الحزب الشيوعي .. 12/ فيصل الفؤادي
في 18 تشرين الثاني 1963 جرى اسقاط البعث من قبل حليفهم عبد السلام عارف. وقد أعلن الحزب الشيوعي العراقي رأيه في هذا الانقلاب من خلال (صوت الفرات ) جريدة الحزب في الفرات الاوسط مشيرا الى ( أن قادة انقلاب 18 تشرين الثاني وشركاء حزب البعث في انقلاب شباط , قد شخص فيهم شعبنا الواعي الورثة والمكملين لسياسة البعث الاجرامية ...... , وهذه الطغمة تواصل استخدام اساليب الحديد والنار والمجازر الدموية ضد الشعب العراقي والثوار الوطنيين في كردستان .... كما ان وحدة وتراص صفوف الحركة الثورية هي ضمانة الانتصار الكبرى لشعبنا . فعلى الشيوعيين والقوى الثورية الاخرى في كردستان وفي سائر انحاء العراق تقع مسؤولية خاصة للاضطلاع بهذه المهمة الشريفة وتذليل كل الصعاب امامها [1]).
ووقفت لجنة تنظيم الخارج في البدء موقفا معاديا ايضا من نظام حكم عارف واعتبرته ( دكتاتورية عسكرية رجعية ) وقد اثبتت التجربة مرة أخرى أن الحكم العسكري ومهما كان شكله لا يستطيع حل مشاكل الشعب .
على العموم وقف الحزب، سواء في الداخل ام في الخارج ضد حكم عارف وذلك من خلال البيانات وصحافته المختلفة, خاصة في بداية حكمة وتغير سلطة البعث , ولكن وعلى ضوء الصراع الفكري والحزبي برزت كثير من الامور لم تكن في الحسبان من قبل البعض من قيادة الحزب , وخاصة كما ذكرنا أنفا حول مصطلح " التطور اللارسمالي " , وتأثيره على بعض البلدان في أسيا وأفريقيا واحزابها الشيوعية والاشتراكية. لهذا نادي البعض بهذه الافكار , وضرورة التركيز على هذه التحولات الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المتخلفة والتي لا توجد فيها قاعدة مادية للتطور اللاحق بالصورة التي أكدتها الماركسية . وظهرت أنئذاك كثير من " الاشتراكيات المتنوعة " منها " الاشتراكية الاسلامية " و " الاشتراكية العربية " التي دعا لها جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية المصرية في ذلك الوقت وانتقل هذا التأثير على وضعنا في العراق وتأثربها بعض من قيادة الحزب ومنهم عبد السلام الناصري الذي كان مرشح المكتب السياسي للحزب ( وشرع بممارسة الضغط على الكوادر الحزبية المتقدمة في الخارج لحملها على تبني وجهة نظره كونه مرشحا للمكتب السياسي للحزب مشيرا الى أن هذا الموقف هو موقف الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي . وقد كشف عن موقفه هذا في أجتماع دعا اليه في براغ أواخر عام 1963 ضم أعضاء لجنة تنظيم الخارج وكوادر متقدمة أخرى من الحزب كان من بينهم (نزيهة الدليمي وارا خاجادور وعزيز الحاج وحسين سلطان وثابت حبيب العاني ونوري عبد الرزاق ) وفي هذا الاجتماع يؤكد الناصري أفكاره وطريق ( التطور اللارسمالي) الذي أتخذته مصر بقيادة جمال عبد الناصر .وقد تأثرت بها الكثير من قيادات الاحزاب الشيوعية في البلدان العربية وعلى ضوء هذه الافكار والمتغيرات السياسية الجديدة لعارف داخليا وخارجيا (العلاقة مع الاتحاد السوفيتي وأستئناف تزويد العراق بالسلاح السوفيتي الذي توقف منذ انقلاب شباط 1963 ووقف الحرب في كردستان[2] ) .
في حزيران 1964 عقد أجتماع في موسكو دعا له عبد السلام الناصري للكوادر المتقدمة في الخارج وقد حضره كل من (نزيهة الدليمي وحسين سلطان وعزيز الحاج وارا خاجادور ونوري عبد الرزاق ومهدي عبد الكريم وماجد عبد الرضا وبهاء الدين نوري وعامر عبد الله وثمينة يوسف ناجي ورحيم عجينة وثابت حبيب العاني[3] ...), وقد تبنى الاجتماع، أكثرية، الخط السياسي المتأثر بالسياسة المصرية والتي كانت بضغط من الاتحاد السوفيتي , ويقول رحيم عجينة، عضو اللجنة المركزية للحزب، والذي كان حاضرا الاجتماع ما يلي: (...أن الدور الاساسي كله نجم عن الموقف الفكري أو بالاحرى ضعف الموقف الفكري لدى قيادة الحزب , الذي سبق وان خلق مشاكل فكرية سياسية وتنظيمية في مسيرة الحزب وسيخلق أيضا ان أستمر دون علاج [4]) .
