الحزب الشيوعي العراقي 9/ فيصل الفؤادي
لقد وقع الحزب في ازدواجية سياسية أيديولوجية , متعارضة مع مد جماهيري وحركة ميدانية واسعة , اثرت بشكل كبير على الكثير من أعضائه وأصدقائه , وبما فيه قيادته المتناقضة في مواقفها , وأعتقد أن برقية قيادة الحزب لتأيد للثورة تعطينا فكرة عن نهج الحزب وسياسته , كونه عانى كثيرا ابان الحكم الملكي الدكتاتوري بحكومته البغيضة , أمام الجمهورية الاولى في ظل حكم عبد الكريم بصـعود البرجوازية الوطنية التي هي أهون من ذلك الحكم الذي حكم على مؤسس الحزب وقيادته بالاعدام . وهناك راي يقول (... أن الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الاستقلال يواخذان على الحزب الشيوعي بأنه رغم نضاله الواضح والقوي ضد السياسة اللاديمقراطية وضد المساومة فانه لن يتردد بمصافحة قاسم عندما يمد هذا يده اليه) .ويعنى أن الحزب مع رئيس الوزراء بالخطأ وبالصح و لانفرق بين تصرفاته والتي في كثير من الاحيان لاتخدم الحزب الشيوعي .
وقد كتبت (اتحاد الشعب ) افتتاحية في 28 نيسان 1959 تحت عنوان ( مساهمة الحزب الشيوعي في مسؤولية الحكم اصبح ضرورة وطنية ملحة )، ذكرت فيها ان الثقة كانت ولما تزال العامل الرئيسي في الانتصارات التي حققتها ثورتنا , وفي تأمين سلامة النهج الديمقراطي الثوري لجمهوريتنا – عبر حل المشاكل والتناقضات , ولسنا ناتي بجديد , اذا قلنا ان حزبنا , قد لعب دورا مشهودا في تعزيز هذه الثقة وتطويرها – وتعبئة الجماهير الشعبية الواسعة حول السياسة الوطنية الديمقراطية التي ينتهجها بثبات عبد الكريم قاسم . وبالرغم من ملاحظاتنا على بعض التطبيقات السياسية للحكومة – ولا سيما فيما يتعلق بعنصر الحساسية الغير مبررة أزاء حزبنا والمظاهر السلبية الناشئة من الشكل الذي يجري فيه تركيب وترميم السلطة السياسية)[1] .
في حين كان من المفترض أن يزيل الحزب التناقض بين قاعدة الثورة وشكل السلطة , فقد كانت جماهير الحزب ومنظماته كبيرة جدا وكان يحتاج أن يكون له دورا أساسيا في الحكم بل السيطرة على السلطة , وقد برز هذا التناقض من خلال هجوم قائد الثورة على الحزب وأعتقال مناصريه .أن هذا الحماس يحتاج من يخطط لاستغلاله وفق ماتقتضيه مصلحة الحزب ونظريته الثورية. (فالثورة والعنف هما طريق أنتزاع الديمقراطية المعبرة عن مصالح العمال والكادحين , والمغيرة للواقع... [2]. ) .
في هذا الوقت بالذات لم يستطع الحزب أن يقوم بعمل ما , بحيث لا يستطيع أن يطالب بحقوقه في المشاركة في الحكم , والذي تنصل عن المطالبة بها فيما بعد . يعطي محمد حسين أبو العيس ( عضو المكتب السياسي في حينه ) في نقده الذاتي نماذج من سياسة المعارضة في المكتب السياسي لفرض التراجع غير المنظم حيث يقول: ( كنا نتجنب الدفاع والدخول في أي معركة دفاعية ولو كانت على صفحات الجريدة ) [3]., فكيف نعبر عن الحس الثوري للجماهير الغفيرة التي تنادي بأشراك الحزب الشيوعي في الحكم , أما كان منا أن نتعامل مع هذه الظروف وخاصة الذاتية التي توجت الحزب الشيوعي العراقي في قمة هرم الاحزاب نشاطا وجماهيرا وقوة ً . (وكانت ضغوطات عبد الكريم قاسم لازاحة قيادة الرفيق سلام عادل ورفاق أخرين مستمرة وكان يعبر عن ذلك بأساليب مختلفة . وكان هدفه في الحقيقة محاولة ثلم دور الحزب الطليعي في الحركة الجماهيرية , وتفادي ضغوط الحزب من أجل تطوير الثورة .هذه جوهرها موقف طبقي، ولكن كان يعبر عنها بأساليب مخادعة ) [4]. في حين كان سكرتير الحزب يعمل من أجل درء الخطر عن الثورة .
