حول مستقبل العراق...استنتاجات ... / فارس كريم فارس
توصلت دراسة الماجستير المقدمة من قبلي الى قسم العلوم السياسية في معهد الدراسات والبحوث العربية في القاهرة والتي حازت على درجة ممتاز, والتي كانت تحت عنوان " مستقبل العراق وأثره على الاستقرار الاقليمي " الى مجموعة من الاستنتاجات والتوصيات, استعرض في هذه المادة اهمها على امل اطلاع المهتمين بالشأن العراقي على هذا نوع من الدراسات المستقبلية الاكاديمية والاستفادة مما توصلت اليه من نتائج تغتني من خلال التحليل والنقد والمناقشة, ان الفترة التي ركزت عليها الدراسة نيسان/ 2003 – نيسان/2014م, ان الطامحين الى وطن حر ديمقراطي مزدهر, بحاجة ماسة الى وضع خارطة الطريق للخلاص من الوضع المتأزم والمأساوي الذي يمر به العراق, ونتائج هذه الدراسة واغنائها قد تساهم ولو بشكل متواضع في توضيح رؤيتنا للمستقبل, المستقبل الذي نطمح ان يكون العراق فيه حرا عادلا مزدهرا.
الاستنتاجات
- العراق الحديث هو امتداد لحضارة عريقة عمرها 7000-8000 سنة تسمى بحضارة وادي الرافدين, نشأة فيها اقوى الإمبراطوريات, السومرية والأكدية والآشورية والبابلية, علمَت البشرية القراءة والكتابة وسنت أولى القوانين وكُتبت فيها أولى الاساطير والملاحم, ولكن ما بعد سقوط دولة المدينة والحضارة البابلية سنة 521 ق.م على يد الجوار الفارسي, وما عدا فترة الخلافة العباسية التي اتخذت من بغداد مقرا لها, كان العراق طلية تلك الفترة خاضعا للإمبراطوريات الاخرى (التترية, الفارسية, العثمانية, الرومانية), ولم ترسى فيه معالم التحضر أو المؤسسات في الادارة والتنظيم بشكل كبير, وبالتالي لم تترسخ فيه تقاليد دولة المؤسسات, ولعب الصراع العثماني الفارسي على ارض العراق دورا في تأجيج النعرة الطائفية بشكل كبير لا زالت اثاره باقية, بالإضافة إلى النزعة القبلية والعشائرية التي لم تكن في وئام مع الدولة لأغلب سكان العراق.
- ادخل الاحتلال البريطاني للعراق 1917م بداية التحضر من جانب ومن جانب اخر اذكى الروح والمشاعر الوطنية العراقية ضد الاحتلال وكانت ثورة العشرين الشعلة الوطنية الأولى التي اجبرت الانكليز لتسليم السلطة إلى حكومة وطنية هيأت لانبثاق النظام الملكي في العراق, ان الملكية خلال الفترة من 1921 – 1958 اعاقت بهذا الشكل أو ذاك قيام دولة وطنية مستقلة, ديمقراطية حديثة وفق ما كانت تطرحه من شعارات, الا انها فعلت الكثير في الوقت نفسه لتحضير العراقيين لحمل الصفات الوطنية, سواء جاء ذلك اختيارا أو للضرورة, بصورة مباشرة ام غير مباشرة, عبر عمليات بدأتها هي ام عبر عمليات وقعت في شراكها, والاهم من ذلك ففي تلك الفترة ترعرع المجتمع العراقي (وطنيا) في خضم الازمات وفي لحظات خطر كبير ومعاناة مشتركة وفي ظل ارتعاش الجماهير الهائجة وانفجاراتها الغاضبة وإذا اراد هذا المجتمع ان يبقى متماسكا مستقبلا وان يحافظ على هوية وطنية مستقلة, فانه سينظر إلى ثورة العشرين وحرب 1941 ووثبة 1948 وانتفاضتي 1952 و1956 وثورة تموز 1958 على انها مراحل في تقدم العراق باتجاه الانسجام الوطني (القومي), على الرغم من وجود بعض مظاهر الانقسام من آثار الماضي.
