مسيرة الجبهة الوطنية  / فيصل الفؤادي

الحديث طويل عن علاقة الحزب الشيوعي العراقي مع نظام البعث أيام الجبهة الوطنية والقومية التقدمية , فقد تحدثت وثائق الحزب عن تلك الفترة بشئ من الوضوح والانتقاد من خلال المؤتمرات التي عقدها الحزب أو الدراسات المختلفة التي قدمها الى أعضائه وأصدقائه والى جميع أبناء الشعب .

يشير تقيم تجربة الحزب الذي أقره المؤتمر الرابع 10 – 15 تشرين الثاني 1985للسنوات 1968 – 1979 الى (...  لقد كان قيام الجبهة بأتفاق فوقي لم يستند او يعزز بقاعدة متينة من التلاحم النضالي المشترك وان صيغة الميثاق الوطني كانت تعكس توازن القوى السياسية في تلك الفترة الذي مال الى جانب حزب البعث بسبب وجوده في السلطة وقيامه بخطوات تقدمية رغم بقاء صفته الثابتة في معاداة الديمقراطية وخوفه من تنامي نفوذ الحزب الشيوعي)[1] .

   خرج المؤتمر الثالث للحزب 1976 في رفعة شعارات جديدة " العمل سوية صوب الاشتراكية " دون التدقيق في نوايا البعث وسلطته حيث كانت مخابراته واجهزة الامن تراقب كل تحركات عناصر الحزب وأعضائه ومشاركاته المختلفه .( وأستغلت اجهزة الامن الحكومية حالة الرخاوة هذه في الحزب الشيوعي العراقي لتدس بعض عناصرها في صفوف المنظمات الحزبية الشيوعية  ...[2]) .

وكالعادة صيغ تقرير سكرتير الحزب عن الانتصارات التي تحققت أبان الفترة السابقة على الصعيد الدولي والعربي والمحلي , وجرى التأكيد على العلاقة التحالفية ومهمة أنجاز ميثاق العمل الوطني والتي يجب أن تطبق خلال 5 خمسة سنوات بعد أعلان الجبهة الوطنية وحل مجلس قيادة الثورة وغيرها من القرارات والقوانين التي يجب أن تصدر .

ويشير عزيز سباهي في كتابة عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي الى ( لقد أنطلقت تقديرات الحزب الشيوعي للعمل الجبهوي , وافاق تطوره من أن طبيعة الجبهة ذاتها بوصفها تحالفاً يمتلك كل الامكانيات لتنفيذ برنامجها التقدمي المعادي للتطور الراسمالي , والى تاثير طابع العصر , عصر الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية بمقياس عالمي).

ويضيف الكاتب ( ولم يتوقف المؤتمر جديا عند طبيعة الحزب الحليف . ولم تعمل قيادة الحزب على دراسة طبيعة الحزب الحليف بعمق ومتابعة مايطرأ عليها وأكتفت بترديد المسلمات النظرية بشأن الطبيعة المزدوجة لاي حزب برجوازي صغير . ....لقد كان حزب البعث الحاكم يتحول يومها من حزب برجوازي صغير يميني وقومي شوفيني , الى حزب يمثل البرجوازية الطفيلية والبيروقراطية لا في ايدلوجيته وحدها وانما في تكوينه أيضا . وكانت هذه الفئات تنمو في المجتمع وبين صفوفه بسرعة كبيرة وتفرض نظرتها وطبيعتها ومصالحها على المجتمع والدولة والحزب الحاكم وتستخدم الدولة وأمكانياتها الفنية والمالية والمادية وسلطتها عامة الى أداة لتسريع النمو الراسمالي في البلاد . وكان لابد والحال هذه , ان ينحل عقد التحالف , عاجلا أم اجلا , ويتحول الى خصومة وتصادم , شاء دعاة هذا التحالف أم أبو [3] ) .

لقد أصدر حزب البعث قوانين وقرارات كثيرة تحرم على الحزب الشيوعي العمل في مرافق عديدة ومنها العمل في الجيش والقوات المسلحة وكان لدى الحزب الالاف من الشيوعيين المجندين الزاميا في الجيش من دون تنظيم خاص بهم ( كما يشير تقرير المؤتمر الرابع ص 57 تشرين ثاني 1985 )  , و أعتقل العديد من أعضاء الحزب وأصدقائهم وصدرت بحقهم أحكام الاعدام , وهكذا أعدم 31 من هؤلاء بحجة العمل على التنظيم في الجيش حيث تم أعدامهم في 18 و19 ايار من عام 1978 و27 و28 و29 أيار من نفس السنة, برغم كل التدخلات من الدول الصديقة الشيوعية , الا أنهم أعتبروها تدخلا في شؤون العراق .

