هوامش على الذكرى 59 لثورة تموز2-3 / ابراهيم الحريري    

 ( اشرت في ختام الحلقة الأولى الى بوادر الصراع بين تيارين داخل قيادة الحزب في الموقف من ثورة تموز، ظهرا في اجتماع لكوادر بغداد في آب 1958، اي بعد شهر تقريبا من قيام الثورة، قاده سكرتير اللجنة المركزية للحزب، سلام عادل( تجنبت الأوصاف، مثل الشهيد، المرحوم) و الى جانبه جمال الحيدري، الأول يبالغ في تقدير ما تحقق، و الثاني يحذر من المبالغة، و يدعو الى اجراء تحليل طبقي لطبيعة الثورة و قيادتها و التهيؤ لمواجهة كل الأحتمالات، و كنت من طرح ذلك وايدني الرفيق سلام عادل- راجع الحلقة الأول نشرت في 16 من هذا الشهر- كان في بالي مواصلة الكتابة حول هذا الموضوع، لكن الأمر تطلب مني التوقف لتدقيق بعض المعلومات)

بين انفجار الثورة و بين مرور سنه على ذلك، مرت الكثير من المياه، كما يقال، تحت جسرها.

انفجر الصراع حول الموقف من العلاقة مع الجمهورية العربية المتحدة: تيار يدعو الى الوحدة الفورية، كان على رأسه عبد السلام عارف، مؤَيدا من التيار القومي. التيار الأخر يدعو الى الأتحاد الفدرالي، دعا له الحزب الشيوعي و الوسط الدمقراطي، يؤيدهم في ذلك عبد الكريم قاسم. كان هذا مؤشر الى اول انقسام شمل قيادة السلطة و جبهة الأتحاد الوطني التي كانت تشكلت عام 1957 و لعبت دورا هاما في التهيئة لثورة تموز، ما ادى الى انفراطها، و الى اخراج عبد السلام عارف من قيادة السلطة، ثم محاولته قتل عبد الكريم قاسم.

لا يتسع المجال هنا للخوض، مفصلا، حول الأحداث الجسام بين قيام الثورة وبين مرور سنة عليها فقد كتب عن ذلك الكثير، ساكتفي ببعض الأشارات:

مؤامرة رشيد عالي الكيلاني, مؤامرة عبد الوهاب الشواف، المظاهرة المليونية في الاحتفال باول ايار عام 959 و قد جرى خلالها طرح شعار مشاركة الحزب الشيوعي في الحكم، انتشار الأجتماعات التي تدعو الى ذلك في سائر الانحاء، بما في ذلك معسكرات الجيش- ما اعتبره قاسم" عقر داره!"- ما ارعب عبد الكريم قاسم فبدا حملته ضد الأحزاب و الحزبية و التحزب. وظهر الى العلن اول شرخ في العلاقة بين قيادة السلطة وبين الحزب.

هل كان لموقف عبد الكريم قاسم من تنامي نفوذ الحزب خوفه على مركزه في السلطة، ام محاولته تطمين الأوساط المعادية، في الداخل و الخارج؟

يبدو لي الأثنين معا!

لم يكن بوسع قيادة الحزب تجاهل المؤشرات التي بدأت تتطور في مواقف عبد الكريم قاسم، حل فصائل المقاومة الشعبية التي كان للحزب نفوذ بيّن فيها، اي تجريد الحزب مما اعتقده عبد الكريم قاسم الذراع المسلحة للحزب، حل لجان مساندة ( في الأصل الدفاع) عن الجمهورية التي كان للحزب دور بارز في تشكيلها و في قياداتها، ما اعتبره قاسم نواتات سلطة بديلة، حل او تجميد الهيئات المؤسسة للمنظمات الجماهيرية، اتحاد النقابات، رابطة المرأة، اتحاد الشبيبة الديمقراطي الخ...

كان قاسم بدا هجومه المعاكس...