- أما في بداية العهد الجمهوري ورغم الانجازات الجذرية التي قامت بها ثورة 14 تموز, حيث تحول العراق من نظام الحكم الملكي الوراثي إلى النظام الجمهوري, وخرج من الاحلاف الاستعمارية كحلف بغداد, واصدر قانون الاصلاح الزراعي لصالح الفلاحيين الفقراء, وشرع قوانين للحفاظ على الثروة النفطية وعزز الاستقلال الوطني وقام بإنجازات كبيرة على طريق التنمية الاجتماعية,, وغيرها من الخطوات التي عززت من مكانة العراق الاقليمية والدولية, الا ان هدف الوصول للسلطة والاستيلاء عليها استحوذ على تفكير القوى والنخب السياسية. فلم تحظى موضوعات مثل كيفية تداول السلطة, وآليات تحقيق الديمقراطية السياسية باهتمام يذكر. وانعكس ذلك بشكل جلي على الدستور المؤقت لهذه الجمهورية, الذي بدا خارج وظيفته التي وجد من اجلها ألا وهي تنظيم ممارسة السلطة السياسية, وسادت موضوعة اهمية التنمية الاقتصادية الاجتماعية على حساب الحقوق والحريات السياسية ولم يتحقق الاثنين معا طيلة العهد الجمهوري حتى انهيار الدولة والاحتلال الامريكي للعراق في 2003م.
- ان وجود النفط كمصدر رئيس لثروة البلد وحصره بيد الدولة اتاح للدولة استقلالية واسعة, تساعد على نمو الدكتاتوريات والاستبداد, فعندما تعتمد الدولة في مواردها على الضرائب المفروضة على مواطنيها والسلع والخدمات, تتخذ بالمقابل حلول وسط مع رعاياها, على قاعدة (لا ضريبة بدون تمثيل) في حين ليس هناك ما يدعو في اقتصاديات الريع إلى مثل هذا التفاعل والحلول الوسط, وهذا يفسر عدم تلاقي الدولة والمجتمع وظلا متمايزان احدهما على الاخر, فالطبيعة الريعية تعمل بشكل مضاد لخلق دولة قوية, أو مضاد لإشراك مجتمعها في شؤون البلاد.
- ان الحرب العراقية الايرانية ومن ثم اندحار القوات المسلحة العراقية خلال حرب الخليج الثانية (اثر غزو النظام لدولة الكويت في آب 1990 ) على يد قوة دولية قمعية غالبة هي الولايات المتحدة الامريكية عام 1991 , قد اسهم في تقويض العراق كدولة – امة حديثة وجعلت شعبه يتضور جوعا, والمفارقة انها قد ابقت في المحصلة على وجود النظام السياسي, توجت هذه الحروب بالحصار الاقتصادي الدولي (1990 – 2003) القاسي, حيث حصد الحصار ارواح ما يقارب 1,8 مليون نسمة اغلبيتهم من الأطفال والنساء والشيوخ, إضافة إلى التأثيرات البيئية القاتلة وتدهور الصحة العامة وانتشار الامراض المميتة وعودة امراض عديدة للظهور بعد ان تم القضاء عليها تماما, كما فقدت المستشفيات ابسط المستلزمات الضرورية لمعالجة المرضى والمصابين.
- الجيش العراقي منذ تأسيسه حتى انهياره وانهيار الدولة معه على اثر الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله عام 2003, ورغم بنائه وفق أسس مهنية على درجة عالية من الانضباط والحرفية فقد تورط في السياسة من خلال طموحات قادته من ناحية واستخدامه كأدات قمع بيد القيادات السياسية العليا في البلد من ناحية ثانية, وبمعنى آخر لم يستمر الجيش كمؤسسة مهنية احترافية تدافع عن حياض الدولة وتخضع لدستوره أو ان يكون له نوع من الاستقلالية بمعنى ان لا يكون أداة قمع ضد الشعب وبيد السلطة التنفيذية, وقد تم أدلجة الجيش العراقي وربطه بعقيدة الحاكم وحزبه في الثلاث عقود الأخيرة قبل انهياريه, وعمليا قام الجيش العراقي منذ تأسيسه في6يناير(كانون الثاني)1921 وحتى انقلاب 17 تموز 1968, بأكثر من عشر محاولات انقلاب. أما القضاء في العراق كمؤسسة مهمة في بناء الدولة, فكان كما مؤسسة الجيش, فمنذ تأسيس الدولة العراقية في 1920, ظل تابعا للسلطة التنفيذية بل يمكن القول تابع لقرارات الحاكم المطلق وليس للقضاء العراقي شخصية مهنية أو احترافية ومستقلة الا بدرجة متدنية, بالرغم من كونه يمثل احد اهم مفاصل الدولة الثلاث وظل على هذا الحال لحد انهيار الدولة واحتلالها عام 2003م وفيما بعد!!!!!.
