شرط الشهادة الجامعية للمرشح يقيد... / هادي عزيز علي
القابضون على السلطة هاجسهم هو البقاء فيها ومنع المواطنين رجالا ونساء، حتى بواسطة التشريعات، من المشاركة في الشأن العام ومنافستهم عليها.
وقد تحقق لهم هذا حين وافق مجلس النواب على شرط حصول المرشح للانتخابات على الشهادة الجامعية، وهو الشرط الذي ثبتوه في مشروع القانون المعروض حاليا امام مجلس النواب. وهذا النص يعني حرمان فئات واسعة من المواطنين من الوصول الى مقاعد المجالس التمثيلية، ويعني بقاء العملية السياسية في مائها الراكد من دون رجاء في تغيير الخريطة السياسية. فضلا عن ان هذا النص يعطل احكام المادة 20 من الدستور، التي تنص على ان (للمواطنين رجالا ونساء، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق التصويت والانتخاب والترشيح). فتمرير نص كهذا يشكل تحديا لقاعدة دستورية آمرة، هي الوارد ذكرها في احكام البند ثانيا من المادة (13) من الدستور.
ان نص الشرط المذكور لا مثيل له في القوانين المناظرة في محيطنا الاقليمي على الاقل، وفي الدول العربية على وجه الخصوص. فالفصل 19 من الباب الثالث من القانون الانتخابي التونسي مثلا لا يشترط اية شهادة دراسية للمرشح. والامر ذاته بالنسبة الى القانون المغربي، حيث نصت المادة 4 منه على انه (يشترط في من يترشح لعضوية مجلس النواب ان يكون ناخبا ومتمتعا بالحقوق المدنية والسياسية). اما من هو هذا الناخب فكما تقول المادة 3 من الدستور: (الناخبون المغاربة ذكورا واناثا، هم البالغون من العمر ثماني عشرة سنة شمسية كاملة على الاقل، والمتمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية، وغير الموجودين في احدى حالات فقدان الاهلية الانتخابية). وفي القانون المصري نصت الفقرة 3 من المادة 8 من الفصل الاول - الباب الثاني على اشتراط شهادة دراسية: (ان يكون حاصلا على شهادة اتمام مرحلة التعليم الاساسي)، والتعليم الاساسي هو ما دون الاعدادية.
كما ان لمحكمتنا الاتحادية العليا رأيا واضحا وصريحا في موضوع الشهادة الجامعية. صحيح انه وارد ارتباطا بقانون الاحزاب، الا ان ذلك لا يخرجنا عن العملية التمثيلية، لان قانون الاحزاب رقم 36 لسنة 2015 عرّف الحزب بانه: (مجموعة من المواطنين منظمة تحت اي مسمى، على اساس مباديء واهداف ورؤى مشتركة، تسعى للوصول الى السلطة لتحقيق اهدافها بطريقة ديمقراطية...). والسعي الى السلطة بموجب هذا القانون لا يتم الا عن طريق الانتخابات. ومن هذا التعريف يتضح الترابط بين قانون الانتخابات وقانون الاحزاب، اللذين ينزعان نحو وصول المرشح الى المقاعد التمثيلية بالطريقة الموصوفة في القانونين كليهما, وباعتبارهما ينتميان الى نشاط واحد هو مشاركة المواطنين في الشؤون العامة.
وقد تم الطعن لدى المحكمة الاتحادية العليا بالبند (سادسا) من المادة (9) من قانون الاحزاب، الذي اشترط حصول مؤسس الحزب على الشهادة الجامعية الاولية, باعتبار ان النص المذكور مخالف لاحكام المواد (14) و(16) و(20) و(38 / اولا) من الدستور, حيث انه يهدر مبدأ المساواة امام القانون، ويخالف مبدأ تكافؤ الفرص، ويعطل احكام المشاركة في الشأن العام،فضلا عن كونه لا ينسجم مع احكام حرية التعبير، ويحدد ويقيد ويمس جوهر الحق والحرية الذي تتطلبه المادة (46) من الدستور،ويعد قيدا يؤدي الى حرمان عدد كبير من المواطنين من ممارسة هذا الحق. ومعلوم ان تاريخ العراق يحفل بالقامات السياسية المشهود لها بعلو الشعور بالمواطنة، والحرص على نيل المواطنين حقوقهم،فيما بعضهم لم يحصل حتى على الشهادة الاعدادية. ذلك ان عدم حصولهم عليها لا يلغي منجزهم السياسي والفكري، ودورهم الساعي لبناء الدولة التي يتسيد فيها القانون. ثم ان الناخب يصوت واقعا للمرشح وليس لشهادته.