لقد طرح الرفيق سكرتير الحزب سلام عادل خطة تسمى حينها ( خط حسين ) حيث دعى في أجتماع المكتب السياسي عام 1959 الى ( تشكيل مفارز مسلحة صغيرة في المحلات والمناطق من شأنها مشاغلة الانقلابين حتى يتسنى تحريك القطاعات العسكرية الموالية , الا أن المكتب السياسي رفض تكوين تلك المفارز السرية برغم أنها لا يمكن أن تبقى سرية[5]) .
تحمل الحزب تجاوزات القوى الرجعية على أختلافها الداخلية منها والخارجية ومناورات الاستعمار والامبريالية الامريكية وحلفائها أضافة الى سياسة عبد الكريم قاسم , في اعتقال الالاف من اصدقاء الحزب وموازريه , وبقي الحزب يدافع عن ثورة 14 تموز وهو المشارك فيها بشكل مباشر ولعب أبطاله من الضباط والجنود والجماهير بشكل عام دورا كبيرا فيها , لهذا كان الدفاع مستميتا , وكانت النتيجة لكل الاحداث السلبية التي رافقت الثورة وكذلك التخبط السياسي والذي ادى الى الانقلاب البعثي في 8 شباط عام 1963 والذي أجهض الثورة .
وراح ضحية هذا الانقلاب الالاف من الشيوعيين وأصدقائهم .
وتشير السيدة ثمينة ناجي الى ( أن انشغال المنظمات الحزبية من القمة الى القاعدة بتعقب ومكافحة النشاطات المعادية الاستعمارية الرجعية دفاعا عن الجمهورية ومكاسب الثورة وانشغال عدد كبير من كوادرنا بمهام سياسية لا تحتمل التأجيل أو اللامبالاة كان عائقا جديا أمام حل المشاكل التنظيمية في الحزب[6] ...) لقد تركنا التنظيم الحزبي بشكل أو بأخر وكل عملنا هو الدفاع عن الجمهورية ومنجزاتها .وكان من المفروض على الحزب العمل على لملمة التنظيم الحزبي والعمل على عقد موسعات حزبية تنظيمية وسياسية لسماع أراء أعضاء الحزب وبالتالي الجماهير كون عضو الحزب هو الاقرب الى الجماهير ومشاعرهم تجاه الحزب والثورة وقائدها , ومن ثم التهيئة لعقد مؤتمر ثاني للحزب والذي تأخر كثيراً.
في أجتماع أيلول 1962 أي بعد عودة سكرتير الحزب وجمال الحيدري من موسكو بعد أن تم معاقبة مجموعة الاربعة وتحليل الاوضاع السياسية قام الحزب بعدة فعاليات ونشاطات ضد دكتاتورية قاسم العسكرية حيث وجه المنظمات الحزبية على تشجيع الاضرابات العمالية والتحريض على التظاهرات .
من جانب أخر بلغت اللجنة المحلية في الموصل من قبل اللجنة المركزية في كانون أول 1962 بضرورة( أتخاذ الحيطة والحذر واعداد فرق مسلحة قادرة على العمل في الريف والمدن وبالتنسيق مع اللجنة العسكرية المركزية في بغداد استعدادا لمقاومة أي محاولة انقلابية محتملة [7]..).
أهم مايميز هذه المرحلة
1- تشابك المصالح وأختلافها بين الاحزاب التي كانت من ضمن جبهة الاتحاد الوطني , والذي أنعكس في صراع ميداني ودعائي بينهم وبين الكثير من جماهيرهم .
2- تشعب أعداء الثورة داخليا وخارجيا وأرتباط مصالحهم في الوقوف ضدها .
3- ( الاستعمار وأعوانه من الاقطاعيين والرجعين وسائر المتأمرين ومن ورائهم القوى الرجعية في البلدان العربية المجاورة[8]) .
