محاولات رجال النظام على عموم التنظيم 13 / فرهاد رسول ، ترجمة ماهر هندي

كما في الحلقات السابقة، نحن وصلنا الى قناعة الى حد ما، ان رفاقنا قد سُلّموا  لذلك بدأنا بتهديد وتخويف عائلة (المذكور) وكم مرة  هددناه بالقتل، ويبدو انه هم ايضا لم يبقوا مكتوفي الايدي و (باعتقادي )  انهم وصلوا الى هذه القناعة بان عملهم انكشف لنا تماما، فشددوا من همتهم وبدأوا باعتقال كل الذين كانوا معروفين لديهم في التنظيم بشكل عام، ونحن اقارب المحتجزين والذين كنا في نفس الوقت في التنظيم خاصة، وكان عبدالله اول شخص يعتقل وبعدذلك ، (يحيى و يوسف داربسر وخالد خباز وقارمان وعدة اشخاص اخرين ) الذين مع الاسف لا اتذكر اسماءهم جميعا.

يبدو ان اسمي ايضا كان من بين الاسماء المدرجة للاعتقال، في الوقت الذي كنا فيه جميعا نحاول ونتابع وكأننا في حالة هجوم، لكن باعتقالهم اصبح الامر معكوسا، وكأن المبادرة اصبحت بيدهم، بالرغم من انني لوحدي لم استطع القيام بشئ بارز، لكنني لم استكن، حتى انني حاولت مرة مع الرفيق بيشرو ان نعمل وبأي طريقة على اختطاف زوجة المذكور واولاده، كي نستطيع بهذه الحيلة ان نلتقي به وننال منه، حددنا الوقت والطريق والمكان ، وذهبت بمفردي لمراقبة بيتهم، راقبت بيتهم لفترة طويلة ، شعرت ان ناس اخرين خرجوا من بيتهم، واقفلوا الباب ، سألت، قيل لي في هذه الليلة اتت مجموعة مسلحين وحمّلوا بيتهم وذهبوا. يبدو انه في الليل بحماية مسلحين قد نقلوا بيتهم وحمّلوه ، وكان ذلك لنا شيئ سيئ جدا لان هذا يعني انهم قد افلتوا من يدنا ولم نعلم بمكانهم الى حين.

الخروج من المدينة

بعد هذا استطيع ان اقول انني لم اعد ارى الرفيق بيشرو ايضا، يبدو انه شدد من اختفاءه بعد القاء القبض على هؤلاء الرفاق الذين ذكرتهم، عندها شعرت وكأنني بقيت لوحدي، وبيت (المذكور) لم يعد في مكانه ايضا، لذلك اضطررت ان اترك المدينة لفترة ودافعي الاكبر كان اللقاء برفاق الكادر، واذا كانوا يستحسنون ذلك (كنت افضّل ان يوصلوني الى مقرات الحزب، في اي مكان كان، لان بقائي في المدينة لم يعد فيه اي فائدة اكثر من كونه خطر على حياتي)، ذهبت الى قرية (دوستبه القريبة من اربيل) وبقيت في بيت (ملا عمر ابن خالتي)الى حد ما شغلت نفسي باعمال الزراعة ، ودائما كنت احاول ان اتسقط الاخبار واتابع وفي هذه الفترة، رأيت رفاق الكادر(رفيق سالار،رفيق احمد، رفيق وسو، رفيق كاروان، ومرة رفيق ارام)، لم يتحدثوا معي عن وضعي او المخاطر على حياتي، تعجبت كثيرا، كانوا يعاملونني وكأنني فلاحا من اهل القرية، حتى مرة سألت فيها عن الرفيق (احمد عوينه)، اولا لانه كان مسؤولي وثانيا انه لم يهتم بي اي واحد من هؤلاء الكوادر، عندها رفيق سالار فقط قال (هـــي .. هـــي رفيق احمد) لم اعرف ماذا كان يقصد بذلك، سألته لكنه لم يجبني، بعد ذلك رفيق ارام قال (عاد الى المقرات وربما سيعتقل)..تعجبت!!! اضطررت في اليوم التالي لاعيد السؤال حول (مام احمد) من الرفيق (سالار)، لكنه لم يعطني جوابا واضحا، بل انه بدأ بطرح اسئلة غريبة عليّ مثل (كيف كانت علاقته مع المذكور؟ يقال ان المذكور قد اعطاه اموالا، واشياء من هذا القبيل) التي كنت اسمع قصصا مثلها في المدينة و التي ليس لها اساس من الصحة ، انا تحدثت له بما اعرفه، والذي لم يكن شيئا ذو بال، لكنني اصريت بانني ليس لدي اي شك بهذا الرجل او بعلاقات مشبوهة له، واذا الان هنا او في المدينة اراه، انا على كامل الاستعداد للعمل معه، ومن الناحية الامنية لدي اطمئنان تام له، وبخصوص مسالة ذهابي الى المقرات قال باهمال شديد ( انا افضل ان تذهب الى المدينة وان تعيش بحالة اختفاء لا ان تذهب الى المقرات، وسنتصل بك واعمل معنا) حيث كنت متيقنا انني قريب جدا من نهايتي في المدينة.

