مثال وأنموذج من بابل/ عدنان حسين
من الآن فصاعداً لا يتعيّن على أي عراقي أن يشكو من تقصير الأجهزة الأمنية، وبخاصة الشرطة، فكل الأمور تمام التمام وعال العال، ومَنْ لديه شك في ما أقول ليسأل عما يجري في محافظة بابل، فهناك مثال وأنموذج.
لا ينبغي لأحد بعد اليوم أن ينطق بكلمة أو يكتب حرفاً، حتى لو تفجّرت في اليوم الواحد عشرين سيارة ملغومة، أو وقعت مئة جريمة قتل أو سرقة أو سلب أو ابتزاز أو تهريب مخدرات أو بشر أو الاتجار بها أو اعتداء على أطباء أو معلمين .... فما حدث في محافظة بابل للتوّ يقدّم الدليل على أن شرطتنا وقياداتها هي بالفعل العين الساهرة التي لا يغمض لها جفن ولا يطرف لها رمش إن في الليل أو في النهار عن أي جريمة مهما قلّ مقدارها وتدنّى شأنها.
في محافظة بابل كما في سائر المحافظات مدير شرطة، لكن مدير شرطة بابل تميّز على أقرانه في الأيام الأخيرة بأنه تصرّف على النحو المطلوب في متابعة جريمة وقعت وفي اتخاذ الاجراءات اللازمة للقبض على مرتكبها، المجرم الخطير.
أما الجريمة فهي ظهور كلام في حساب شخصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" وجد فيه مدير الشرطة ما يُسيء إليه وينتقص منه. أمّا المجرم المنسوب إليه الكلام فهو صحفي شاب.
ما علينا من الجريمة التي وضع مدير شرطة بابل يديه عليها، وما علينا من مرتكبها المجرم الذي أحيل الى القضاء بعد اعتقال دام ثلاث ليال بأيامها، فالمهم الآن أن لدينا مثالاً يُحتذى به وقدوة تستحق الاهتداء بها في الكشف عن جريمة والقبض على مرتكبها وتقديمه الى القضاء لينال العقاب.
من الآن فصاعداً، بعد هذا المثال وهذه القدوة، يتوجّب على القائد العام للقوات المسلحة، رئيس الوزراء، أن يمضي في هذا الأثر، فيقتطع الكثير من وقته المخصّص لإدارة الحكومة والقوات المسلحة والحرب على داعش، ولا يعطي الأذن الطرشاء ولا العين المغمضة، كما يفعل الآن، لمن ينتقده ويحمل عليه في الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى وفي مواقع التواصل الاجتماعي .. عليه أن يفعل ما فعله مدير شرطة بابل، وأن يبلو بلاء حسناً على هذا الصعيد فيرفع الشكاوى ويتخذ اجراءات الاعتقال في حقّ الآلاف من العراقيين والعراقيات الذين ينتقدونه يومياً عن كل صغيرة وكبيرة في الدولة، بل عليه أن يرسل الدبابات الى ساحة التحرير وسواها لإبادة المتظاهرين الذين لا يوفّرونه ولا حكومته في شعاراتهم وهتافاتهم كل أسبوع ... ليس على رئيس الوزراء القائد العام بعد اليوم أن يسمو على الصغائر كما يفعل الآن، وليس عليه أن يفكّر بعقل رجل الدولة ولا أن يتصرف بقلب المسؤول، ولا أن يتحمّل ما لا يتحمّله غيره.
هذه القاعدة يتعيّن أيضاً أن تُعمّم لتشمل العراق من شماله إلى جنوبه، فلا يتوجّب على قيادة عمليات بغداد وقيادات العمليات الأخرى ولا على وزارة الداخلية ولا على مديريات الشرطة والاجهزة الأمنية الأخرى في سائر المحافظات أن تسكت على ما يُقال ويُكتب في حقّها .. عليها جميعاً أن تقتدي بما حصل في بابل، ولا تأبه بما سيحدث من تكدّس للقضايا على طاولات القضاة ومن امتلاء مراكز الشرطة والمعتقلات بنصف الشعب العراقي بتهمة ارتكاب جرائم الرأي والتعبير، فالنصف الآخر سيأخذ العبرة ويكفّ حتى عن التنفّس، وحينها فقط سنصبح بلداً آمناً لا تتفجر فيه السيارات الملغومة ولا العبوات الناسفة، ولا تُرتكب فيه جرائم القتل أو السرقة أو السلب أو الابتزاز أو تهريب المخدرات أو البشر أو الاتجار بها أو الاعتداء على الأطباء أو المعلمين ولا حتى جرائم الفساد الإداري والمالي.. أو أو أو، بل لا نعود في حاجة إلى شرطة أو جيش ... سنصبح سويسرا الشرق!