وبعد ان استكملت المحكمة الاتحادية العليا تحقياتها واجراءاتها، انتهت الى اصدار حكمها المرقم 3 / اتحادية / 2016 المؤرخ في 9 / 8 /2016. وقد بدأته بالقول : (لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور ويعتبر باطلا كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني آخر يتعارض معه). وندرج هنا نص الفقرة الحكمية وكما وردت نصا :
(... اما اشتراط الفقرة " سادسا" من المادة (9) من القانون اعلاه لمن يؤسس حزبا ان يكون حاصلا على شهادة جامعية اولية او ما يعادلها، فهذا خرق واضح لاحكام الدستور في مواده " 14 و 16 و 38 / اولا و46 " منه حيث ان الدستور لم يشترط في من يتولى منصب رئيس الجمهورية ان يكون حاصلا على شهادة جامعية اولية او ما يعادلها، كون المنصب المذكور منصبا سياسيا، فمن باب اولى ان مهام رئاسة الحزب عمل سياسي بحت، يجب ان لا يقترن بالحصول على تلك الشهادة المنوه عنها اعلاه، اذ ان ذلك يؤدي الى حرمان عدد كبير من المواطنين ممن مارسوا وتمرسوا في الشؤون السياسية واصبح لهم جمهورهم، من ممارسة هذا الحق. وتاريخ العراق زاخر بعدد غير قليل من السياسيين غير الحاصلين على الشهادات الجامعية، تبوؤا رئاسة الاحزاب السياسية العريقة وتشكيلها، وهذا ما هو موجود في اغلب دول العالم سواء في الدول الرأسمالية او الدول الاشتراكية سابقا ... ولما تقدم قررت المحكمة الاتحادية العليا الحكم بعد دستورية الفقرة " سادسا " من المادة "9" من قانون الاحزاب السياسية رقم (36) لسنة 2015 لمخالفتها للمواد الدستورية المبينة ازاءها...) انتهى.
ومن قراءة حكم المحكمة الاتحادية العليا هذا يمكن ان نخرج بالاستنتاجات الاتية :
اولا – ان الدستور لا يتطلب ممن يتولى رئاسة الجمهورية حصوله على الشهادة الجامعية الاولية او ما يعادلها، كون المنصب المذكور منصبا سياسيا. فمن باب اولى ان مهام رئاسة الحزب عمل سياسي بحت، يجب ان لا يقترن بالحصول على تلك الشهادة.
ويلاحظ ان المحكمة الاتحادية العليا قد استعملت آلية الاستنتاج من باب اولى في تفسير النص الدستوري وتحت احكام الوسيلة الداخلية للتفسير, وتركت الآليات الاخرى مثل الاستنتاج بطرق القياس، او الاستنتاج بمفهوم المخالفة او الاستنتاج المنطقي. وخيرا فعلت المحكمة لاختيارها هذه الآلية، فهي الاقرب الى تفسير هذا الواقعة. وخلاصة آلية (من باب اولى) هي : تطبيق حكم حالة معينة يمكن ان ينطبق على حالة اخرى ولو لم ينص عليها الدستور، فيكون شمولها من باب اولى بالنص الدستوري.
ولتوضيح ذلك نضرب المثال التالي: تنص المادة 13من الدستور على انه: (لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور..)، فيكون من باب اولى ان لا تتضمن الانظمة والتعليمات احكاما مخالفة للدستور. وهذا يعني ان القانون الذي يملك العلوية على الانظمة والتعليمات ممنوع عليه ايراد نص مخالف للدستور, فيكون من باب اولى لمن هو دون القانون ان يسري عليه عدم الجواز هذا.
من ذلك يتضح ان عمل المرشح هو عمل سياسي، متأت عن مخاض للعملية السياسية من احزابها وتشكيلاتها،ومتوجه لممارسة العمل السياسي بكافة نشاطاته والوانه. وحيث ان الدستور لم يشترط الشهادة الجامعية الاولية لمن يشغل منصب رئيس الجمهورية، وان حكم المحكمة الاتحادية العليا قضى بعدم دستورية اشتراط الشهادة المذكورة لرئيس الحزب، فيكون من باب اولى عدم شمول المرشح في الانتخابات بشرط الشهادة الجامعية الاولية.
ثانيا – ثبت للمحكمة الاتحادية العليا ان شرط الشهادة المذكور لا يؤدي الى المساواة امام القانون (المادة 14 من الدستور)، ولا يتيح تكافؤ الفرص (المادة 16 منه)، ولا يفسح المجال للمشاركة في الشؤون العامة (المادة 20 منه)، ويحول دون التمتع بحرية التعبير (المادة 38 / اولا منه)، ويقيد ويحدد ممارسة الحقوق والحريات الواردة في احكام الدستور (المادة 46 منه). وان من غير المقبول تحدى صرامة النصوص هذه، رغم انبثاقها من قواعد دستورية آمرة.
ثالثا – ان حكم المحكمة الاتحادية العليا بعدم دستورية الشهادة الجامعية الاولية،هو حكم بات وملزم للسلطات كافة، وواجب الاتباع قطعا (المادة 94من الدستور).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص1
الاربعاء 23/ 8/ 2017