- وعموما لم تنجح الدولة العراقية منذ تأسيسها ولغاية انهيارها في بناء شرعية وطنية للحكم، وذلك بسب احتكار الأقلية لسلطتها السياسية وما نتج عن ذلك من اغتراب الدولة عن مكوناتها الاجتماعية. وبسب ضعف قوة الهيكلية في الدولة العراقية، تبوأت المؤسسة العسكرية موقعا مقررا في الحياة السياسة، فارضة بذلك نزعتها الاستبدادية على الدولة و المجتمع. ولم تشهد تشكيلة العراق الاجتماعية استقرارا في بنائها الطبقي، وعلى الصعيد السياسي في منهجية بناء الدولة العراقية، يمكن القول إن الديمقراطية تمثل احد المشكلات الرئيسية للنظام العراقي المعروف بالإرهاب و الفردية و القمع. وعلى الرغم من سيطرة الشعارات القومية وسيادة الحزب الواحد في المرحلة التالية من سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي، إلا ان أمال تطور الدولة العراقية اللاحق افضى إلى سيادة العشيرة الواحدة وتحكمها في توجهات النظام السياسي ومفاصل الدولة العراقية.
- ادخل الغزو والاحتلال الأمريكي-البريطاني العراق في منعطف تاريخي نوعي خطير حيث تفككت الدولة العراقية التي تأسست في عام/1921م أو عمليا تم إلغائها، بعد أن كانت تضع بصماتها على كل شيء، وتكاد هيمنتها ان تكون مطلقة على الحياة السياسية والحزبية والاجتماعية والمهنية، وترافق سقوط النظام وغياب الدولة مع تعريض الاستقلال الوطني إلى الضياع وتأسيساً على ذلك، تعرضت السيادة الوطنية إلى التعويم، بحكم غياب الدولة ووقوع البلاد تحت نير الاحتلال, ويمكن القول ان الاحتلال الأمريكي ساهم في تفكيك رموز الهوية الوطنية الرئيسية وتكريس مفاهيم الطائفية والعرقية إلى الدرجة التي يمكن القول فيها بان الهويات الفرعية طغت على الهوية الوطنية. كما ان إقامة نظام سياسي على أسس وقواعد طائفية وقومية واضحة وليس على أسس المواطنة حيث برزت فكرة المحاصصة بأنواعها، فأدى ذلك إلى اختفاء الولاء الوطني وحل محله الولاء القومي والطائفي, الذي ادخل العراق في اتون الصراعات والأزمات والحرب الاهلية. وادى الاحتلال الأمريكي إلى تنامي مظاهر الإرهاب والفوضى والعنف والمليشيات المسلحة والمنظمات الإرهابية التكفيرية التي كلفت الشعب العراقي الدماء الغزيرة والدمار والخراب اكثر بكثير مما كلفه وجود النظام الدكتاتوري السابق.
- أما من ناحية التطور الدستوري والقانوني في العراق الحديث فقد كان الدستور لسنة 1925 أول دستور دائم لنظام حكم ملكي دستوري برلماني فيه الكثير من النواقص لكنه كان يوفر الحد الأدنى من عناصر النظام الديمقراطي بما يخص فصل السلطات الثلاث, وممارسة الانتخابات واختيار ولو جزئي للمؤسسات, وبعض الحقوق الأساسية والحريات العامة رغم الجانب السلبي المتمثل بخضوع وتأثير بريطانيا الكبير على النظام السياسي, وهيمنة الملك التنفيذية على مفاصل الدولة كافة, أما الدساتير المؤقتة التي جاءت بعد الدستور الأول عددها تقريبا ستة, فكانت ابرز سماتها التي تم العمل بها اسميا وليس فعليا رغم تكريسها للأنظمة الشمولية واحتوائها على بعض الحقوق السياسية التي لم تر النور, فقد رسخت جميعها أنظمة حكم فردية دكتاتورية, كما تميزت هذه الفترة التي تقارب من نصف قرن بانتهاك صارخ لحقوق المواطن العراقي في ظل الأنظمة الدكتاتورية التي حكمت العراق. ويمكن القول بان العراق يعتبر الدولة الوحيدة في العالم الذي عاش في ظل دساتير مؤقتة لفترة اكثر من 45 سنة من ثورة تموز يوليو 1958 إلى الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003. وجاء الدستور الدائم الثاني في ظل الاحتلال وتم الاستفتاء عليه في 2005 في ظل أوضاع سياسية واجتماعية وامنية في غاية التعقيد, ورغم كل إيجابياته فقد صيغ بشكل أوقع العراق في نفق لا يعرف نهايته بسبب الغموض والتناقض والروح الطائفية والعرقية التي تشوب الكثير من فقراته مما استلزم الاتفاق على ضرورة تعديله وهذا ما لم يتم حتى الوقت الحالي (ديسمبر2014).