. بشكل عام ازعجني كثيرا هذا الوضع الذي تحدثت عنه ، حيث انهم لم يعيروا لي اي اهتمام ، ولم يتحدثوا عن وضعنا ابدا، وعن حجز الرفاق، والوضع الامني السئ لبيوتنا، والقبض على كل رفاق التنظيم هؤلاء، وكأن كل ذلك ليس لهم علاقة به ولا يعنيهم بشيئ، في الحقيقة اصبحت بوضع نفسي سيئ، كل هذه الامور تمر بها، ولا يوجد احد يتحدث معك عنها!!! بدأت اتخيل، انني حتى لو ذهبت الى المقرات ايضا، سيتم استصغار وتقليل من قيمة كل هذا الجهد والتعب والتضحية والمخاطر التي مررت بها!!!

العودة الى المدينة

مرت فترة علي وانا بهذا الوضع، في يوم من ايام صيف (85) اتى ابي وجلب معه خبر مفاده (لقد استدعوني في دائرة الامن، وابلغوني بانهم سيطلقون سراح ابناءنا لكن يجب على كل واحد منا ان يجلب كفيلين (روحيين) بشرط ان يكونا قريبين كأب واخ، وقد قال مدير الامن لأبي (انت وفرهاد، ذكرني بالاسم) تعالوا وتكفلوا ابنكم، والاخرين ايضا بلغهم بنفس الطريقة.

هذا الخبر كان عجيبا جدا عندي،  خصوصا عندما طلبني مدير الامن  بالاسم ،تكوّن لدي احساس غريب بحيث انني طوال الليل وحتى الصباح لم  يغمض لي جفن، (ارجو ان لا تؤاخذوني اذا قلت ، اقول وصلت الى قناعة ان هذه القضية هي فخ للقبض على عدة اشخاص اخرين وخصوصا انا منهم!!!) عند الصباح ذهبت الى المدينة وقلت لأبي وامي( ليس لدي مشكلة سأذهب حالا، لكنني اشعر ان "هذا اللبن في شعرة" لانهم اذا كانوا يريدون كفيلا لماذا يشخصوني انا بالاسم!! عدا عن هذا يا امي ، ويا ابي، انني قد قمت باعمال كثيرة انتم لا تعرفون، ثقوا انني اذا ذهبت فلن اخرج ابدا، واذا اردتم بعد كل هذا ان اذهب، سأذهب، لكن ثقوا انكم لن تروني مرة ثانية) قالت امي (وما الفرق  اذاً هل سأبدل ولد بولد؟ لا تذهب، ولنر كيف سيكون الوضع)، اخبر والدي الاخرين، فبدأوا بتدبير كفلاء، بيت (رفيق داؤد) لان كان لديه والده فقط، لم يذهبوا وقرروا الانتظار، لكن بيت (مام عولا) لم تكن لديهم مشكلة بايجاد كفيل، بعد يوم او يومين، ذهبوا مع (مام شيمحمد) ذهبوا الى دائرة الامن، قبضوا عليهم رأسا ، ولاكثر من سنتين مكثوا في الحجز.  

رؤية ممو في السوق

في النصف الثاني من الشهر التاسع من عام 1985، سمعنا حديثا انتشر عند احد اقاربنا، انه قد شاهد المذكور في السوق في شارع باتـــا، هذا الحديث كان له تأثير كبير علي قررت ان اذهب غدا لابحث عنه في السوق، في الصباح (كان لدي مسدس ورمانتين يدويتين) وضعتهم جميعا تحت (بشتيني) وذهبت الى السوق حتى الظهر ابحث عنه، السوق كان مزحما جدا، (اذا لم اكن مخطئا) كان قبل العيد، يومين متتاليين كنت على هذا الحال، لكن بفترة الصبح فقط، بلا فائدة ولم احصل على شيئ، اضطررت للعودة الى البيت،  في اليوم الثاني وقبل عودتي الى البيت، زرت مكتبة التأميم، يبدو ان الجزء الثاني من كتاب داغستان بلدي لحمزاتوف قد صدر حديثا، وهناك طابور للحصول عليه، فوقفت في الطابور لاشتري واحدا، قلت انني ساشغل نفسي به هذه الفترة، لكنني من شدة اعجابي بهذا الكتاب الرائع ،في الصباح كنت قد اتممته، بالرغم من انني لم اقتل الوقت به، لكنني استمتعت به، ومن الناحية النفسية هدأت قليلا.

