أوقفوا إعدام النُصب والتماثيل في بغداد !/ عدنان حسين
هذا الذي أمر بجليّ تمثال كهرمانة عند مدخل الكرادة بالعاصمة بغداد لا يتمتّع بالذوق الفني.. هذا مؤكد، لكنّه يُضيف إلى هذا "موهبة أخرى" هي الجهل بكيفية التعامل مع النُصب والتماثيل المنحوتة من البرونز.
لابدّ ان هذا الشخص لم يلحظ يوماً، في هذا التمثال البديع، الموهبة الفذّة والاحساس المرهف والمعرفة الفنية لمحمد غني حمكت، أحد أهم النحاتين في العراق والمنطقة على مدى نصف قرن، ولا نظر إليه بوصفه تحفة فنية أخّاذة .. لم يرَ فيه سوى كتلة صماء من البرونز تُشبه صخرة مرمية وسط المدينة المُتخمة بالنفايات التي تفترش بها كل الشوارع والدرابين والساحات في العاصمة المُهملة، المتروكة لمصيرها على صعيد الخدمات العامة، وبينها خدمات التنظيف.
ولابدّ أن هذا الشخص لم تتجاوز خطواته عتبات باب بيته وباب دائرته، فلم يزر بلداً آخر، أو أنه، بخلاف هذا، لم يكترث عند وجوده في أية مدينة كبيرة، أو صغيرة، خارج البلاد بأمر النُصب والتماثيل والحال التي عليها.
الخشية أن هذا السيد، أو السيدة، صاحب أمر الجليّ، يُزمع أن يشمل بـ "بركاته" سائر النُصب والتماثيل التي هي آخر ما يتبقى لبغداد من معالم الجمال والتحضر والذوق الرفيع، فنصحو ذات صباح لنجد نصب شهرزاد وشهريار، مثلاً، قد جُلي هو الآخر، ثم في الصباح التالي نجد أن نصب الحرية في ساحة التحرير قد آل إلى المصير البائس ذاته... إن هذا أقرب ما يكون إلى عملية إعدام لهذه النُصب والتماثيل.
لهذا السيد، أو السيدة، نقول إنه في سائر بلاد العالم تُترك النُصب والتماثيل على حالها، ومن طبيعة البرونز أن يتفاعل مع الماء والهواء والضياء فيميل لونه بمرور الايام إلى لون يجمع الاخضر إلى الازرق إلى الرمادي، ومع ذلك لا يأمر أحد في بلديات تلك المدن ومجالسها بجليّ النُصب والتماثيل بأي حال، ربما فقط يحصل أن تُنظّف هذه النُصب والتماثيل مما يتكدّس عليها من فضلات الطيور.
منذ سنوات يتعرّض نصب الحرية إلى تآكل بعض طابوقه المرمري، بل أن بعض عدداً من الطابوقات قد سقط إلى الارض، وقد أبدى العديد من المهتمّين ملاحظاتهم وتحذيراتهم من أن يتأثر هذا النُصب العملاق والفريد من نوعه أكثر بعملية التآكل هذه، بل يُمكن أن يؤدي تساقط الطابوق إلى إصابة المارّة تحت النُصب.. أمانة بغداد أعطت الأذن الطرشاء لكل تلك الملاحظات والتحذيرات .. وكذا فعلت وزارة الثقافة.
مادامت أمانة بغداد لديها القدرة المالية على جليّ النُصب والتماثيل، فمن باب أولى أن تعالج الأضرار في نصب الحرية وسواه، ولتترك لون النُصب والتماثيل على حاله، فما من عيب في هذا .. العيب والعار هو في عملية الجليّ.
إننا نحبّ لتماثيلنا أن تبقى على ما هي عليه من لون لا يعجب البعض في أمانة بغداد ..نُحبّ أن تكون تماثيلنا مثل تماثيل سائر المدن والبلدان ... مفهوم؟