شناشيل / هل هو تقليد جديد في النزاهة؟ / عدنان حسين
هيئة النزاهة في هذي البلاد التي اسمها العراق، أمرها عجيب وغريب. قانونها يصفها بأنها الهيئة التي "تعمل على المساهمة في منع الفساد ومكافحته، واعتماد الشفافية في إدارة شؤون الحكم على جميع المستويات"، لكنها غالباً ما تتواكل عن أداء هذه المهمة مع أنها تمتلك كل الصلاحيات لذلك.
من المعلوم أن من وسائل منع الفساد ومكافحته واعتماد الشفافية في الادارة فضح الفاسدين والمفسدين، فالتعتيم على أسمائهم، بأية ذريعة، يجعلهم في مأمن ويشجعهم وسواهم على الفساد والمزيد من الفساد.
الهيئة درجت على عدم الإفصاح عن أسماء المدانين الفارّين خارج البلاد أو المتوارين عن الانظار، فتصدر الأحكام في حقهم غيابياً. مسؤولو الهيئة عندما نستفهم منهم عن السرّ في هذا يبرّرون بأن الحكم الغيابي قابل لإعادة النظر فيه إذا ما ظهر المتهم المتواري عن الانظار أو عاد الفار خارج البلاد وطلب إعادة المحاكمة.
هذه الذريعة ليست منطقية بالطبع، فمن المفترض ألا تحقّق الهيئة في قضية فساد إلا بعد توافرها على ما يُثبتها أولياً أو يثير الشبهات في شأنها. ومن المفترض أيضاً أن الهيئة لا تحيل إلى القضاء قضية فساد إلا بعد أن تتوافر لمحقّقيها الأدلة والقرائن المادية الثابتة على وقوع الفساد. ومن المفترض كذلك أن محاكم النزاهة لا تنظر في القضايا المحالة إليها من هيئة النزاهة ما لم تكن هذه القضايا مكتملة الأركان قانونياً وإجرائياً، والمحاكم لا تُصدر أحكامها بالإدانة، وجاهياً أو غيابياً، ما لم يقتنع القضاة بصحة الاتّهامات وسلامة الأدلة والقرائن المتعلّقة بها.
منذ يومين أعلنت هيئة النزاهة عن صدور حكم غيابي في حقّ مدير مفوض لإحدى الشركات الأهلية (الخاصة) يقضي بالسجن 15 سنة لثبوت قيامه باستغلال منصبه ومحاولة إدخال أسلحةٍ تتضمَّن صواريخ قاذفات (آر. بي . جي .7) وعتاد بنادق كلاشنكوف على متن طائرةٍ تمَّ ضبطها في مطار بغداد الدولي، لعدم حصولها على الموافقات الأصولية.
الإعلان تضمّن الاسم الكامل (الرباعي) للمدان .. وهذا هو موضع العجب والاستغراب من عمل هيئة النزاهة. شخصياً لم أر شيئاً كهذا يحدث من قبل. هل اقتنعت الهيئة أخيراً بصحة الدعوة إلى نشر أسماء المدانين في قضايا الفساد جميعاً؟ .. هل حصل النشر في هذه القضية لأن المدان مدير لشركة أهلية وليس لمؤسسة حكومية؟ (المسؤول الحكومي الفاسد أولى بالفضح لأن فساده يطال المال العام)، أم حصل النشر لأن هذا المدير المدان لا يقف وراءه حزب أو كتلة سياسية نافذة لا تريد لفساد صاحبها، وبالتالي فسادها، أن يُفتضح؟
الرجاء أن يكون نشر اسم المدان الغاب هذه المرّة ناجماً عن قناعة بجدوى الأمر، فهذا ممّا يساهم حقّاً وفعلاً في منع الفساد ومكافحته.. والرجاء أن يكون النشر عاماً شاملاً، حتى لو كان المدان مسؤولاً كبيراً في الدولة أو زعيماً لحزب متنفذ فيها.