تخلصي من محاولة القبض عليّ

بعد ذلك بيوم او يومين، ذهبت الى الاسكان لرؤية اثنين من اصدقائي، لانني في هذه الفترة كنت متضايقا جدا، قبل الظهر في الوقت الذي اردت فيه العودة الى البيت، اتوا اصدقائي معي وكأنهم يريدون يوصلوني ، وصلنا وسط بيوت الشهداء، كنا في وسط زقاق اصدقائي الاثنين كانا يسيران على يساري، شعرت بصوت سيارة برازيلية، والتي كانت في ذلك الوقت سيارة جديدة، واذا اسرعت السيارة قليللا يكون لها صوتا خاصا، الى ان اردت ان التفت لها وصلت بجانبي وكانت سيارة (برازيلي موديل 83 او 84 حمراء اللون ورقمها كان 1983 اربيل) توقفت بجانبي، نظرت اليها بحذر، فقط كان هناك شخصين بعمر 35-40 عام، لم ينظروا لي ابدا، وكأنهما يبحثان عن بيت ما، وقد اخطأوا، بعدها ذهبوا ، وخرجوا من الزقاق، ومرة ثانية شعرت بصوت السيارة يرتفع، هذه المرة اتوا وجها لوجه معي ، ومروا بجانبي، وصلت الى قناعة ان هذا شئ غير طبيعي، خصوصا ، وان الشخص الذي كان جالسا بجانب السائق ووقع نظري عليه كان شخص اسمر يميل الى السواد يشبه كثيرا(نقيب عبدالله والذي يتولى ملف الحزب الشيوعي في امن اربيل، واحد الاشخاص الاساسيين في القبض على الرفاق) حيث كان احد معارفي قد وصفه لي بدقة،فكرت، انه اذا اتى هذه المرة ايضا، ساخرج مسدسي واذا احتجت فسارميه، في هذا الوقت اتى من خلفي بسرعة كبيرة، وشعرت بانني اذا لا اتنحى عن الطريق فسيدهسني بالسيارة، رأسا رميت نفسي باتجاه اصدقائي، وواجهت السيارة ومدتت يدي نحو مسدسي، واخرجته قليلا ، رأسا السيارة مرت من جانبي واستدارت من الزقاق ولم يبق لها اي صوت.اصدقائي تعجبوا كثيرا وقالوا من الافضل ان تغادر المكان باسرع مايكون، لان هذا الشئ لم يكن طبيعيا، عندها بسرعة ابتعدت عن المكان، ذهبت الى البيت، حيث كنا قد انتقلنا حديثا الى حي المعلمين بالقرب من (اللنكة ) حاليا، والمكان امين جدا، بعد يومين، رأيت احد الاقارب ، حيث كان وقتها قد اتى معي مرة الى بيت المذكور، نفس السيارة كادت ان تصدمه، في محلة كوران، ، لكنه نجى ايضا، هؤلاء بحكم كون اقاربهم في الامن و في مفارز الامن فيعرفونهم، عندما وصفت لهم الشخصين قالوا ان الاسود هو نقيب عبدالله والاحمراني هو ملازم غسان وهو ايضا في امن اربيل.

 وهكذا وبعد مدة علمنا انهم قد داهموا بيتا اخر بالخطأ في محلتنا وسألوا عني، البيت الذي دوهم كان بيت (مام حاجي سعدي بائع الدراجات الهوائية) والذي لازال بيتهم هناك، ولا يزال على قيد الحياة وفي كثير من الاحيان يروي هذه القصة، وبقناعتي ان سبب خطأهم كان فقط هو تشابه ارقام بيتينا، فرقم بيتنا هو (1327 )ورقم بيتهم (1372) وعند قراءة الرقم بالعربية فالرقمين الاخيرين يختلفان، وكذلك فمختار محلتنا في ذلك الوقت هو (ملا عوميره)رجل طيب، والا فهو يعرفنا جيدا، وحدث ذلك قبل ان ننتقل من تلك المحلة.