الحزب الشيوعي العراقي ..7/فيصل الفؤادي

يؤكد تقرير اللجنة المركزية المقدم الى المؤتمر الرابع للحزب في 10 – 15  تشرين الثاني 1985 بأن الحزب ليس أول مرة يلجأ الى الكفاح المسلح  ( ... فقد سبق ان تبنى الحزب موضوعة استخدام العنف الثوري لاسقاط النظام الملكي العميل في اعقاب انتفاضة 1956 اثر لجوء النظام الى العنف الدموي لمواجهة المظاهرات الجماهيرية التي اندلعت تأيداً لمصر ضد العدوان الثلاثي )[1].

شهدت الفترة بين عامي 1957 و 1958 نشاطات وارهاصات ثورية وشملت أوساط عديدة من أبناء الشعب العراقي وهي مقتنعة بضرورة احداث تغير في السلطة الحاكمة والعمل من أجل اقامة حكومة وطنية .كما شهد أنبثاق التنظيم الموحد لحركة الضباط الاحرار , وزاد الحماس الثوري بين صفوف القوات المسلحة , مع تطور في الفعاليات للاحزاب والقوى الاخرى .

وتذكرالسيدة ثمينة ناجي بأنه ( يحتاج من القوى الوطنية والحزب أن يعرف أشكال النضال الملائم مع هكذا نظام , فقد طغى التفكير في أغتيال نوري السعيد ) . لقد بذل الحزب جهودا كبيرة في سبيل قيام (جبهة الاتحاد الوطني ) ومن هنا تم تجميع جميع القوى الوطنية والقومية والديمقراطية في تجمع وطني يعمل من أجل مصالح الشعب العراقي, والنضال للاهداف المشتركة , وتعبئة الجماهير في المظاهرات والاضرابات. واصدرت الجبهة بيانا مشتركا من خمسة نقاط طالبت فيه  تنحية وزارة نوري السعيد وحل المجلس النيابي, ومقاومة التدخل الاستعماري.. الخ

ولم يشر البيان الى كيفية اسقاط الحكومة وحل البرلمان ولكن يبدو من اتفاق الاحزاب الاربعة المنضوية في هذه الجبهة انها كانت تراهن على  الاضرابات والتظاهرات والاعتصامات أو الانتفاضة وتعبئة  الجماهير للوقوف مع هذه القوى .

ومنذ عام 1956 نشط الحزب في تحقيق مشروعه للاطاحة بالحكم الملكي وتكررت محاولاته لتنفيذ الثورة  .

 (ففي الريف قام 300 فلاح في الدغارة والرميثة  برفع السلاح بوجهه السلطة مطالبين بتطبق مرسوم المناصفة وتجمعوا براياتهم وسلاحهم واهازيجهم , وكان مقدرا لهذه الانتفاضة أن تتوسع وتجر مناطق فلاحية أخرى وبعض المدن مثل ( الديوانية والحله ) مع وجود امكانية أن يتدخل الجيش ( الفرقة الاولى ) لمساندتهم) [2] ...واصدر الحزب بيانا في 3/6/1958 ساند فيه انتفاضة الفلاحين وحث الشعب على مساندتها .

   لقد تطور عمل الحزب مع تطور ظروف الحياة السياسية وأجراءات السلطة القمعية تجاه القوى الوطنية العراقية بكل أطيافها , وأصبحت ظروف الحياة الموضوعية مهيئة بشكل جيد نتيجة استياء ابناء شعبنا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والصحية , والتي أصبح معها الوضع لايطاق .

وتضيف الكاتبة ثمينة ناجي (في هذا الشهر نفسه أجتمع 40 مناضلاً شيوعيا لتدارس مقترح الحكومة بصدد تقديم كل فلاح طلبه عبر تقديم العرائض للمسؤولين , ومن أجل تفويت الفرصة عليهم في اشاعة البلبلة بين صفوف الفلاحين البسطاء , جرى تقديم العرائض كتجربة من كل منطقة من قبل عدد قليل مع استمرار الهوسات وتشديدها ).