- فشل العملية السياسية منذ الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق عام 2003 بإنتاج الدولة الوطنية الموحدة, بسبب قيامها على أسس طائفية عرقية واعتمادها الديمقراطية التوافقية والمحاصصة السياسية, وكل ذلك يمهد مع دستور كثير العورات إلى مشروع لقيام أقاليم عرقية طائفية, سهلة التهشم والابتلاع الإقليمي.
- الاداء السيئ والسلبي للنخب والأحزاب السياسية التي توافقت مع المحتل وتصدت للمسؤولية التاريخية في قيادة العراق في ظل الاحتلال الأمريكي أو ما بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق وإضاعة الفرصة التاريخية لقيام المصالحة الوطنية وترسيخ الوحدة الوطنية ونيل السيادة والاستقلال والتخلص من التبعية الإقليمية والدولية.
- اتسمت فترة حكم نوري المالكي كرئيس لمجلس الوزراء في العراق وهو المنصب التنفيذي والمسؤول الأول في البلد منذ الفترة 2006-2014م بما يلي:
تفاقم الازمات والصراع على السلطة والنفوذ بين القوى السياسية وباستخدام الأدوات الطائفية والعرقية لإثارة الشارع, وظهور النزعة الفردية وملاحقة المختلفين في الراي, وتسيس الجيش والقضاء لصالح السلطة التنفيذية, والاستهانة بالبرلمان وشراء الذمم وزيادة حدة الصراع السياسي والإعلامي بين شركاء العملية السياسية, مما افقد ثقة الشعب بهذه العملية, تجاوز القوانين والتحايل على الدستور, ومحاولة بناء سلطة لمصالح حزبية وشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا, والهيمنة على الهيئات المستقلة, مفوضية الانتخابات والبنك المركزي وهيئة الاعلام ومنظمات المجتمع المدني وهيئة المسائلة والعدالة...وغيرها, والتمسك بالسلطة والقتال من اجل الكرسي والامتيازات, وتكوين فئات مصلحية حول الحكم ورشوتهم بأموال ووظائف وامتيازات كمجالس الإسناد وجيش من الإعلاميين المواليين للحاكم, وجاء كل ذلك بالتزامن مع قمع الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح السياسي, وتوفير الخدمات, والقضاء على الفساد الذي استشرى في كل مفاصل الدولة وتمثلت بشكل واضح في قمة هرم السلطة, من خلال توزيع العقود والمشاريع المهمة والاستراتيجية للموالين والمناصرين والاقرباء, صعود وتيرة التجييش الطائفي إلى اعلى المستويات واقصاء السنة والكرد والمعارضين من الشيعة, وتهميش الاخريين وقمعهم والتطبيق المزدوج للقوانين واستغلالها لقمع المخالفين وابتزازهم مثل قانون 4 إرهاب واجتثاث البعث وغيرها, زج الجيش بعد إضفاء الطابع الطائفي عليه من خلال سلسلة من الإجراءات والتعينات غير المهنية في قمع احتجاجات المناطق السنية كالهجوم في الحويجة والانيار مما دفع هذه المناطق التي أخرجت المنظمات الإرهابية من مناطقها في فترة 2006-2007 إلى ان تكون حاضنة للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مما أدى لاحقا إلى سهولة انهيار الجيش وسيطرة تنظيم الدولة على الموصل وأجزاء كبيرة من محافظات الانبار ونينوى وديالى وكركوك, كل ما ذكر أعلاه هي خلاصة لسلوك حكومة المالكي خلال سنيين حكمه من 2006-2014 وتم اجباره على الانسحاب من الترشح لفترة حكم ثالثة بعدما أوصل الدولة في العراق إلى اسوء حالاتها, كدولة فاشلة بامتياز لا تستطيع القيام بواجباتها بما يخص الامن والخدمات حيث ارتفاع معدلات العنف والعمليات الإرهابية وكذلك معدلات الفساد واهدار المال العام وسرقته, لقد سلم "المالكي" العراق وأربعين بالمائة من ارضه بيد الإرهاب وخزيته خاوية تماما, والصراع الطائفي والتوتر الأمني والمعيشي للمواطنين على اشده, ان فترة حكم "المالكي" وسلوكه السياسي الفاشل وارتباطا بوضع الدولة والدستور السابق ذكره تمثل فترة كابوس وقتل الامل في دواخل المواطن العراقي, وفترة تتيح فرصة كبيرة للاحتمالات السيئة والمتشائمة للنجاح.
