ثمانية عشر شهرا ../مصطفى عثمان
في زيارتي الأخيرة الى العراق قرأت مقالا في مجلة الشرارة كتبه الأخ مصطفى عثمان الذي كان يعمل مع ابو ظفر في المركز الصحي في الدغارة يقول فيه
" لست آسفا الا لأنني لا املك غير حياة واحدة اضحي بها في سبيل الوطن "
شيشرون
لو انك عاصرت وتعرفت على الدكتور محمد بشيشي الظالمي ، لوجدت في اعماقه ، عظمة إخضرار الروح وقدرته وهمته العالية في النضال . انه ذو حضور ويمتلك الضمير الحي والمرهف يرى انه خُلق من اجل الوطن الممتلىء بالخوف وبالإنسان المُضطهد المُتعب بلا حقوق في العراق االصعب . كلما افتح كوخ ذاكرتي ، اجد ابا ظفر متألقا ، لديه ميراث رافض لتجربة الحزب ( الجبهة اللاوطنية ) وقيمها . واخذ على عاتقه بناء حياة اجتماعية تستند على قيم ومعايير ثقافية بكل نواحي الحياة وكان له مشروعا متكاملا من اجل إنتشال هذا الإنسان المتهالك الذي يخضع . للموت المروًع جوعا وعطشا وتخلفا ، وكطبيب في المركز الصحي التجريبي في الدغارة ، كان له مشروع صحي انساني لإنتشال الإنسان المحاصر بالتخلف والجهل والفقر .. اي انسان ممنوع عليه التعليم والثقافة . هكذا كان ابو ظفر الذي استشهد على جبال كردستان بقذيفة حقيرة حاقدة كحقد البعث المقبور وهويحمل بندقيته وصف الرصاص ليس سهلا الكتابة عن هذا النموذج الإنساني .. طبيبا ومعلما . ، متسلحا بالفكر الإنساني يفهم ان الفرد كطاقة ووجود اجتماعي لايمكن اغفاله او تقييد حركته الثقافية والسياسية ليأخذ مكانه المناسب اقتصاديا ، اجتماعيا وسياسيا .
ابو ظفر حين التقيته مضاءا بين الملصقات وشعشع نورا كالبرق الراكض خلف الغيوم .
نزلت صيف عام 1976احمل حقيبتي وترحيلي من اللجنة الطلابية في البصرة لإكمال التدرج الصحي في محافظة القادسية و اخترت الدغارة مدينة الشاعر كزار حنتوش . التقيت به ، الطبيب الأنيق كما لو انني احسست احدا احتضنني ، وجها حنونا بهيا حازما ، دمث الأخلاق . ، احتفل بي كأنه الشفق ووعدني بصديق الفرد . هكذا التصقت بهذا المتفاني الأنيق ومنذ الجلسة الاولى .
لم يكن بيننا تعارف حزبي ، لكن هناك تقارب فكري وثقافي وطلب مني ان اجلب له صحفا دون ان يحدد نوعها . فجلبت معي مجلة الفكر الجديد وطريق الشعب وسلمتها له سرا . حين عرف البعثيون أن د. محمد بشيشي الظالمي يتصفح صحف حزبنا ، اصابهم الإندهاش ،وارادوا كشف من يجلب له هذه الصحف بشكل يومي ، وإنصبت شكوكهم عليً لأني الوحيد الذي يسكن خارج الدغارة . إستأجرت شقة مع بعض الرفاق في مدينة الديوانية . وحين اصل الى مقر عملي في ، المركز الصحي في الدغارة ، يستقبلني جواسيس البعث استقبالا حارا وتحتضنوني ويفتشون ما تحت الابط والخصر ، لكنهم لم يجدوا شيئا . يتفاجئون حين يعرفوا ان ابو ظفر يقرأ طريق الشعب وادبيات الحزب وكتب اخرى . ومع الصحف والادبيات كنا نتبادل الآراء
اما المشروع الثاني الذي طرحه الدكتور محمد بشيشي الظالمي هو القاء محاضرات على مراجعي ومراجعات المركز الصحي فيما يخص رعاية المرأة والطفل والرضاعة الطبيعية وتغذية المرأة الحامل قبل اعطاء العلاج للمريض ، وافرغ قاعتين في المركز لهذا الغرض . كما ويقوم طبيب الاسنان الدكتور يسار بتقديم محاضرات حول العناية بالاسنان ، ويأتي دوري حول كيفية الاستفادة من الادوية وكيفية استعمالها والحفاظ عليها . كانت المحاضرات على مدى ساعة يوميا ومجانا من اجل رفع مستوى الوعي الصحي . كانت تجربة فريدة في العراق . وكنا جادون بهذا المشروع . انه يقين السياسي الملتزم . .
من عرف النصير الشهيد د. محمد .. صارما في اعماقه وامواجه الهادرة ، كانوا اطباء اثنان . كثيرة هي الذكريات في فترة الانصار على جبال كردستان . طوبى لرفاقنا الانصار وطوبى لإبي ظفر ، والى ام ظفر التي كانت مدرسة للغة الانكليزية في ثانوية الدغارة للبنات حينذاك .