بعد قرن مضت على ثورة أوكتوبرﻻ زالت مفاهيمها../ د.علي الخالدي
يعتبرالقرن العشرين قرن أفتتاح الثورات ، ذات الطابع الإشتراكي ، حيث قامت في السابع عشر من أوكتوبر عام 1917 أول ثورة إشتراكية في العالم ، لتثبت للعالم أمكانية قيام الثورة البروليتارية خارج ما يحتم وفق النظرية الماركسية أن نجاحها يرتهن بمقدار ما وصلت اليه الطبقة العاملة من تطور وتقدم وتنظيم ، يمكنها من تملك إمكانيات تؤهلها ﻹدارة الثورة الإشتراكية . لكن لنين أثبت بأنتصار ثورة العمال والفلاحين في روسيا المتأخرة صناعيا وزراعيا ، بالقياس ﻷوروبا الغربية وأمريكا ، مؤكدا بذلك على أن الماركسية ليست بنظرية جامدة فهي ذات ليونة لمن يحسن الغور بمفاهيمها، وبالشكل الذي يتماهي مع ظروف البلد الموضوعية والذاتية
وبعد أنتصارها شغل فكر لنين في تلك الأيام التي دكت فيها مدافع الباخرة أورورا حصن القياصرة ، وهو يذرع بهو القصر الشتوي سمولني بعد وصوله بقطار الفحم عائدا من المنفى. هو كيفية إيجاد الخبز والسلام لجنود الثورة من العمال والفلاحين في ظل الحرب الكونية الدائرة آنذاك ، فقادته قريحته إلى ضرورة إيقاف العدوان الخارجي على الثورة ، بعقد الصلح مع اﻷلمان في برست ليتوفسكا لإنقاذ الثورة وتوفير السلام ، بينما الخبز والأرض اللتان لا زالتا بيد البرجوازية والإقطاع ، فتوفيرهما يتأتى من أخذ سلطة السيطرة عليهما من يد البرجوازية مع كل مناحي التطور ، وتكرسيهما بأيادي المعدمون حتى يتمتع بهما كل الناس . فسارع في تعجيل قانون الأرض لمن يزرعها (قانون الإصلاح الزراعي ) وأمم المصانع . مستفيدا من دروس كمونه باريس عام 1871 التي دامت لفترة قصيرة وثورة عام 1905 للعمال الروس واللتان قضت عليهما قوة الراسمال .
من هذه الدروس خرج بوقائع ثورية عمقت التطبيق الحي للفكر الماركسي في عملية إندلاع ثورة أوكتوبراﻹشتراكية ، ولم يُغريه الإعتزاز بالنصر ويبعده عن ضرورة نيل ثقة الناس وخصوصا الفقراء المعدمون منهم ، بدعم الثورة ، فنزول وقادتها إلى الشارع ، قاما بتنظيمه ، مع لإستفادة من ما يمكن أن يحصلوا عليه مهما كان بسيطا من الحكومة البرجوازية ليكون لهم صوت مرتفع يقف بجانب الشعب والوطن في البرلمان ، فالنزول للشارع عَضد من ثقة العمال والفلاحين بقادة الثورة والتي تقينوا من مبادئها ستوفره لهم الحياة الحرة الكريمة ، فحموها ، وإرتقوا الى أثبات مسؤوليتهم في حماية حقوق الإنسان الأساسية ، عبر مراقبة و بشكل منهجي وعزيمة صلبه ، منعت في حينه الأعمال البغيضة التي تسيء للثورة . آخذين بنظرالإعتبارمقولة ماركس بأن الإنسان أثمن رأسمال وكل ما تقوم به الدولة هو تلبية حاجاته الأساسية .
ومن ضمن ما فكر به لنين هو كهربة البلاد السوفيتية ، كحاجة ماسة وملحة لتطوير بقية القطاعات و تطبيق مقولته اوجتي... أوجتي... أوجتي ( تعلم … تعلم) . مع عدم التقصير في معرفة أفضل، لمشاكل الناس ، والتعرف على مواصلة إسعادهم ، بتخفيف الضغط على الجسد ومحاسن الحياة الذي لم يكن يتناسب مع حجم التضحية في نضال البناء الإشتراكي ، معتمداً على إيمان الطبقة العاملة بحتمية إنتصار الإشتراكية بالتحالف مع فقراء الفلاحين ووحدة الفكر والنضال في تعزيزالتحالف بينهما ، وبالإيمان بالقضية بما كان يطرحه على الشعب من خطاب مفهوم من قبل بسطاء الناس ، مع عدم تركه حبل المستغلين (بالكسر ) سائبا ، موجها المديا (الإعلام) و دور الطباعة ، لخدمة أهداف الثورة ، ومنع وسائل نشر سمومهم بين أوساط الشعب
لقد وضعت ثورة أوكتوبر وصفة جاهزة عن البناء الإشتراكي ، وهو أهمية سيطرة مباشرة القائمين بالثورة على وسائل الإعلام والطباعة ، وعلى وسائل الإنتاج وإدارة عملية إضمحلال الإستغلال وضرورة غسل ولجم القوى السياسية التي تهدد السلم الإجتماعي والإنسانية جمعاء ، من خطر رجالاتها الذين يخطفون اللقمة من افواه الجياع والمعوزين والفقراء ، وذلك بمواجهة التحديات الجديدة التي يشنها أصحاب رؤوس الأموال ضد قوى اليسار وليومنا هذا ، سيما وأن هذه القوى لم تكن قادرة على إيجاد سبل الإنتقال من النضالات الدفاعية وتقديم التنازلات إلى النضالات الهجومية ، ولم تأخذ ما يطراء من تغير على شكل الصراع الطبقي الذي سيبقى قائما ومؤثرا في مجرى ماتقوم به طبقات المستغلين ، ما دام هناك نظامان إقتصاديان إجتماعيان في الميدان . فثورة أوكتوبر أمتلكت القدرة على تفهم الصراع الطبقي بشكل أعمق ، وأصرت على دور العمال ،وموقعهم في المسار التاريخي للبناء اﻹشتراكي ، حيث خلقت نظام إجتماعي عمل على تحرير العمل من عبودية الأجر والفقر فإستخدمت القوة التي يخلقها العمل المشترك لصالح من يعملون وليس لصالح حفنة من السياسيين والأغنياء ، الذين يعملوا على جعل الأرض والمعامل والمصانع ملكية خاصة وليس لجميع الكادحين ، ليبقى الإنقسام في المجتمع سائدا ، فقير وغني ، بإعاقة ذهاب ثمار العمل إلى العمال أنفسهم ، وأن لا تؤدي جميع منتجات العقل البشري وكل التحسينات في طرق العمل إلى تحسين وضع الإنسان الذي يعمل من أن لا تكون تلك الطرق وسيلة لإضطهاده ، هذا هو الدرس البليغ الذي قدمته ثورة أوكنوبر للشعوب