الحزب الشيوعي العراقي ...6/فيصل الفؤادي
لقد قام الحزب الشيوعي بعدة فعاليات من أجل أسقاط المعاهدات ومنها معاهدة بورتسموث التي عقدت في 1948 وعمل الحزب من أجل أستقلالنا السياسي والاقتصادي ... الخ وفي (حقل الدفاع الوطني) هناك اشارة الى ما يلي: ( يدعو ويعمل الحزب لتقوية جيشنا الوطني وجعله جيشا عصريا وعلى أستعداد أبدا للدفاع عن حياض الوطن وعن كرامة الشعب وسيادته الوطنية...) [1] .
وبعد أعتقال قادة الحزب عام 1948 ومحاكمتهم وأعدامهم فيما بعد في 14 شباط 1949 , تسلم أعضاء في قيادة الحزب المسوؤلية ومنهم ساسون دلال في كانون الاول عام 1948 مع (رفيق جالاك وصبري عبد الكريم ) والذي أنتهج سياسة جديدة , وهي مجابهة السلطة الحاكمة .
ففي يوم 19 كانون الثاني 1949رفع رفاق الحزب شعار التظاهر والوقوف بوجهة السلطة الحاكمة بعد أن زودهم قيادة الحزب بتعليمات خاصة لاعداد عصي بمواصفات خاصة والدخول مع البوليس في مصادمات عنيفة , وقد أشتبك المتظاهرون فعلا مع البوليس و فاجأوهم بأستخدام العصي ..., وفي نشرة حزبية داخلية اعتبرت المظاهرة ( حجرأ اساسيا لوثبة ظافرة فاصلة هي مثال على تحول التراجع المنظم بصورة حاسمة الى هجوم منظم .. وكذلك مناوشة العدو وتقوية معنوية الجماهير الواسعة ورفع معنوية الحركة بوجهه عام , وتحطيم العدو الجامد في تكتيكه وحركاته الموتوره للغاية) [2] . أن هذا الموقف جاء كرد من قيادة الحزب على أعدام رفاقه القياديين وفورة من الغضب ضد هذه السياسة الرعناء ولهذا أراد الحزب أن يعيد هيبته وسط الجماهير وأبناء شعبنا وليعلن أن الحزب ماض في طريق الدعوة للتحرر برغم هذه الاعدامات لقيادته .
وجاء تعقيبا على المظاهرات: ( أن شعارنا لا رحمة بالعدو , ارادها حرب ابادة فلتكن حرب ابادة , ان الطبقة الحاكمة في أشد درجات الانهيار والتزعزع و لاتريد طبعا بدون مجزرة دموية لكننا لا نخاف المجازر , ان أيام الوثبة قد عادت الى بغداد , عاشت وثبتنا الجديدة ) [3].
هذه الاشارة هي المجابهة الوحيدة التي أستعملها الحزب ضد عنف السلطات الحاكمة في هذه الفترة وبتحضيرمسبقاً لها كما هو مشار اليه . وكان على الحزب أن يرفع شأن المجابهة مع هذه السلطة رغم أن الظروف الداخلية للحزب التي لاتساعده ,حيث الاعتقالات والاعدامات وتفكك بعض مفاصل العمل الحزبي وأعترافات بعض شخوصه .
ولكن في مناطق ريف العمارة واربيل حدثت كثير من المعارك وخاصة مع عشائرال زيرج في معركة(ام كعيدة ) والتي أشترك فيها الالاف من الفلاحين ودارت معركة قتل فيها العديد من الفلاحين وسجن بعضهم واحرقت بيوتهم , وهذه المعارك ليس معارك عشائرية صرفه بل كانت ضد الاقطاعيين والمتنفذين أعوان الحكومة , وفي معركة اخرى قادها الشيوعيون وشملت دشت اربيل وكوسنجق حتى قلعة دزه ورانية وبتوين ادت الى اعتقال البوليس العديد من الفلاحين. لقد قام الشيوعيون بحمل السلاح بوجه الاغوات برغم انتقاد الحزب لهذا التصرف , حيث اكد على الدور السياسي وعدم نسيانه وليس انصراف قادة الحركة الى العمل العسكري فقط .