لقد توج هذا الموقف بماسمي بـ " خط أب " وتأثيراته
في هذه المرحلة ساد " خط أب " , نتيجة تداعيات أتخذها هذا الخط وتأثيره على البعض من قيادة الحزب والكثير من كوادره.
ان هذه المجموعة من قيادة الحزب التي تبنت هذا الخط كانت على ما يبدو متأثرة بالاصلاحات التي قام بها نظام عبد السلام عارف، وهو الذي كان احد المشاركين في نظام البعث الفاشي، بعد أن قام في عام 1964 بتأميم بعض الشركات واتخذ بعض الاجراءات " الوطنية " التي أثرت على هذه المجموعة من قيادة الحزب. ولكن هذا الخط جوبه بمقاومة شديدة من طرف القاعدة الحزبية التي تجرعت الويل من سلطة البعث وحلفائه من القوميين والناصرين, مما ادى الى فشل هذا الخط. ولكن هذا الخط لم يمر من دون تداعيات وخلق حالة من الصراع الحزبي الداخلي افضى لاحقا الى أنشقاق داخلي وتشكيل" القيادة المركزية " التي دعت الى أسقاط النظام الدكتاتوري أي حكومة عبد الرحمن عارف الضعيفة ( المترنحة ) , ودعت الى رفع السلاح ( الكفاح المسلح) ضد السلطة الحاكمة .
فقد ( أنعقد الاجتماع الكامل في ضواحي براغ في جيكوسلوفاكيا في أب 1964 وكان أمام الاجتماع ان يدرس خط الحزب السياسي وان ينتخب لجنة مركزية للحزب وان يختار سكرتيرا له وان يتخذ قرارات أخرى لتطوير عمل الحزب , وقد دعي لحضور الاجتماع جميع الاحياء من قادة الحزب الذين كانوا قد عوقبوا في محاسبات 1962 وابعدو عن اللجنة المركزية . ولم يتيسر لزكي خيري ان يشارك في الاجتماع . ... وقد صدر عن الاجتماع تقريرا تضمن الشعار التالي – في سبيل وحدة القوى الوطنية , في سبيل تعزيز الاستقلال الوطني والتقدم الاجتماعي - ... واشار بوجه خاص الى – ان حركة التحرر الوطني في الظروف العالمية المعاصرة تغتني بمضامين تقدمية جديدة بفضل التأثير المتعاظم لنظام الاشتراكية العالمي ولافكار الاشتراكية العالمية - ... واضاف التقرير الى – أن النضال العربي يكتسب مضمونا تقدميا ثوريا جديدا – ثم يضيف التقرير الى ـ تحت تأثير النظام العالمي لدكتاتورية البروليتاريا وبالاستناد الى مساعداته الشامله تتحقق في بعض البلدان العربية اشكال من النظم السياسية تأخذ بالحسبان أهمية الاستناد الى وحدة القوى التقدمية في الامة , واشراك العمال والفلاحين في ادارة الاقتصاد وثمار العمل , وفي توجيه قيادة المجتمع والدولة ـــ ونوه التقرير بالدور الرائد للجمهورية المصرية والجزائر[5] ...), وفي ظني أن الحزبين الشيوعيين في مصر والجزائرقد أخطا بأنضمام أعضاء حزبيهما الى (الاتحاد الاشتراكي العربي – المصري وجبهة التحرير الجزائرية ) وذلك بعد ان حلا حزبيهما .
ثم أعتبر ت اللجنة المركزية للحزب حكم عبد السلام عارف تحولا ايجابيا، حيث جاء في هذا الخصوص ( أن حزبنا لن يتخذ من هذا التنظيم – الاتحاد الاشتراكي العربي – موقفا أنعزاليا بل على العكس سيتخذ منه موقفا ايجابيا ويرسم التدابير الضرورية للتعاون معه بهدف السعي لتعزيز الجانب التقدمي في سياسته وتطوير ايديولوجيته[6] ).
لقد تأثر قادة الحزب الموجودين في الخارج ومنهم عبد السلام الناصري عضو المكتب السياسي للحزب بالافكار التي طرحتها القيادة السوفيتية وبالذات خروشوف ومنها التعايش السلمي والتطور السلمي وعدم جدوى الثورات لانها تؤدي الى حروب ستؤثر على العالم والبشرية جمعا وكذلك التوجه اللاراسمالي والتخلي عن قيادة الطبقة العاملة , هذا القيادي الذي كان له دور كبير في التأثير على بقية الرفاق والخروج بهذه الاستنتاجات التي أضرت كما أرى بالحزب وأثرت تداعيات هذه الافكار الاستسلامية على مجمل الحزب وجماهيره .