- توافق الفشل في إدارة السياسة الداخلية لحكومة المالكي مع فشل وتوتر مماثل على صعيد السياسة الخارجية وبالأخص مع دول الجوار, حيث تزايد النفوذ الإيراني بشكل كبير وخاصة بعد الانسحاب الأمريكي من العراق واهمال الإدارة الامريكية الجديدة الوضع العراقي بعض الشيء, وتوافقت سياسة المالكي مع الإيرانيين بشان القضية السورية وجعل العراق جسر لتمرير الدعم الإيراني ومشاركة المليشيات العراقية إلى جانب الحكومة السورية مما عقد اكثر علاقات العراق مع السعودية والخليج والأتراك وجميع الدول العربية والغربية, لان بهذه الخطوة قد وضع العراق في موقع خطر للغاية, وفي خط المواجهة الاستراتيجية الكبرى في صراع الارادات في المنطقة والعالم, فاعتبر العراق بهذه الحالة العمود الفقري للهلال الشيعي الممتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مرورا ببغداد ودمشق, والتي تسعى ايران لتشكله خدمة لمصلحة امنها القومي كما تعتقد!!! وهذا يشكل خط احمر للاستراتيجيات الأخرى (الامريكية والسعودية والتركية), مما ترتب عليه من أوضاع هشة وخطيرة للدور الإقليمي السلبي إزاء العراق, لقد جعل المالكي العراق كجدار صد استراتيجي لصالح ايران خلال فترة حكمه, ودفع الشعب والوطن العراقي ثمن كبير ومؤلم من الدماء والأرض المحتلة من قبل داعش, والتشرد والتهجير والحرب الطائفية وخرق امني وعسكري وأوضاع اقتصادية مزرية, لصالح سياسة طائفية تخدم اجندات خارجية, سياسة غير وطنية سواء على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي.
- وعموما هناك اربع استراتيجيات كبرى يقع العراق في مجالها الجيو ستراتيجي وهي: الاستراتيجية الامريكية (وإسرائيل), والاستراتيجية الإيرانية, والاستراتيجية السعودية والاستراتيجية التركية, وتستخدم هذه الاستراتيجيات مختلف الوسائل لضمان وقوع العراق في مجالها الحيوي, وتشهد المنطقة حاليا والعراق خصوصا صراعا واستقطابا حادا بين هذه ألاستراتيجيات, ونتائج هذا الصراع سيؤثر على وضع العراق كأمة ودولة.
- أمام العراق احتمالات مستقبلية متشائمة في وضعه السياسي, وهي الأرجح وفق التوجهات والمؤشرات المحددة خلال فترة الدراسة, تتراوح بين البقاء كدولة فاشلة, أو الانتقال إلى حالة الأقاليم العرقية والمذهبية, والأكثر تشاؤما التقسيم إلى دويلات شيعية وسنية وكردية, هشة ومتصارعة على الحدود والمياه والثروة, تابعة للأطراف الإقليمية والدولية,( وهذا ما تسعى وتخطط له الجهات المتطرفة في الولايات المتحدة وإسرائيل), توصل البحث إلى دخول الإقليم والمنطقة برمتها في صراع له بداية ولكن ليس له نهاية لو تحقق هذا الاحتمال (احتمال تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية). أما الاحتمالات التفاؤلية تراوحت بين التوجه لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على المواطنة بغض النظر عن الجنس والديانة والعرق ويمكن ان تكون دولة فدرالية ذات أقاليم متعددة على أساس جغرافي واداري ذي صلاحيات واسعة, حيث لا يمكن ان يحكم العراق لاحقا بحكم مركزي متشدد, وهذا يحتاج إلى نخبة وأحزاب سياسية عراقية وطنية تشكل كتلة تاريخية قادرة على حسم مشروع الدولة الوطنية الموحدة الديمقراطية واضحة الخصوصية والهوية والمصلحة, دولة مستقلة غير تابعة لأجندات خارجية ولا تُستخدم كمصد للآخرين, مثل هذه الدولة سيكون لها اثر إيجابي على المنطقة والعالم في ترسيخ التوازن والاستقرار الإقليمي, مما يستدعي من دول الجوار العراقي ادراك هذه الحقيقة فعراق قوي سلمي تكاملي, هو الذي يساهم بشكل كبير في جلب الأمان والاستقرار للمنطقة وليس العراق الضعيف التابع من جهة أو العراق القوي العدائي من جهة أخرى.