لقد شكل الحزب في بداية الخمسينات منظمات عديدة منها رابطة المرأة واتحاد الشبيبة وحركة العمال النقابية وحركة السلام العراقية وقبلها كان أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية , هذه المنظات لعبت دورا متميزا في الشارع العراقي وشكلت حركات ثورية داعمة وأضافة دورا نضاليا من أجل التحرر من الاحتلال والاستقلال الوطني ومن أجل أطلاق الحريات والنضال لأجل حقوقهم المشروعة .
في 23 من تشرين الثاني عام 1952 قامت انتفاضة تشرين ورفعت شعار (أسقاط النظام الملكي واقامة الجمهورية) وتجمعت أعداد كبيرة من الطلبة والعمال والكسبة ومن مختلف شرائح المجتمع العراقي في العاصمة بغداد , ولكن دخول الجيش بدباباته لقمع الانتفاضة منع أستمرارها وتم أيقافها , حيث صدرت الاحكام العرفية والتي منعت التظاهر والتجمعات . وقد أصدر الحزب الشيوعي العراقي بيانا يناشد فيها الجيش للوقوف الى جانب مطاليب الجماهير , وأخيرا قمعت الانتفاضة .
ومن دروس الانتفاضة الوقوف بوجهة أساليب السلطة الرجعية و تطوير أساليب النضال والعمل على كسب القوات المسلحة وتطوير التنظيم الحزبي والسياسي بينهم .
ربما أحد يتسائل لماذا العنف اوالقوة وشعار المجابهة و الكفاح المسلح , وهل كان من أجل التغير أم من أجل أستلام السلطة , ثم لماذا وجود تنظيم للحزب في الجيش العراقي وخاصة منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي وتم فيه كسب المئات من الجنود وضباط الصف و الضباط . ومهما كان الامر في نهج التغير , فأن الحزب الشيوعي ذو نظرية ماركيسية وحزب ثوري ويحمل أفكار ثورية و يريد العدالة ويعمل على حرية المواطن , ويعمل من أجل أرجاع الحقوق لابناء شعبنا التي سلبها النظام الملكي الرجعي وعملائه و عليه أن يلعب دورأ رئيسيأ في المجتمع من خلال تنظيم أرقى أشكال النضال , الانتفاضة أو الكفاح المسلح أو الثورة المسلحة.
ولكن في فترة قيادة الحزب من قبل حميد عثمان ،نهج سياسة أخرى وهي المجابهة مع السلطة (ان حزبنا المسلح بنظرية علمية يرى ان استقلالنا الناجز وحل مشاكلنا الاجتماعية لا تحل الا بأقامة سلطة شعبية تحت قيادة الطبقة العاملة )[4] . كما كانت دعوات الحزب الشيوعي الى الاضرابات لاسقاط حكومة نوري السعيد مستمرة خاصة وانه قاد وشكل أكثر من 14حكومة , ولم يقدم شيئاً يذكر لصالح البلد سوى تعزيز موقعه وتسلطه على مقالد الحكم وارتباطه بالمستعمر البريطاني .
وقد دعا التقرير الذي قدمه حميدعثمان الى ( اقامة حكومة أئتلافية قوامها الائتلاف السياسي – الجبهة – بين الاحزاب الوطنية والسير بالبلاد باتجاه مستقل ) , وبعد حين أصبحت هذه السياسة التي دعى لها حميد عثمان أساساً صحيحاً , والتي توجت بجبهة الاتحاد الوطني في أذار عام 1957 , وقدأنتقدالبعض حميد عثمان لتطرفه , وأنا أرى أنه أراد أن يقف ضد ممارسات السلطة الحاكمة الرجعية التي غالت في نهجها العدواني , والتي لم تسمح لاي أجراء ديمقراطي في البلاد ومنها الموقف من الانتخابات في البرلمان عام 1954 .
