الأزمة الاخيرة، الأسباب، المضاعفات، النتائج / ابراهيم الحريري

يحار المرء من اين يبدأ في تناول الأزمة الأخيرة التي لم تتم فصولا. و مع انها بدأت تأخذ مسارها الصحيح، اي المفاوضات و الحوار بين حكومة الأقليم و السلطة الأتحادية، فانها مرشحة لأن تنفجر مرة اخرى، في اي وقت، بسبب الشروخ- الجراح العميقة التي خلفتها، على كل الصعد، و الأخطر على صعيد علاقات الاخوة بين الأكراد و العرب و الأطراف الأخرى في النسيج العراقي.

ليست هذه هي المرة الأولى التي تنشب فيها الأزمة بين الاكراد وبين السلطة المركزية، منذ تاسيس الدولة العراقية، و هي كانت تتخذ اشكالا مختلقة، من التوتر، الى القتال. لكن هذه الأزمات، اي شكل اتخذت، لم تكن تفلح في تفكيك عرى الأخوة و التضامن، بين الأكراد وبين الأطراف الأخرى من الشعب العراقي، خصوصا العرب. بل كانت تزيد في لحمتها قوة وتماسكا.

منذ الأربعينيات رفع الحزب الشيوعي العراقي شعار " على صخرة الأتحاد العربي الكردي تتحطم مرامرات الأستعمار" و عندما انفجر، اوائل الستينيات، القتال بين الأكراد و حكومة عبد الكريم قاسم، نظم و قاد الحزب الشيوعي العراقي، مظاهرات "السلم في كردستان" . ومنذ اواخر الستينيات رفع الحزب الشيوعي الشعار الرائع " السلم في كردستان و الديمقراطية للعراق" الشعار الذي لم بفقد اهميته و راهنيته حتى الأن، بل خصوصا الآن.

و لم يقتصر الحزب الشيوعي العراقي،على رفع الشعارات و تنظيم اشكال التضامن السلمي مع الحركة الكردية المسلحة، بل ساهم، في اوقات مختلفة في الكفاح المسلح، الى جانب الفصائل القومية الكردية، وشكل، تحت قيادته، الفصائل التي ضمت الأكراد و العرب و الأشوريين الخ...و لقد دفع الحزب ثمنا غاليا من دماء اعضائه و كوادره و اصدقائه ، ليس، فقط، بسبب مشاركته في الفتال الى جانب الفصائل اقومية الكردية ضد القوات الحكومية ، بل، ايضا، بسبب القتال بين الفصائل القومية الكردية المسلحة.( بشت أشان ).

لكنه للمرة الأولى  تاخذ الأزمة بين الأقليم و الحكومة المركزية ( الأتحادية ) شكل  شرخ واسع ، عميق ، على الصعيد الشعبي، تساهم فيه اوساط واسعة: شعبية، سياسية، حتى ثقافية...  يمكن ان يترك اثارا مدمرة على علاقات الاخو ة و التضامن بين الكورد و بين العرب، بالأساس، هذا اذا اغفلنا الأطراف الاخرى.

كيف حدث ذلك؟

لن تنفع محاولات تغطية هذا التطور المؤسف الاليم بالعودة الى الشعارات و العبارات و الأغاني الرومانسية( هربجي! كرد و عرب فد حزام!) فقد انفك الحزام، و بان الجرح و تتطلب معالجته و لأمه وفتا طويلا، هذا اذا امكن ذلك.

لا يمكن، بالطبع، الا الترحيب بالتطورات الأخيرة: الحوار، التفاوض، مساعي التهدئة الخ...

لكن ذلك ، وحده، لا يكفي

ينبغي التوجه الى اعادة بناء الجسور التي تخربت، من الأتجاهين

و ليس باستطاعة النخب الحاكمة في الأتجاهين، القيام بذلك.

ذلك ان الحل يكمن في بناء الدولة الدولة المدنية الديمقراطية، في الاتجاهين

الحل يكمن في اشاعة الديمقراطية في الأتجاهين  و في الحياة العراقية باسرها

الديمقراطية الحقة، ديمقراطية المواطنة، الديمقراطية المدنية، و ليس ديمقراطية المحاصصة و اقتسام السلطة و الغنائم.

بذلك وحده، باعادة بناء الدولة على هذه الاسس، يمكن اعادة بناء الأخوة العربيه- الكردية

و الا فأننا سنصحو ذات يوم على ازمة جديدة

قد لا تبقي و لا تذر!

 

هاملتون   كندا

31    10   2017