شناشيل / هذه الحملة لها ما يبرّرها / عدنان حسين             

ما قاله رئيس ديوان الوقف الشيعي في مقطع الفيديو المتداول على نطاق واسع عبر شبكة الانترنت في الأيام الأخيرة بشأن "الجهاد"، حتى لو كان مجرد درس في حلقة حوزوية، وحتى لم عاد بتاريخه ثلاثاً من السنين، فإن الحملة القوية المناهضة لفحواه مبرّرة كل التبرير.

الحملة مبرّرة لأنه ما كان لزاماً أن يظهر كلام كهذا إلى العلن الآن خاصةً، وفي أي وقت آخر .. الذين سرّبوه كانت لهم غاية .. لم تكن غاية بريئة ولا شكّ. وهؤلاء المسربون ليسوا من عامة الناس من أمثالي ممَّنْ لا سبيل لهم إلى الحوزات الدينية. لابدّ أنهم من خاصّة رئيس الوقف الشيعي، بمَنْ فيهم طلابه. ومما يبرّر الحملة المضادة أنها تهدف إلى الحؤول دون تحقيق الغاية المُفترضة لمسرّبي مقطع الفيديو.

والحملة مبررة لأن كلام رئيس الوقف الشيعي لم فريداً من نوعه.. يوتيوب وسائر منصّات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن العديد من القنوات التلفزيونية والاذاعية "الاسلامية"، تحفل بالكلام المماثل لرجال دين شيعة وسنّة على السواء لا يكلّون عن التحريض ضد مذاهب ورموز بعضهم البعض وضد المسيحيين واليهود وسائر "الكفار".

والحملة مبرّرة لأنها تمثّل دفاعاً مشروعاً عن النفس .. دفاعاً عن تطلّع العراقين، بأغلبيتهم الساحقة، إلى استعادة الوحدة الاجتماعية – الوطنية التي دمرّتها سياسات نظام صدام حسين وأجهزت على ما تبقّى منها سياسات الإسلام السياسي (الشيعي والسني) الحاكم منذ 2003 وغير الحاكم ( القاعدة وداعش وسواهما). وكلام رئيس الوقف الشيعي جاء، أو بُثّ، في لحظة عراقية فارقة وحاسمة، فالدولة توشك على القضاء على أكثر تنظيمات الإسلام السياسي تطرّفاً وإرهاباً (داعش)، والمجتمع يجمع قواه لإرغام الطبقة السياسة الحاكمة (الإسلامية في المجمل) على التخلّي عن نظام المحاصصة الطائفية ودولته القائمة، أساس الخراب الشامل الراهن، والانتقال الى دولة المواطنة.

والحملة مبرّرة لأن رئيس الوقف الشيعي لم يظهر إلى الناس لـ "يوضّح" الظروف التي قال فيها ما قال - دعك من الاعتذار- فهو ترك الأمر الى مكتبه ليصدر بياناً غير مقنع، ما ينمّ عن عدم إدراك للعواقب المحتملة لكلام كهذا في ظرف تاريخي كهذا، سواء قيل اليوم أو قبل ثلاث سنوات، وقد ترك ما قاله آثاراً باعثة على الخوف والإحباط لدى المسيحيين والصابئة والإيزيدين، فالكلام صادر عن رئيس مؤسسة كبيرة في الدولة لها اعتبارها وتأثيرها، وليس عن روزخون من درجة متدنية.

والحملة مبرّرة كذلك، لأنها تدعم الدعوات المتصاعدة نبرتها الآن في طول البلاد الاسلامية وعرضها بإعادة النظر في الدرس الديني، العام في مدارس الدولة وما يماثلها والخاص في الحوزات والمدارس الدينية.

 ثمة إجماع تقريباً على أن الدرس الديني التقليدي، فضلاً عن المنبر، يُستغل لبثّ أشدّ الأفكار تطرّفاً، دينياً ومذهبياً، ولترسيخها في أذهان الشبان اليافعين الذين يجد الكثير منهم في أوضاع البؤس التي يعيشونها ما يحرّضهم ويحمسّهم أكثر لانتهاج سبيل التشدّد والتطرّف... والعلاج يبدأ من هنا.