   كان دور الحزب كبيرا في أغلب مناطق العراق من خلال منظماته الواسعة وخاصة في ريف الجنوب وتحرك الفلاحين ضد الملاكيين والاقطاعيين والمستغلين الذين يسيطروا على أراضي واسعة , والذين أستغلو الفلاحين الفقراء المعدمين .

وبالفعل وصل عدد الفلاحين المسلحين الى 700 فلاح أقسموا على مواصلة النضال حتى تحقيق مطاليبهم . وقد نالت الانتفاضة التضامن من قبل فلاحي الشامية والفيصيلية والحمزة والقاسم والمدحتية والمحاويل ومن مناطق أخرى , وكان دور الحزب بتنظيماته الواسعة في الريف متميزا وبطوليا .

(ورفع فلاحو أل خليفة في العمارة السلاح يوم 29 /5/1958 وكان عددهم حوالي 350 فلاحا ًوالذي أدى الى هروب مالكي الاراضي هلعا الى المدينة مستنجدين بالسلطة) .

(لقد تعاظم نشاط الحزب الشيوعي العراقي بين الفلاحين وتغلغلت شعارات الجمعيات الفلاحية السرية التي شكلها في أعماق الريف في عام 1957 مما أدى الى قيام نضالات جماعية فلاحية لتحقيق أهداف الحركة الفلاحية)[3] ... وكتبت جريدة (صوت الفرات) واصفة تحول الحركة الفلاحية الى قوة ثورية قادرة على المساهمة في اكتساح الحكم العميل وتغيره .

أما أخر توجيه اصدرته اللجنة المركزية الى التنظيم فكان يوم 12 تموز 1958جاء فيه: ( نظراً للاوضاع السياسية الداخلية والعربية ووجود احتمالات تطورها بين أونة واخرى وبغية ضمان وحدة النشاط السياسي لمنظاتنا الحزبية في الظروف الطارئة والمعقدة نرى من الضروري التأكيد في الوقت الحاضر على شعارتنا الاساسية:

1- الخروج من حلف بغداد والاتفاقية الثنائية مع بريطانيا والوقوف ضد مبدا أيزنهاور.

2- اطلاق الحريات الديمقراطية لجماهير الشعب ( حرية التنظيم الحزبي وحرية النشر والاجتماع )  .. الخ .

3- اتخاذ تدابير فعالة لحماية ثروتنا الوطنية .. الخ

4- قيام حكومة تنتهج سياسة وطنية وعربية مستقلة تدعم نضال الشعب اللبناني وسائر الشعوب العربية وتخدم السلم .... الخ.

 وأكد التوجيه على (العمل بحزم وامانة تامة لسياسة الحزب واعتبار واجبنا الاساسي في كل الظروف هو تعبئة اوسع الجماهير الشعبية ولفها حول الشعارات الصائبة في اللحظة المعينة وحول الشعارات الكبرى لحركتنا الوطنية الديمقراطية) .

   (تنبه الحزب الشيوعي العراقي الى اهمية تنظيم الجيش فقد أشارت جميع الوثائق الحزبية، منذ الكونفرس الثاني عام 1956، الى الدور الذي ستلعبه القوى الوطنية في الجيش في معركة تحرير الشعب، وقدرت تقديرا صائبا نضوج عوامل الانتفاض الثوري معتبرة الانتفاضة الشعبية 1956 و1957 بمثابة التمرين الاخير لثورتنا الوطنية )[4]. ولهذا وبحسب المصدر السابق (كان الانقلاب المسلح الذي تحول الى ثورة وطنية واكتسسبت صفة شعبية, شارك الضباط والجنود في ثورة 14 تموز بفعالية عالية وأشتركت الجماهير وبتحريض من منظمات الحزب الشيوعي العراقي على دعم الثورة واعتقال الضباط المتمردين وخاصة في الديوانية وكركوك وغيرها , واعطى المساندة اللا شرطية للحكومة الوطنية ورفع شعار صيانة الجمهورية ) .

