرر السؤال: "أينهم؟".  وهو يطرح السؤال ذاته بخصوص المدنيين واليساريين الذين يرى أنهم متفرقون،  مما لا يساعدهم على لعب دورهم المطلوب في الحياة السياسية. أما الكرد فيرى أنهم منصرفون إلى قضيتهم...  والنتيجة فإنه لا يرى ضوءاً في نهاية النفق على صعيد ما يطمح إليه ويسعى، وهو تشكيل القائمة أو الكتلة العابرة للطائفة والقومية، المطلوبة لإدارة العراق الآن وفي المرحلة المقبلة، كيما تنتشله من الهوّة التي استقر إليها.

مقتدى الصدر يكاد يجزم بأنه لو نجح مسعى سحب الثقة من حكومة نوري المالكي الثانية ما كنّا  في الحال الراهنة ولا جرى الذي جرى منذ اجتياح داعش واحتلاله الموصل حتى اليوم. وهو يرى أيضاً أن الخروج من المأزق الحالي يكون بانتخاب طبقة سياسية جديدة لإدارة البلاد، وهو ما يتطلّب تعديل قانون الانتخابات وتبديل مفوضية الانتخابات بواحدة مستقلة تماماً، وبمنع الفاسدين والفاشلين من الترشح في الانتخابات المقبلة "فالمُجرّب لا يُجرّب".. أما مشروع "التسوية التاريخية" المطروح من جانب شركائه في التحالف الوطني فلا يستحق منه غير بضع كلمات تعكس عدم حمله على محمل الجدّ، والسخرية منه.