- وتبقى الاحتمالات سواء المرجحة أو البعيدة ليست قدرا محتما على العراق, فالشعب العراقي بشخوصه وقواه الوطنية المخلصة يستطيع المساهمة في إزاحة المخاطر والتقليل من تأثيرها وهذا يمثل احد اهم اهداف الدراسات المستقبلية في هذا الشأن, فهي تدق ناقوس الخطر من السياسات الخاطئة والفاشلة المؤدية إلى نتائج كارثية كالدراسة موضوعة البحث, كما انه توجد عوامل وأسباب كامنة في مجمل التطورات التاريخية لا يمكن التكهن بها أو معرفتها واكتشافها, نتيجة القصور البشري ازائها, ويمكن لها ان تلعب دور إيجابي في سير الاحداث كما يمكن لها أيضا ان تلعب دور سلبي في نفس الاحداث, وهذا ما حاول البحث تسليط الضوء عليه من خلال فكرة البجعة السوداء أو تموجات حركة جناح الفراشة, ومن خلال التعمق في الدراسات المستقبلية ومناهج اكتشاف المستقبل والاستشراف وطرقه المتعددة مما يتيح لنا التوصل إلى استنتاج حول أهمية الاهتمام بهذه الدراسات في وطننا العربي لما لها من فائدة جمة لرسم مستقبل أوطاننا ولرفاهية اجيالنا القادمة.
- يشكل العراق ودوره المؤثر في استقرار الإقليم وتوازنه, مثلث قائم الزاوية يمثل ضلعه الشمالي تركيا, وضلعه الشرقي ايران ويشكل ضلعه الثالث العمق العربي له, وهو بذلك يكون حجر الزاوية في الركن الشمالي الشرقي للأمن القومي العربي إزاء التعاون أو الصراع الاستراتيجي مع الجوار الشمالي الشرقي للوطن العربي, فالعراق القوي المتماسك السلمي الموحد هو ضمان للتوازن الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط ويشكل مع مصر القوية (قلب الأمة العربية) ضمان للأمن القومي العربي برمته وامن الخليج العربي خصوصا. فأي عمل داخلي أو تدخل إقليمي أو دولي سوف يؤثر على قيمة الزاوية القائمة (المثلث الحدودي بين العراق وايران وتركيا) زيادةً أو نقصاناً, سينعكس سلبا على التوازن والاستقرار في الإقليم على الأقل في مدى عدة سنوات القادمة. وبهذا الصدد توصلت الدراسة إلى استنتاج بضرورة الاهتمام الجدي في إعطاء الحقوق القومية للشعب الكردي والقوميات والأديان الأخرى إلى اقصى مدياته لأنه حق لهم أولا, ولأن كردستان العراق تشكل جغرافياُ مساحة المركز في الزاوية القائمة المشار اليها ثانيا, وثالثا لأهمية دور الأكراد والقوميات والأديان الأخرى في المساهمة والحفاظ على وحدة وقوة وازدهار العراق الديمقراطي السلمي, ولضمان بقائهم ضمن العراق الواحد فبالإضافة إلى العوامل التاريخية النفسية والاجتماعية الإيجابية المشجعة على البقاء ضمن العراق لا بد من توفير ضمانات للرفاه الاقتصادي والأمن والاستقرار المجتمعي وتنمية الشعور الوطني وعدم تعارضه مع الكرامة والمشاعر القومية للشعب الكردي والقوميات والأديان الأخرى, لا كما السياسات السابقة والحالية المشجعة على الانفصال وفك الارتباط مع العراق رغم عدم توفر الظروف الذاتية والموضوعية مما يدخل المنطقة والعراق في متاهات جديدة لا طائل من ورائها سوى اهدار الدم والجهد والمال.
- يحتاج العراق إلى حكومة جديدة بعد انتخابات نيسان 2014م ذات برنامج وخطط آنية واستراتيجية لإنقاذه من الأسس الخاطئة في العملية السياسية والسلوك السلبي في عملية بناء الدولة ومؤسساتها, وللتخلص من الاثار السلبية الكبيرة لسلوك حكومة المالكي في قضايا الوحدة الوطنية والمصالحة والفساد المالي والإداري واستقلالية الهيئات الخاصة والتعاون واحترام السلطات التشريعية والقضائية وإعادة بناء المؤسسة العسكرية على أسس وطنية ومهنية, والعمل للتخلص من المحاصصة الطائفية والعرقية وتعديل الدستور, ومحاربة الإرهاب والعنف والمليشيات المسلحة, ووضع الخطط التنموية لتطوير الاقتصاد وتنوع مصادر الدخل والاهتمام بالزراعة والصناعة, وتوفير الخدمات والكهرباء والماء والصحة والتعليم والبنى التحتية ومحاربة الفساد والمحسوبية والاهتمام بالمرأة والطلبة والشباب وخاصة المهجرين والنازحين وإعادتهم إلى أماكنهم....ان القائمة تطول بشان الإجراءات الضرورية لإخراج العراق من المحنة الحالية وللحفاظ على وحدته.