 

وهكذا حجم حزب البعث وسلطته الحزب الشيوعي في جميع مرافق العمل السياسي والحزبي والتنظيم العسكري في القوات المسلحة  , فقد حصرقبول المتطوع في الاماكن المهمة ودورات الضباط على البعثيين والاقرباء وأبناء المدينة والقرية, وعمل على تثقيف الجيش العراقي بأيديولوجية البعث والقومية العربية وأبعد مداولة الكتب الغير بعثية من شيوعية ووطنية وديمقراطية . وأستطاع كسب الجيش بطريقة الاغراء وقوة السلطة , وفي نفس الوقت أبعاد أي عسكري من القوات المسلحة يشك في ولائه  للبعث والسلطة , وهكذا سيطر البعث على أهم مؤسسة في العراق لانها القوة الاساسية في أستمراره في الحكم , وهذا كان مخطط له منذ زمن بعيد .

وللاسف الشديد أن قيادة الحزب بذلت في حينه جهودا مضنية في سبيل الحفاظ على الجبهة و كانما هي غير معنية بما يحدث من تعسف من قبل السلطة والاستحواذ على كل شيئ في الدولة .

ولهذا وافقت قيادة الحزب على حل المنظمات الديمقراطية (أتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية ورابطة المرأة في العراق و أتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ) .

وبدات الهجمة الشرسة من قبل اجهزة الامن على منظمات الحزب من الملاحقات و الاعتقال والسجن , وهذا ما أشار له أجتماع اللجنة المركزية في بداية أذار 1978 .

وبدات من المحافظات الجنوبية أي من البصرة والناصرية وغيرها وأنتقل أعضاء الحزب وأصدقاءهم الى بغداد والى مدن اخرى وأعتقل كثير منهم واودع السجن أو أعطاء (البراءه ) من العمل السياسي على ضوء قرار 200 السيئ الصيت , وقد أدى التأخير في أخذ قرار حاسم أتجاه هذا الوضع الى خسارة العديد من الرفاق بين الاعتقال والسجن والهروب الى مصير غير معروف وتفككت المنظمات الحزبية وأصبح الحزب في وضع غاية في الصعوبة .

ويشير فاتح رسول عضو اللجنة المركزية للحزب انذاك في كتابه الى ما يلي: ( أخذت الحملات والضربات الموجهة لتنظيمات ح .ش . ع . مدى أوسع فالنظام الفاشي وسع نطاق حملته الشعواء من خلال تدمير وتصفية المناطق التنظيمية واحدة تلو الاخرى , ابتداء من محافظة البصرة حيث يساق يومياً مئات من الرفاق والمؤيدين الى دوائر الامن والاستخبارات ومقرات البعث وجميع المنظات التابعة له , وكانوا يتعرضون الى أبشع أساليب وأشكال التعذيب الجسدي والنفسي , طالبين منهم افشاء الاسرار الحزبية والتخلي عن العمل السياسي مع الحزب الشيوعي , والتوقيع على تعهد بعدم العودة مرة أخرى الى الحياة الحزبية , بأستثناء البعث العراقي ! وقد صفيت تنظيمات حزبنا في وسط العراق وجنوبه خلال فترة قصيرة ووصلت الحملة الى بغداد , ففي صبيحة يوم 12 / 11 /1978 شن هجوم وحشي مفاجئ على عدد من الرفاق المعروفين والضباط القدامى , أصبحوا خلال فترة من الزمن في أعداد المفقودين,وفتحت التحقيقات الامنية في جميع المدارس والكليات والمعامل والنوادي والدوائر الحكومية والنقابات ومقرات حزب البعث .... [4]) ويضيف في مكان أخر بأنه أستلم رسالة من الحزب عن طريق الرفيق أسعد خضر جاء فيها: ( وصلت حملة النظام الى بغداد , كونوا حذرين , افعلوا مافي امكانياتكم لصيانة أنفسكم وتنظيمات الاقليم كافة ...) .

   لقد وضع النظام الدكتاتوري خطة للقضاء على الحزب منذ توقيع بيان الجبهة تموز 1973,

وتشير دراسة الحزب في تقيمها ( لقد أشتدت مطالبة المنظمات ورفاق الحزب بأتخاذ الاجراءات الضرورية لتهيئة الحزب للانتقال الى اشكال اخرى من التنظيم ولكن هذه المطالبة كانت تقابل بالاهمال من قيادة الحزب , وحتى عندما بدأ الحزب بأتخاذ التدابير في النصف الثاني من عام 1978 لم تكن بالمستوى المطلوب , وكان يرافقها التأكيد على التريث وعدم التطير الذي كان من حيث محتوه لا يعني الا ضعف اليقضة الامر الذي ادى الى تعميق الضربات الموجهة الى المنظمات الحزبية [5]  ) .