ومما جاء في التقريرأيضا ( ....أن قوى هذه الملايين الغفيرة اذا أتحدت في جبهة وطنية موحدة موسعة واذا أعتمدت هذه الجبهة على النضال الجماهيري الثوري بمختلف أشكاله تستطيع احراز النصربكل تأكيد ) [5] .
سار الحزب في فترة منتصف الخميسنات الى سياسة وحدة الحزب وجمع شمل الشيوعيين وكذلك العمل في جبهة مع القوى الوطنية الاخرى . وكان دور سكرتير الحزب في لملمة شتات التنظيمات الشيوعية مشهودا ( مجموعة راية الشغيلة ) والتنظيم الحزبي (الام ) وهذه جزء من مأثرة ونفس حزبي طويل يدرك فيها المسؤولية التأريخية وطبيعة العمل الحزبي والخلق الشيوعي والتضحية ونكران الذات من أجل القضية التي أمن بها وضحى من أجلها.
وفي الكونفرس الثاني الذي عقد في ايلول 1956 قدم سكرتير الحزب (سلام عادل) تقريرا سياسيا بعنوان: ( في سبيل تحررنا الوطني والقومي ),جرت الاشارة فيه الى ان طابع النضال سيكون سلميا .
واستنادا الى التطورات في الاوضاع الداخلية والعربية والعالمية درست قيادة الحزب " معركتنا القادمة " وتوصلت الى ان السياسة الغالبة هي سياسة سلمية دون أن يستبعد امكانية العنف ودون أن يمس الجوهر الثوري في هذا النضال وأن يأخذ هذا النضال شكل انتفاضة شعبية . وجاء في قرار اللجنة المركزية ان هذا النضال: (.. يمكن أن يكون ذا طابع سلمي قائم في الاساس على تعبئة القوى الوطنية في جبهة واسعة والضغط بها على نحو مركز وبأشكال مختلفة مؤثرة .. ولا يمنع أن يكون .. طابع هذا النضال سلميا أيضا اذا ما أتخذ في ظرف معين شكل وثبة شعبية – هي من مفاخر الشعب العراقي وتقاليده الثورية المجيدة )[6] .
كما ورد في الصفحة الرابعة من التقرير ما يلي: ( نحن الشيوعيين العراقيين لا رغبة لنا بالعنف وسلوك سبيل القوة وانما نسعى الى تحقيق اهداف حركتنا التحررية بأيسر السبل واقل التضحيات . الا أننا لن نتردد في مواجهة العنف بمثله في غمرة الحركة الشعبية اذا ما أصر المستعمرون وعملاؤهم على تزيف أو قمع أرادة الشعب ).
و جاء في التقرير ايضا:( ان مسألة العنف هي بالنسبة لنا مسألة يقررها سلوك الخصم عندما لا يريد أن ينزل الى أرادة الشعب ) . وللاسف الشديد لم يعمل الحزب بموقف صلب تجاه السلطة الحاكمة التي وضعت 70% من كوادر وقادة الحزب في السجون والمعتقلات .
و ردا على همجية السلطة والاعتقالات المتكررة وملء السجون بالشيوعيين وقمع السلطة لاضرابهم , توجب على الحزب أن يطور من أمكانية الوقوف بوجه السلطة وأساليبها . فقد جاء في بيان الحزب بتأريخ 11 كانون الاول 1956 دعوة الى ( تطوير أساليب الكفاح والتنظيم ورفعها الى درجات اكثر حزما وفعالية ) وهذا بحد ذاته يتطلب التنظيم الحزبي العالي الكفاءة وتثقيف الاعضاء من أجل الوقوف ضد سياسة أنهاء الحزب أو تهميشه ... الخ , ومن تجربة أنتفاضة 1956التي تعطي أن يعمل الحزب في الجيش ويطور من قدراته الذاتية لتغير النظام وفق ماتطلبه مصلحة الحزب والجماهير و ( بتعزيز التكتلات الوطنية بين منتسبي الجيش)[7] .