ويشير صالح دكله الى ( ولغرض ترويج هذا التوجه وتعزيزه , عقدت الاحزاب الشيوعية العربية مؤتمرا صيف 1964 في براغ حضره ممثلوا هذه الاحزاب الشيوعية العربية ومنهم الرفيق الراحل خالد بكداش ومعه عمر السباعي وابراهيم بكري عن الحزب الشيوعي السوري , كما حضر كل من الرفيق الراحل نقولا شاوي وصوايا صوايا عن الحزب الشيوعي اللبناني والرفيق الراحل أبو سليم السليفتي عن الحزب الشيوعي الاردني كما حضرنا نحن الثلاث أنا والرفيق سلام الناصري وعزيز الحاج ممثلين عن الحزب الشيوعي العراقي ...... الخ وللحقيقة (والكلام لصالح دكله ) فلقد كان موقف خالد بكداش معارضا للاطروحات التي أثيرت في هذا الاجتماع بحيث وجدنا صعوبة في الاتفاق على البيان المشترك ... والذي نعتبر به أن جناحي حركة التحرر العربية هما الحركة الشيوعية العربية والحركة الناصرية وكان ذلك بتشجيع من ممثلي الصحافة السوفيتية حينذاك [7]) .
هذا التقلب بين جهة وأخرى يسارا ويمينا والتأثيرات الخارجية التي لا تتعامل مع أوضاع الاحزاب في بلدانها بالشكل الذي يجعلها تمارس الاستقلال الفكري والسياسي والذي يخلق لديها الحجة القوية أتجاه معارضيها , أن هذه التأثيرات تبعد الحزب عن الجماهير وهذا الذي حصل مع بعض الاحزاب في الشرق الاوسط حين أستمعت الى أراء لم تدرس طبيعة مجتمعاتها بالصورة الصحيحة , وبالرغم أن قوانين الماركسية واحدة ولكن ظروف التطبيق تختلف من بلد الى أخر خاصة ,ان بعض الشعوب متدنية في الوعى نتيجة ظروف أقتصادية أجتماعية وتعليمية .
ويشرح الكاتب عزيز سباهي هذه الظروف بالقول (جاء تبني الحزب الخط الجديد في اب 1964 في اوضاع حزبية وجماهيرية غير مناسبة , فالحزب انذاك كان يشكو من مظاهر التسيب , ويشيع فيه ميل للتياسر دفعت اليه الاثار المأساوية التي خلفها انقلاب شباط الاسود[8] ... ), ولهذا جاءت ردود فعل قوية من قبل أعضاء الحزب قيادات وكوادر وحتى قواعد , خاصة بعد أن عرضت اللجنة المركزية مايشبه الاستفتاء على بعض الكوادر الحزبية والتي اجمعت على ادانة هذا الخط .
في نفس الوقت شكلت لجنة من زكي خيري وعزيز الحاج لوضع دراسة في (محاولة تقيم سياسة الحزب للفترة مابين 1956 الى 1964 ) والتي عممت على بعض الكادرات الحزبية وقد أختلفت فيها الاراء حول هذا التقرير . وفي عام 1965 أصدر عزيز الحاج كراسا يثبت موقفه من خط أب والتحولات الاقتصادية وما سمي بالتحول اللاراسمالي ( حول التطور غير الرأسمالي في العراق ) , وجرى توزيعه بدون علم التنظيم والذي أحدث ضجة وبلبلة بين اعضاء الحزب في الخارج والداخل وكان قد عمم على مستوى معين من التنظيم الحزبي , وأصدر الحاج كراسين أخرين ( التحريفية ) و (الاستعمار الجديد ) , ويقول الحاج في كتابه شهادة للتأريخ أن أفكاري الانتقادية للخط السوفيتي السائدة أساساً فكريا لانشقاق عام 1967.
[1] عقود من تارخ الحزب الشيوعي العراقي ، عزيز سباهي ص22
[2] عقود عزيز سباهي الجزء الثالث ص 31 .
[3] نفس المصدر السابق .
[4] الاختيار المتجدد رحيم عجينه ص 88 .
[5] عقود عزيز سباهي ج 3 ص 36 .
[6] أضواء على الحركة الشيوعية في العراق – صلاح الخرسان ص 31
[7] من الذاكرة – صالح دكله ص 146
[8] عقود عزيز سباهي ج3 ص43 .