الساعة الأمنية / عدنان حسين
هل لدينا سجّل كامل يتضمن الأرقام الدقيقة والتواريخ المضبوطة بالعمليات الإرهابية التي شهدها العراق منذ إطاحة نظام صدام حسين حتى اليوم؟ .. سجلّ بعدد الضحايا، قتلى وجرحى ومعاقين وأرامل وأيتاماً وثكالى، وبحجم الخسائر المادية.
أشكّ في أن وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع أو وزارة الصحة أو وزارة التخطيط أو جهاز المخابرات الوطني أو جهاز الأمني الوطني، أو أي جهة أخرى في الدولة لديها مثل هذا السجلّ، فالظاهر ليس ثمة اهتمام بهذا الأمر أو إدراك لأهمية وجود سجّل كهذا متاح لاطلاع كبار المسؤولين في الدولة وأجهزة الإعلام من إجل إدراك حجم المحنة الكبرى التي نعيشها مع الإرهاب ومنظماته. أول من أمس حصلت مجزرة كبيرة على مشارف مدينة الناصرية، فالعملية الإرهابية التي استهدفت مطعماً شعبياً ونقطة تفتيش أمنية أسفرت عن حوالي 180 ضحية بين قتيل وجريح، فضلاً عن الخسائر المادية الكبيرة.
انتهى أمر هذه العملية عند الإعلان عن عدد الضحايا بوصفه رقماً يُضاف إلى الأرقام السابقة، وكذلك الإعلان عن أن وزير الداخلية قد أمر بإقالة مدير الاستخبارات في محافظة ذي قار وإحالته إلى التحقيق وتشكيل لجنة عليا للتحقيق في أسباب هذا الخرق الأمني، وكذا التحقيق مع الشركة الأمنية التي كانت ترافق الزائرين الضحايا. برغم أهمية إجراءات وزير الداخلية فأنها لن تعمل اختراقاً على صعيد مواجهة الإرهاب وتنظيماته، فالاختراق معقود لواؤه على إعادة النظر جدّياً وجذرياً في النظام الأمني المتّبع في البلاد.
نحتاج إلى الدخول في عصر التكنولوجيا الرقمية الحديثة، فنظامنا الأمني التقليدي البيروقراطي المُستهلك ليس في وسعه مواجهة عدّو يوجّه عناصره ويدير تنظيماته وعملياته الإرهابية بواسطة هذه التكنولوجيا فائقة التطور. نقاط التفتيش الأمنية داخل المدن وعلى الطرق الخارجية يجري العمل فيها بطريقة متخلّفة، فهي ليست مزوّدة بأجهزة الكشف عن المتفجّرات والأسلحة وسائر الممنوعات، ومتروك لعناصر هذه النقاط الكشف عن الإرهاب بالعين المجرّدة أو بالحدس أو مواجهة مصيرهم ليكونوا من جملة الضحايا.
وبالعودة إلى موضوع سجّل المعلومات المتّصلة بالعمليات الإرهابية وخسائرها البشرية والمادية، ربما من المفيد اقتراح العمل بنظام الساعة الأمنية الشبيه بنظام ساعة ضحايا حوادث المرور المعمول به في بعض البلدان.
يقوم هذا النظام على وضع ساعات رقمية في الساحات والشوارع الرئيسة للمدن وعند مداخل المدن على الطرق الخارجية، تُعلِم الجمهور بأعداد الضحايا وحجم الخسائر في أحدث العمليات الإرهابية، والحصيلة الإجمالية لعواقب الإرهاب منذ البداية حتى الآن، علّ وعسى أن تصرخ هذه الساعات في وجوه مسؤولي الأمن والدولة بأن الأمر قد تجاوز كل الحدود، وأن النظام الأمني المتخلف الذي نعمل به لم يعد صالحاً لضمان أمن دربونة واحدة في بلدة صغيرة.