وأزاء المتغيرات السريعة والمواقف المتردية للنظام , كان لابد للحزب أن يغير سياسته بعد أن بلغت الامور أكثر ماتحتمل , ولكي يكون تصورنا واضحا في التغير الذي طرأ على سياسة الحزب بدرجة سريعة بين الجبهة والتحالف مع حزب البعث الحاكم وسلطته وسياسته الجديدة التي تطالب بالتغير الكلي في نهج النظام وانهاء كل ممارسات الدكتاتورية وأساليبها القمعية .

 (... وخلال السنوات الاخيرة من عمر الجبهة تفاقمت التجاوزات التي كان يمارسها البعث في العمل الجبهوي والتي تستند الى هيمنته على السلطة بلا منازع , والى عدم تطبيق بنود ميثاق الجبهة في مايتعلق بالديمقراطية السياسية , سواء باقامة المؤسسات الدستورية على أسس ديمقراطية , أو بتحقيق الحريات الديمقراطية , والى التدهور التي شهدته سياسته العامة ليصبح المتحكم بالجبهة .

وقد أدى مجمل النهج الرجعي للحكم في مختلف الميادين الاقتصادية والساسية ففضلا عن ايديولوجية العداء للشيوعية المتأصلة لدى قادة البعث في العراق , الى تصعيد حملات القمع الدموي ضد الحزب الشيوعي , الامر الذي أدى الى تخريب الجبهة الوطنية وانهيار الائتلاف السياسي عام 1978, هذا الائتلاف الذي بقي دائماً ائتلافاً فوقياً عاجزاً عن تعبئة الجماهير وتنظيمها في النضال لانجاز مهمات الجبهة [6]) .

وهكذا تفككت المنظمات الحزبية وأنتقلت القيادة الى دول مختلفة ومن بقي فهو يعيش ظروف العمل السري , بل أن السلطة تغض النظر عنها لانها تريد أن تضع فجوة بين القيادة والقاعدة خاصة وأن الهجمة بدأت بالاعضاء والاصدقاء والكوادر المتوسطة .

ولم تستطع قيادة الحزب أن تتخذ القرار الصائب وكما يشير تقيم الحزب ( 1968 – 1979 ) الى صياغة وقف التدهور التي بقيت مترددة في العمل الجدي لانقاذ الحزب والرفاق وبالتالي هيبة الحزب ( ومع ذلك كان التردد طابع سياسة الحزب في الفترة 1978 – 1979 , فمن منظور الحرص على الجبهة , لم يسحب ممثليه في الوزارة , بعد حملة الاعدمات .. وتردد في تنظيم حملة تضامنية فعالة , وواصلت صحافة الحزبنا الصدور , دون الاشارة الى الارهاب الموجه ضد الشيوعيين بشكل صريح وفعال .. وعندما صاغت اللجنة المركزية شعار ـ وقف التدهور في أواخر حزيران 1978 , لم يكن هنالك فهم موحد لهذا الشعار والاساليب الواجب اتباعها, وتغلب في التطبيق تفسير وقف التدهور بالتراجع من جانب الحزب وعدم استفزاز السلطة, واتسمت خطواته بطابع التردد ..) .

وبعد الحملة الهمجية على الحزب والتي نكلت بأعضاء الحزب وأصدقائه تطالب السلطة من الحزب الاعتذار على بيان أذار 1978  الذي طالب فيه وقف الحملة القمعية المعادية للديمقراطية وسياسة التبعيث والتعريب  ... ألخ

ويرى تقيم الحركة الانصارية التابعة للحزب الى (وقد تبين من الوثائق الامنية التي حصل عليها الحزب بعد انتفاضة أذار 1991 أن الخطط والاجراءات الامنية والسياسية للقضاء على الحزب وضعت منتصف السبعينات[7]  ) .

وكانت منظمات الحزب تبعث بتقارير يومية تتحدث عن أجراءات السلطة ضد أعضاء الحزب وملاحقات قوى الامن المتكررة بل اليومي مما أدى في الاخير بقيادة الحزب أن تغير في موقفها .

( وأصرت قيادة الحزب على رفض أي حوار مادامت الحملة القمعية مستمرة , ومالم تعتذر قيادة البعث علناً عن الاعدامات وتعلن اعادة الاعتبار للشهداء رسميا ......... وغدا التفاهم بين الحزبين مستحيلا لآن حزبنا لم يعد قادرا على العودة الى سياسة التحالف مع البعث بالشروط السابقة [8]) .