- العراق بحاجة إلى تغيير جذري في الأسس والمبادئ التي قامت عليها الدولة أو اللا دولة فيما بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني عام 2003م, وفي حالة استحالة قيام النخب السياسية الحالية أو بعض منها القيام بهذا الدور التغييري الجذري, فستولد الحياة والشعب رجاله وبناته القادرين على التصدي لهذه المسؤولية (بثورة على الواقع المرير الحالي), وطي الصفحة السوداء التي يمر بها تاريخ العراق المعاصر فيما بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني نيسان/ابريل2003, حتى منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين بكل شخوصها, التابعين والفاشلين والفاسدين والطائفيين وغيرهم من المساهمين في هذه العملية السياسية, وذلك ليست امنيات ساذجة إزاء الواقع المأساوي الحالي, بل هو استنتاج علمي يستند إلى احتمال أو مشهد (سيناريو) المفاجأة والحدث غير المتوقع نتيجة التراكم السلبي الكبير الذي يتفاعل داخليا بشكل غير منظور, وما اكثر الأمثلة لما قامت به الشعوب من حركات وثورات لم تكن متوقعة من اكثر السياسيين والجهات الاكاديمية والعلمية نضوجا وخبرة, فها هو الشعب المصري بمساندة الجيش الوطني يتخلص من مستقبل مجهول بثورة 30 يونيو/حزيران 2013, هذه المفاجأة التي اذهلت الجميع, وما فعله الشعب العراقي وجيشه في 14 تموز/يوليو 1958 كانت مفاجأة كبيرة غير متوقعة اذهلت القوى الكبرى وأزاحت النظام الملكي وحلف بغداد, وهكذا فعل الشعب التونسي وشعوب أخرى ازاحت قيودها في ظروف معقدة ومأساوية لم تكن متوقعة!!.
التوصيات:
إقرار القوى والنخب السياسية العراقية بفشل العملية السياسية التي أسست لها الولايات المتحدة الامريكية في العراق بعد احتلاله في 9-4-2003. ونقد ومراجعة مشاركتها سلطة الاحتلال في اعتماد المحاصصة الطائفية والعرقية في النظام السياسي, وما ولده من أزمات وتمزيق وصراع على السلطة والثروة بين القوى السياسية واستغلال أدوات الشحن الطائفي لتحقيق المصالح الحزبية والشخصية على حساب المصلحة الوطنية العليا, مما كلف دماء وضحايا وآلام ومعاناة مريرة مرت على الشعب العراقي ولا تزال مستمرة للحظة الراهنة, وقد تستمر لفترات طويلة قادمة, وتبعا لذلك لا بد من اتخاذ نهج جديد, يشكل بديل للعملية السياسية الجارية, حيث قضية اصلاح العملية السياسية الحالية قد تجاوزها الزمن, ويعتمد البديل على الأسس التالية:
1) بداية وجود نخبة او شخوص أو قوى سياسية وطنية نزيهة تؤمن بالديمقراطية والتعددية والمواطنة, ترفض الدكتاتورية والطائفية والتطرف الديني والقومي, منفتحة وذات رؤية استراتيجية, لمرونة شكل النظام السياسي وطبيعة التطور الاقتصادي الاجتماعي والثقافي والحضاري عامة, تستند الى الحراك الجماهيري والشعبي الرافض للواقع الفاسد الحالي وتعمل لتحشيد القوى وتوحيدها لتحقيق الأهداف والمصالح الوطنية العليا من خلال احترام التعددية والإرادة الحرة للناس, تطور مؤسسات الدولة وتؤمن بفصل السلطات واستقلالها, تنمي المجتمع المدني, وترفض العنف والإرهاب بأي شكل من الاشكال, وتعمل لتطوير المؤسسات الأمنية والعسكرية بشكل مهني لمواجهة الإرهاب والقضاء عليه وحماية المواطن من كل اذى ومن قبل أي جهة كانت, تقضي على الفساد المستشري في جميع مفاصل الدولة وفي المجتمع.
2) قيام مصالحة وطنية شاملة لا تستثني أي قوى أو جهة سياسية (سواء من كان مع او ضد العملية السياسية القائمة), شرط ايمانها بعراق ديمقراطي موحد, وتنبذ نظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي زرعه الاحتلال بعد 2003م.
3) وضع أسس لدولة مدنية ديمقراطية موحدة مستقلة, تقوم على المواطنة والمساواة وحقوق الانسان المنصوص عليها بالقوانين الدولية, متكافئة ومسالمة مع الخارج.