 

 الاستنتاجات

 

خلاصة المبحث الاول

  مر الحزب الشيوعي في ظروف غاية في الصعوبة منذ ولادته , فبرغم تخلف البلاد في جوانب التعليم لقلة المدارس والجامعات والكليات وقلة الكتب السياسية الصادرة والتي كان اكثرها مترجما وكذلك ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية  السيئة وقلة المؤسسات الصناعية والمعامل , الا أن الوعي الطبقي والسياسي تجسد في أعداد غير قليلة منهم (يوسف سلمان يوسف وغالي زويد وعاصم فليح ومهدي هاشم  وعبد الحميد الخطيب وغيرهم ) والذين تأثروا بالافكار التقدمية وشكلوا الحزب وناضلوا من أجل أستمراره , الا أن الفترة اللاحقة مرت بعدة منعطفات منها التكتلات في الحزب منذ الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي . أضافة الى دور السلطة الحاكمة في تغذية هذه التكتلات والقمع والاعتقالات والتي ملئ الشيوعيين فيها السجون مثل سجن نقرة السلمان و سجن الكوت وبغداد وغيرها . طيلة ربع قرن من عمر الحزب لم ينهج الحزب طريق العنف مثلما تعاملت السلطة الحاكمة من قتل وأرهاب وأعدامات فقد أعدمت خمسة من قادته وقتلت أعضائه وأنصاره من خلال ضرب التظاهرات أو الاضرابات أو التعذيب و مجازر السجون وغيرها ,  ولا توجد وثيقة حزبية تدلنا على أن الحزب رفع راية الكفاح المسلح بوجهه السلطة وطبق هذا الاسلوب النضالي , فقد عقد كونفرسين ( 1944 و1956 ) ومؤتمره الاول في 1945 ولم يشر الى ذلك لا من قريب أو من بعيد أو حتى  ضمنيا ولم تشر أغلب الدراسات لتأريخ الحزب أو العراق لهذه الموضوعة . من هنا أن تكتيك الحزب في هذه الفترة يغلب عليه طابع النضال السلمي وهي مرحلة النضال الايديولوجي والسياسي والاقتصادي برغم أن الفترة الاخيرة أي قبل ثورة 1958 تبلورت لدى الحزب أفكار مفادها أن القوة الحاكمة التي تحكم بالسوط وبالقوة لا بد أن تجابه بنفس القوة والمجابهة , وكما ذكرت أن العوامل الخارجية كان لها تأثير كبير على القوى الثورية العراقية ومنها الحزب الشيوعي العراقي , ومنها طرق وسلوك الانقلابات والثورات التي حدثت في البلدان العربية أو في أرجاء العالم الاخرى .

وبرغم أن النضال الثوري في مرحلة الاضطهاد والاعتقال أو القتل هو حق الحزب الثوري في النضال ضد الطغمة الحاكمة التي تستعمل كل أنواع التنكيل والقمع ضد حاملي الافكار التي تدعو لدولة ديمقراطية يحكمها القانون , خاصة وأن بعض الظروف الموضوعة كانت مساعدة ومنها أندحار الفاشية وانتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وظهور الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى ونشوء المنظمة الاشتراكية الجديدة , والتغيرات في الصين .

الاسلوب السلمي هو الذي طغى على سياسة الحزب الشيوعي العراقي لهذه الفترة , ورغم الظروف التي مر بها الحزب من إنشقاقات وتكتلات إضافة الى الاعتقالات والاعترافات ,فأن ذلك لم يدفع الحزب لاتخاذ الكفاح المسلح طريقا للصراع الذي هو ارقى أشكال النضال.

 



[1]  الثقافة الجديدة عدد 170 ص 60 .

[2]  ثمينة ناجي سيرة مناظل ص206

[3] نفس المصدر السابق ص 203

[4] سيرة مناضل، الكاتبة ثمينة ناجي ج 1 ص 312