4- فوضى في بعض جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية .
5- تمردات ونشاطات ملحوظة من قبل أعداء الثورة .
6- صعود البرجوازية الوطنية التي أخذت تدافع عن مصالحها والتي ترتبط بتطور الحكم السياسي وتنفيذه لمصالحها من أصدار القرارات والقوانين ... الخ .
7- التدخلات الخارجية وموقف القوى الاستعمارية بريطانيا وأمريكا وحلفائهم .
إن مرحلة التطور السريع للحزب تنظيميا وجماهيريا كان لها دورا كبيرا في اثارة تخوف وحقد بعض الحكومات العربية والاحزاب العراقية من البعثيين وألاحزاب البرجوازية والرجعية , ولكن هذا الصعود الثوري السريع والتفاف الجماهير الكبير حول الحزب لم يراعيه الحزب وقيادته اهتماما جدياً وبمسؤلية عالية كانت تتطلب منه التغير لصالح هذه الجماهير , أن هذا الكفاح البطولي الذي سطره الحزب طيلة تأريخة كان يحتاج منه أستغلال هذه الفرصة بمنتهى الدقة والحزم الثوري , فهو يتحمل المسؤولية التأريخية لانه لم يستلم السلطة وكان بالامكان أن يتغير تأريخ العراق المعاصر .
أضافة الى ماذكر من أسباب سقوط الثورة ونجاح الانقلابين في 8 شباط الاسود فهناك اسباب كثيرة اخرى , فعلى صعيد الحزب تذكر ثمينة ناجي ( 1- عدم تبلغ اللجنة العسكرية ومسؤولي الخطوط بالانقلاب 2- عدم مساهمة عدد من اعضاء اللجنة المركزية المعروفين في المقاومة .. 3 - سيطرة الافكار الاستسلامية الذيلية بسبب أفكار الكتلة الانتهازية على جزء غير قليل من التنظيمات وقيادة الحزب وشيوع ما أطلق عليه بالدفاع السلبي أي عدم الفهم الواضح لخطة الطوارئ...[9]) . وأنا أعتقد أن قيادة الحزب لم تدرس بشكل جيد دور الرجعية المحلية من ملاكيين وأغوات وتعاونهم مع القوى القومية وتنسيقها مع القوى الخارجية الاقليمية والدولية التي كانت تريد ان تنال من الثورة .
وفي مكان أخر تشير الى ( أن التراجع أضر وأساء للحزب وأثر على نفسيات أعضائه بحيث لم يعد سهلا اعادة المواقف الثورية وبثها فيهم من جديد . وفاقم من التدهور تضارب رأي أعضاء قيادة الحزب , فقد كنا نسمع من عدد منهم ما يبعث على الثقة والحماس بينما كان حديث أخرين محبطا للمنظمات الحزبية بسبب ذهنيته وتوجهاته الفكرية[10]) .
كان على الحزب الثوري الطليعي أن يكون حزبا موحد الفكر والارادة والعمل , تسوده روح الانضباط العالي ومباديء المركزية الديمقراطية والنقد والنقد الذاتي بعيدا عن عبادة الفرد والروح البيروقراطية والاساليب العشائرية البالية وبعيدا عن الانانية والمصلحية والانتهازية والفوضى , حزب ذو نظرية علمية تقوده هيئات حزبية مناضلة ومكافحة ومنتخبة وفق قواعد الهيئات وأسس الحياة الحزبية الداخلية , و توجهاته وقيادته للجماهير تأتي وفق متطلبات الثورة وأفاقها كضرورة أنية ومهمة.
وفي المعطيات السياسية فقد أستغل البعثيون والقوى الرجعية المساندة لهم الفجوة بين حكومة قاسم والحزب الشيوعي العراقي ومعاداته للديمقراطية , وكذلك حربه على الشعب الكردي أضافة الى أن حزب البعث والقوى الرجعية المحلية والعربية والدولية أتحدت للقضاء على المد الثوري للحزب الشيوعي العراقي وأنصار الجمهورية , وهكذا سجل تأريخ العنف والانقلابات والاعدامات بمجيئ أنقلاب شباط الاسود عام 1963 .