4) اعتماد الدستور الدائم لعام 2005 لحين تعديله في حالة احتمال التطور السلمي للأحداث, أو تغييره في حال التطور العنيف للأحداث ( انقلاب عسكري او صراع مسلح ).
5) تعديل الدستور العراقي الدائم (أو تغييره) بما يضمن وحدة وسيادة العراق ونظام سياسي ديمقراطي اتحادي (فيدرالي), يضمن حقوق المواطنة نصا وروحا, وحقوق ومصالح ومشاعر جميع المكونات الدينية والمذهبية والقومية, بعيدا عن المحاصصة الطائفية والاثنية في النظام السياسي وفي تقاسم الموارد والسلطات أو توزيعها, بل يُعتمدْ في استلام المسؤولية السياسية في النظام السياسي الجديد على أساس الكفاءة والنزاهة والمواطنة دون تمييز عرقي أو ديني أو مذهبي وخاصة في السلطات الاتحادية.
6) كما يضمن التعديل الدستوري (أو الدستور الجديد) التوزيع العادل للثروة وتجاوز ومعالجة الأخطاء التي ظهرت اثناء الفترة السابقة بما يخص تعارض الصلاحيات بين السلطات الاتحادية والاقليم والمحافظات...الخ.
7) ما يخص الظرف الراهن فقد تم تشخيص مجموعة من الإجراءات الضرورية والسريعة التي يجب على الحكومة الجديدة اتباعها للخروج من الأزمة العميقة والمعقدة التي يمر بها العراق, سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي بما يخص دول الجوار, أو التعاون الدولي لمواجهة الإرهاب, وتم الإشارة إلى هذه الإجراءات في الفصل3 المبحث2-3.
8) ان جوهر وهدف الدراسات المستقبلية هي في تلافي والتقليل من تأثير الاحتمالات السلبية, والعمل من اجل ترجيح الاحتمالات الإيجابية لمستقبل البلاد, وهذا يتطلب ممن يكون على راس السلطة, أناس على مستوى عال من الشعور بالمسؤولية الوطنية والحرص والكفاءة ومستوى عال من الاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية والحزبية الضيقة, وإيمان كامل بالحلول الوسطية والمرونة السياسية وبالتعاون والشراكة لتحقيق الوحدة الوطنية, والأهداف المستقبلية لصالح الدولة الرشيدة والناجحة التي تؤدي وظائفها الأمنية والخدمية الداخلية والخارجية وتلعب دور إيجابي إزاء شعبها وفي المنطقة والعالم.
9) ان ظهور دولة عراقية وطنية موحدة ذات قوة استراتيجية مستقلة غير تابعة يحتاج إلى نخبة عراقية وطنية تشكل كتلة تاريخية قادرة على حسم مشروع الدولة وانتشالها من المأزق الراهن, صوب انتاج دولة وطنية مدنية ديمقراطية واضحة الخصوصية والهوية والمصلحة.
10) ستلعب هذه الدولة دور حاسم في خلق التوازن الاستراتيجي في المنطقة مما يساهم في تعزيز وترسيخ الاستقرار الإقليمي, وعكس ذلك فلابد للإقليم والدول الإقليمية المجاورة من ادراك ان ضعف وانهيار العراق كدولة, سيدخل الإقليم في صدامات وانهيارات لا تعرف حدا.
11) وتبعا لذلك توصل البحث لتوصية أساسية في هذه الدراسة لدول الجوار العراقي وهي:
ان العراق يشكل مثلث التوازن والاستقرار في الإقليم, يقوم على قوته وتماسكه الوطني والحفاظ على حدوده وسيادته وان تغيير زاويته القائمة بأي مقدار نقصان أو زيادة وكذلك في اضلاعه الثلاثة اثر أي تدخل إقليمي, سيؤدي إلى اختلال في التوازن والاستقرار في المنطقة, والعبث به من قبل أي طرف دولي (كالاحتلال الأمريكي البريطاني أو الخرق الإسرائيلي...الخ) من خلال السهم القادم من الغرب نحو قلب المثلث سيؤدي إلى نفس النتيجة السلبية على الامن والاستقرار في المنطقة, لذلك فمن مصلحة العراق والإقليم والاستقرار الدولي, بروز العراق كقوة استراتيجية سلمية وتكاملية مع دول الإقليم, لا يُعتدى عليه ولا يَعتدي على الاخرين, ولا بد من دعم وتعاون دولي واقليمي مع الشعب العراقي لتامين بناء نموذج عراقي سلمي تكاملي وقوي ذو اثر إيجابي على الاستقرار الإقليمي والدولي.