لقد خرج الالاف من الرفاق والاصدقاء الى مختلف بلدان العالم ومنها البلدان الاشتراكية , وأصبح الوضع مأساويا الى درجة أن البعض منهم سلم للامر الواقع لعدم وجود موقف واضح وصريح من قيادة الحزب والتي تتحمل المسؤولية الكبيرة تجاه الرفاق والاصدقاء وأبناء شعبنا .

 (أن الارتداد في النهج السياسي والاجتماعي لحزب البعث في العراق , وأصراره على تخريب التحالف مع حزبنا ومحاولة تصفيته ,وتصعيد أساليب القمع الفاشي ضد جماهير الشعب وقواه الوطنية واندفاعه في طريق التعاون مع الرجعية والامبريالية , قد خلق وضعاً جديدا درسته اللجنة المركزية لحزبنا في أواسط 1979 وصاغت على أساسه سياسة الحزب في الانتقال الى معارضة النظام والدعوة الى الاطاحة به . وقد أسفر هذا التدهور في نهج الحكم عن شن الحرب العدوانية ضد الجارة أيران في أواخر 1980 التي أقترنت بمزيد من التدهور في نهج الحكم على سائر الميادين[9]  ..).

وماكان لاجراءات السلطة القمعية المستمرة غير نتيجة واحدة وهي أنهاء أي علاقة مع الحزب الشيوعي العراقي لكي ينفرد النظام بالسلطة وبالتالي بالقرارات والقوانين وما نتج عنها من أضرار على الشعب العراقي وسلامة العراق وحدوده والتي ظهرت نتائجها بعد قيامه بالحرب المشؤمة مع الجارة أيران , ونتائجها الكارثية على العراق و المنطقة ككل .

وكان ولابد للحزب أن يتخذ الموقف السريع لكي ينقذ وضع الحزب وأعلاء هيبته التي أراد النظام تنكيسها , وأنهاء الحزب كذلك .

   في أجتماع تموز 1979 قررت اللجنة المركزية تقديم شعار انهاء الدكتاتورية واقامة حكومة ديمقراطية ائتلافية تحقق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي الحقيقي لكردستان , وكان في الحقيقة تعبيرا عن الدعوة لاسقاط حكم البعث ) , وهكذا تحول الحزب نحو تنفيذ هذه السياسة من خلال التواجد في مناطق جبلية نائية يعيد فيها هيبة الحزب وتنظيمه ويحافظ على بقية التنظيم والرفاق والاصدقاء الذين لم يعتقلوا من قبل جلاوزة النظام وأجهزته الامنية .

  في ظل هذه الاجواء برزت فكرت اللجوء الى العمل الانصاري المسلح في كردستان ومن اجل حماية الكادر والاعضاء وابعادهم عن غدر اجهزة النظام وانطلقت هذه الافكار من التقدير بأستحالة بقاء اعضاء كادر الحزب القيادي وجمهرة واسعة من الاعضاء في المدن دون التعرض لخطرالتصفية الجسدية أو السياسية .

  ومن أجل العمل على ذلك بدا الحزب التباحث مع القوى التي تعادي النظام الدكتاتوري والتي تتخذ من تلك المناطق الجبلية في شمال العراق أي كردستان وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني , حيث مكان عملهما و نضالها  أضافة الى تهيئة المستلزمات الضروية لهذا النضال الشاق والصعب والمكلف في كل شيئ .

وبالفعل هياُت أعضاء الحزب الذين يعيشون في مناطق كردستان الى هذه المهمة الكبيرة والتي بدءتها لجنة هندرين في الاقليم لهذا الغرض .

ويذكر تقيم الحركة الانصارية الى ( كما جرت الموافقة من المكتب السياسي في وقت متأخر – تشرين الاول 1978 ــ بعد أتخاذ الخطوات الاولية على الانتقال الفعلي الى المواقع الانصارية وكان قد بقي من (م. س .)  ويعني المكتب السياسي ـ في الداخل ثلاثة فقط , وظهرت مبادرات فردية وجماعية من بعض الرفاق للالتحاق ببعض المواقع الانصارية وكان لها دور كبير في دعم الوجهة اللاحقة [10]  ) .

ولابد أن نسأل ماذا عمل الحزب و ماهي الاجراءات التي أتخذها في تهيئة هذه المستلزمات الاولية البسيطة .