ويذكر كتاب (سيرة مناضل) الى ان الانتفاضة ( نبهت حزبنا أكثر من السابق الى ضرورة تطوير أساليب مساندة للحركة التحررية العربية, خصوصا في حالة تبنيها للكفاح المسلح , وكان من نتيجة ذلك أن تأسست وحدات صغيرة للمقاومة الشعبية أواخر عام 1956 ساعدت أعمالها رغم ضيق نطاقها على تخفيف الضغط الاستعماري الذي تعرضت له سوريا , عقب فشل العدوان الثلاثي على مصر , أن أنتفاضة 1956 كما وردت في أحد بيانات الحزب هي التمرين الاخير لثورتنا الكبرى ثورة 1958)[8] .
وفي اعقاب انتفاضة الحي الشجاعة اعدمت السلطة القادة الثوريين وهما علي الشيخ حمود وعطا مهدي الدباس , اصدر الحزب بيانا قال فيه: ( انهضوا دعما لجماهير الحي الشجاعة في انتفاضتها المسلحة ) ودعا فيها الجماهير الى العمل لاسناد المدينة المناضلة والدفاع عن ابنائها.
وقد تميزت أنتفاضة الحي بـ ( تنوع اساليب الكفاح كثيرا وتدرجت من المذكرات والاضرابات حتى المناوشات المسلحة )[9] . كما ونبهت الانتفاضة الحزب والحركة الوطنية العراقية الى رفع مستوى كفاحها بوجه الطغمة الحاكمة الى تطوير مستوى المجابهة بالعنف والقوة , وكان ذلك يحتاج الى تطوير الاسلوب الامثل لحزب ثوري يسعى الى أستلام السلطة وتعزيز دور الجماهير ومن أجل بناء الاشتراكية والعدالة الاجتماعية .
اتسم اسلوب الحكم الملكي بالطغيان حيث أستعمل القوة ضد الجماهيرعامة وضد الاحزاب والقوى الوطنية والديمقراطية . وكان تأثير الاوضاع الداخلية والخارجية واضحاً وكبيراًعلى الحزب ,لذا أقر الكونفرس الثاني الاسلوب العنفي ضد السلطة (ففي أيلول 1956 أقر الكونفرس الثاني قرارا بتبني الكفاح المسلح في سبيل التحرر من النظام الدكتاتوري الملكي .. ) [10]. ويضيف الكاتب بعد التأثر بأنتفاضة تشرين الثاني في مصر وقمع السلطة أو الحكومة المصرية لها بالقوة , أضطر واقع الحياة أن يغير الحزب الشيوعي خطة الكفاح باللجوء الى العنف لاسقاط السلطة الملكية في العراق .ويعني ذلك أن الحزب أضطر الى العمل بهذا الاسلوب تماشيا مع أسلوب السلطة , وهذا ليس خافيا علينا جميعا حتى يومنا هذا , لان الحزب الشيوعي العراقي كان أسلوبه النضالي هو الاسلوب السلمي , الا في الفترات التي مورست فيها ضده أساليب وحشيه كانت ساعيه لتدمير الحزب وكيانه السياسي .
[1] نفس المصدر السابق ص 286.
[2] نفس المصدر السابق ص 413 .
[3] نفس المصدر السابق 414
[4] عزيزسباهي عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي الجزء الثاني 146
[5] نفس المصدر السابق ص 160
[6] ثمينة ناجي سيرة مناظل ص 431
[7] نفس المصدر السابق ص 254
[8] نفس المصدر السابق ص 254 و255
[9] عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي عزيز سباهي ج2 ص210
[10] الاختيار المتجدد , رحيم عجينه ص 171 .