"وشم في  ذاكرة الأنصار", كتاب للنصير عدنان اللبان تم إصداره من قبل جمعية الأنصار الشيوعيين البيشمركة في جنوب  السويد العام الفائت.

 يقع الكتاب في 190 صفحة موزعة على 24 عنوانا تتباعد فيما بينها بالحدث والمكان وتجتمع في الزمان، وهو زمن القمع والاستلاب.

الكتاب لا يمكن تصنيفه رواية أو قصة أو حتى سيرة ذاتية أو مذكرات مناضل, بل هو خليط من كل ذلك تجمعه وحدة الموضوع القائمة على رصد واقعي وحقيقي لحقبة من حياة المناضلين الشيوعيين العراقيين منذ نهايات السبعينات وحتى سقوط نظام البعث ودخول قوات الاحتلال الأمريكي في العراق. هذه الأحداث المليئة بالمرارة والتضحيات والتي تختزل الكثير من الدراما والسيناريوهات والمسرح، وهنا بالضبط تكمن واحدة من اهم القيم الفنية للكتاب، إضافة للمتعة في القراءة التي تأتي من الإمساك للكثير من زوايا الجمال وتخليدها في نصوص ادبية هي أقرب إلى اللوحة الفنية. من حكايات عريف جاسم في الصفحة الأولى إلى موت السيد علوان بسبب الإكثار من الفياكراز

 في الصفحة الأخيرة نعيش بانو راما عراقية بامتياز تزدحم بالفرح والحزن والمعقول واللا معقول بالدمعة والضحكة والمقلب والسخرية.

 بدأ الكاتب في رصده لأيام جندي عراقي مسلوب الإرادة مجبر على أداء خدمة عسكرية يقولون له انها خدمة وطن, لكنه لا يشعر بذلك, انه الاغتراب.ش

 هو يشعر أنه مطعون في ادميته كانسان ولا طريق للخلاص.

 وهنا يرصد الكاتب  في سرد غاية في البساطة والتركيز وجه من وجوه الفساد المستشري في تلك المؤسسات العسكرية العريقة.

وهي شهادة يندر من تجرأ وقدمها  لتلك المؤسسات في زمن سيطرة نظام القمع الدموي .

متخذا من التأريخ الشخصي النضالي منطلقا آخر ، يحكي الكاتب لنا قصصا في تصفية المناضلين الذين لا يسبحون بحمد حكام بلدان شرق المتوسط. ناس ماتت تحت التعذيب, وناس جرى إسقاطها سياسيا, وناس هربت بجلدها وتاهت في ارض الله الواسعة. وهناك من اعانته الظروف ووجد طريقه نحو الجبل ليبدأ في رحلة المقاومة.

 تلك التجربة التي عاشها جيل السبعينات من القرن الماضي  في العراق  هي أكثر من شهادة على بشاعة أنظمة القمع تلك. فحكاية المناضل دريد وعبد الحسين والمخرج اكرم و اللبان والمئات من المناضلين، ما هي إلا أمثلة ملموسة يزخر بها تأريخ الاضطهاد السياسي  في العراق، إضافة إلى أن البعض وقع ضحية ظلم مزدوج.

يقدم لنا الكاتب بأسلوبه الشيق صفحات من حياة البيشمركه الأنصار في  الجبل. شكل العلاقات التي تحكمهم،  يومياتهم, خطواتهم وفعالياتهم.

 وفي أكثر من زاوية ذكية هناك إطلالة على العقليات التي سيطرت على دفة القرار السياسي الداخلي الذي يحكم نشاط الشيوعيين.

 ان السخرية التي تطل علينا في الكثير من الحكايات هي الوجه الثاني من الواقع المؤلم الذي تكتظ به حياة المناضلين.

يبقى أن أقول إن الكاتب وظف في النص الكثير من المفردات البسيطة و المسميات في اللغة المحكية محليا وقدمها بأسلوب أغنى النص أدبيا و ومنحه بعده المكاني ، دون التقليل من  القيم الجمالية في الكتابة.

"وشم في ذاكرة الأنصار" كتاب أكثر من ممتع ومهم لمن أراد تتبع تأريخ تجربة الأنصار في العراق.