أن عمل الحزب وصعوده الى الجبل كان مبادرة من قبل بعض الرفاق اذا كانوا في القيادة أو القاعدة ومنهم من كان ضد الجبهة أساسا عام 1973 مع النظام , ولهذا كان حمل السلاح ضد هذا النظام البغيض هو عين الانتصار لرفضهم السابق الذي طرحوه في التنظيم الحزبي وخاصة من هم يعيشون في تلك المناطق .

يقول فاتح رسول في كتابه صفحات من تأريخ الشعب الكوردي (لا يخفى على جميع منظمات الحزب وأصدقائها ومؤيديها بأن التراجع والهروب والتوجه الى المناطق الجبلية واللجوء الى الكفاح المسلح العصيب وحرب العصابات , لم يبدأ على أساس التحليل العميق  بل بسبب الهجوم الوحشي للنظام البعثي في بغداد واعتداءاتهم على الحزب فرضت هذا النهج الجديد , لم يبق خيار أمام الحزب ,اما هذه الانتفاضة والمواجهة وأما الخضوع والخنوع , لو لم يختر طريق المقاومة لكان هذا مذلة وموتاً وأعتبر أكبر خطأ , ويبقى في الذاكرة الى أمد طويل جدا[11]ً ) .

والامر الاخر أن الحزب لم يهيئ هذه المستلزمات أكثر من المباحثات مع هذين الحزبين بالتواجد في تلك المناطق في سوران أو بهدينان . ولكن لابد للحزب أن يأخذ موقف عملي أجرائي وسريع .فقد قرر أرسال مجاميع من أعضاء الحزب المتدربين الى كردستان .

 

( توجهت المجموعات الانصارية الاولى الى الجبل وهي تفتقر المال والسلاح وتعاني الارتباك والبلبلة وعدم الثقة في القيادة الا أن المستلزمات المادية سرعان ما أمكن تأمينها بفضل المساعدة الاممية ودعم المقاومة الفلسطينية والاوساط العربية والتقدمية والروح الجهادية ونكران الذات للرفاق الاوائل[12] ) .

وهكذا بدا الحزب مرحلة جديدة من نضاله الطويل والشاق في كردستان العراق حيث بدا في تجميع أعضائه من داخل العراق وخارجه , حيث اقام دورات عسكرية وذلك بالتنسيق مع المقاومة الفلسطينية بفصائلها المختلفة ومنها حركة فتح بقيادة ياسر عرفات والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة جورج حبش والجبهة الديمقراطية بقيادة نايف حواتمه .

حيث أبدت هذه الفصائل مساعدتها لحركة الحزب الشيوعي الانصارية ماديا ومعنويا وتسليحيا وهذا مايؤكده صالح دكله في كتابه من الذاكرة ( سيرة حياة ) , ويضيف ...

( واصلنا نحن في حزب العمل في اصدار الصحيفة والبيانات وفي مساعدة الحزب عن طريق بهاء الدين نوري وارا خاجادور بتزويده بالمساعدات الضرورية من اسلحة واجهزة كنت أحصل عليها بحكم علاقتي بالجبهة الشعبية وبما في ذلك المال . وعندما أفتتحت أول قاعدة عسكرية للشيوعيين على الحدود العراقية التركية , كنت من أول  من اوصل اليهم وجبة من السلاح . وقد رافقني في هذه الرحلة التي جمعنا فيها بعض قطع السلاح والمسدسات والقنابل اليدوية وحملناها مخبأة في سيارة المرسيدس التي اشتريناها لهذا الغرض مع الرفيق ابراهيم الحريري وقطعنا بالسيارة التي انطلقنا بها من بيروت الاراضي السورية والاراضي التركية حتى دخلنا بعض الاراضي العراقية الحدودية حيث افرغنا الشحنة وعدنا الى بيروت [13] ) .

 



[1]  تقيم تجربة الحزب المقدم للمؤتمر الرابع تشرين الثاني 1985 ص39

[2]  الاختيار المتجدد ص 128

[3] عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي ص149

[4]  صفحات من تاريخ الشعب الكردي فاتح رسول ج1 ص53

[5]  تقيم سياسة الحزب 1968 – 1979ص 59

[6]  نفس المصدر السابق ص 55

[7]  تقيم الحركة الانصارية 1979 – 1988 ص 5

[8]  نفس المصدر السابق ص 6

[9]  تقيم تجربة الحزب 1968 –1979 ص72

[10]  تقيم تجربة الحركة الانصارية 1979-1988 ص7

[11]  صفحات من تأريخ الشعب الكردي , فاتح رسول ص137 .

[12]  من تقيم الحركة الانصارية ص9 .

[13]  من الذاكرة صالح دكله ص174