لقد أدى تحالف القوى الرجعية والبعثية والقوى القومية مع جهات خارجية ,الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها وعبد الناصر وبعض الدول العربية , والتنسيق على أعلى المستويات وفي الجوانب الاعلامية و الدعم المادي واللوجستي والتسليحي والفني وقدموا كل الترتيبات المخابراتية لخدمة أنقلابهم المشؤوم, والذي أدى الى أستشهاد الالاف من الشيوعيين وأصدقائهم وأغرقت البلاد بالدماء وزج الالاف في السجون من المواطنين الابرياء والشرفاء .
الاستنتاجات–
1- لم ينفذ الحزب سياسة أستلام السلطة التي تطالب بها القاعدة الحزبية والجماهيرية . – صراع الافكاروالاراء داخل القيادة وضعف أدارتها حالت دون أستلام السلطة.
2- أشيع أنطباع أن كل من يطالب بالحكم هو متياسر وكل من هوعكس ذلك فهو يميني , ولم تكن سياسة الحزب متوازنة وأنما يشوبها أحيانا الفردية وعدم الدراسة للاوضاع بشكل متأني .
3- التدخلات الخارجية ومنها تدخل الاتحاد السوفيتي وتأثيره على الحزب ( رسالة حملها أحد قادة الحزب من خروشوف والذي أعترض على مطالبة الحزب بالمشاركة في الحكم ).
4- قلة خبرة قيادة الحزب نظريا وعدم اخذ المبادرة والعمل الثوري الذي يجسد الارادة الحزبية والشعبية لقاعدة الحزب .
1- الولايات المتحدة الامريكية وعملاءها ومخابراتها كان لهم دورا أساسيا في أعاقة عمل الحزب حيث كانت تشجع عبد الناصر في حملته ضد الشيوعية في العراق .
2- دور القيادة المصرية التخريبي و كذلك دور النظام الاردني وبعض القوى القومية العربية وصحافتها وأعلامها الذي تميز بالعداء للشيوعية وللحزب الشيوعي العراقي .
3- دفاع الحزب المستميت عن الثورة وقائدها ( تصريح و لقاء سكرتير الحزب سلام عادل مع جريدة أتحاد الشعب ) ورسالة سكرتير الحزب الى رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم , برغم تقلباته على الحزب من غلق جريدته وأعتقال الكثير من مناضليه والهجوم المتكرر في خطاباته على الحزب , ودعمه حزب شيوعي أخر بقيادة (داود الصائغ ), وممانعته أشتراك الحزب في الحكومة.
4- حل تنظيمات الحزب في الجيش .
ومن الاستنتاجات التي تضعها السيدة ثمينة ناجي في كتابها تقول ( الكل أجمع أن للحزب – في تلك الفترة – قوة نفوذا كبيرا وواسعا وكان بمقدور الحزب في حالة استخدامه بصورة صحيحة وفي الظرف المناسب وبالشعارات والاهداف الملموسة وبالترابط التام مع الحلقات الاخرى التي وضحتها خطة سلام عادل : التحرك الجماهيري , المقاومة الشعبية , التعبئة العامة في جميع المجالات العسكرية والمدنية , أن ينجز تلك الاهداف ويراكمها وصولا الى التغير النوعي في توازن القوى بين أعداء الثورة وأنصارها وبالتالي تفويت الفرصة على الاعداء للانقضاض على الثورة كما حصل في 8 شباط 1963 بسبب النشاط التخريبي للكتلة في جميع المجالات ومنها في القطاع العسكري خصوصاً[11] ..) .
[1] المقايضة – برلين - بغداد نجم محمود ص 439
[2] الماركسية وأسئلة العصر ص 26 – عطيه مسوح .
[3] عزيز سباهي: عقود...، مصدر سابق ص 465.
[4] سيرة مناضل، مصدر سابق، ص 75.
[5] عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ج2 ص 532
[6] سيرة مناظل – ثمينة ناجي ص 540.
[7] تأريخ الحركة الشيوعية في العراق –صلاح الخرسان ص 119 .
[8] عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ج2 ص616
[9] سيرة مناظل –ثمينة ناجي ص 345.
[10] نفس المصدر السابق .
[11] سيرة مناضل ج 1 ثمينة ناجي ص 108 .