في استذكار صديقي ورفيقي الشهيد نجيب هرمز/   محمد علي محمد ( أبو أحرار )

لم أكن اتمنى ان اكتب رثاءا او استذكارا ليوم استشهاد صديقي ورفيقي نجيب هرمز في 27/9/1984, أي قبل 32 عاماً. هو واحد من اعز اصدقائي ورفاقي الذي كانت أيام صداقته ومعاشرته اجمل فترة من العمر يعيشها الشاب العراقي، وأعني المرحلة الجامعية.

 كنا سوية في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة عام 1976. وبدأت صداقتي معه كأننا نعرف بعضنا منذ سنوات عديدة. في المساء كنا نلتقي في مقاهي العشار وفي مقهى (غالي), هذا المواطن البسيط الطيب من أهالي المدينة في البصرة, وكانت طريق الشعب الجريدة الوحيدة التي تدخل ذلك المقهى. كان نجيب كعادته سريع القراءة للجريدة ليكرس الوقت المتبقي إلى لعب الدومينو المغرم بها إلى جانب العديد من الأصدقاء, وأذكر منهم الشهيد طالب عبد الرضا والشهيد وافي كريم والصديق محمد شغيت وأنا والكثير من الأصدقاء.

مرة صاح بي نجيب بصوت عالي " لك هاي شتقره أنت ... لك ما عندك شغل وعمل تقره شعر" .

لم أكن أعلم شدة ذكاء نجيب حيث كان يحسب ويحل أعقد القضايا الرياضية بلحظات وثوان, ولم يناقشه أحد في النتائج. " هذا برأسه كمبيوتر انت ما تعرفه زين" كان محمد يقول لي.

كنت أعجب كيف يأتي نجيب إلى الكلية غير مباليا بالزي الموحد، وكان دائما بلا دفتر ملاحظات.

 ونادرا ما تجد لديه قلم للكتابة، لكنه دائما هو الأول في الامتحانات فهو ذو ذكاء خارق.

في مرة كان هناك معرضا فنيا اقامته واحدة من منظمات الحزب الشيوعي العراقي ربيع 1977, حيث ذهبت بصحبة واحد من الرفاق لجهلي مكان العنوان. وكان معرضا متواضعا وجميلا فيه الكثير من اللوحات الفنية والبوسترات السياسية. وما لفت انتباهي هناك صورة للعذراء مريم معلقة على واحد من الجدران لا علاقة لها بالمعرض . " العائلة مسيحية ".

 وعند خروجنا من الدار الكائنة في منطقة المعقل تعجب صاحبي من قلة ذكائي فكيف لم اعرف ان هذا البيت هم عائلة نجيب هرمز. سألت صديقي وهل نجيب مسيحي، انه لا يقسم ابدا إلا بالحسين والعباس والرضا والكاظم ابو الجوادين.

نعم هؤلاء هم رفاقنا الشيوعيين ، فلا مشكلة لديهم مع القومية أو الدين أو الطائفة.

عندما بدأت حملة الإرهاب ضد الشيوعيين في البصرة في نهايات عام قررنا ترك الدراسة والخلاص من الاعتقالات كل واحد حسب قدرته . انقطعت اخبار نجيب عني ، لكني فوجئت بزيارته لي في مدينة الثورة.

كان ذلك عام 1979 وهو آخر لقاء بيننا.  يومها أخبرني أن وجهته ستكون الشمال في أرياف نينوى حيث لديه هناك أهل وأقرباء.

في نهايات عام 1982 عرفت بوجوده في صفوف رفاقنا في بهدينان وكان رفيقي ابو الفوز هو من أبلغني بذلك. كتبت إلى نجيب رسالة عبر البريد الحزبي الذي يأخذ ربما أسابيع للوصول. أخبرته بفرحي سماع اخباره وأملي بأن نلتقي، وبادلني الشعور ذاته وكان يعرف عني كل شيء منذ أن افترقنا.

ظل هذا الحلم وللأسف لم يتحقق... فقد سقط ناهل البطل شهيدا مع كوكبة من رفاقه وهم ماضون في أداء مهامهم الأنصارية.

سأبقى اتذكرك صديقي ورفيقي الغالي نجيب ما دمت حيا ولن انساك ابدا. ها هي صورتي معك التي حصلت عليها بعد أكثر من30 عاما من الغربة.

المجد لك والمجد للشهداء جميعا.

 الصورة في كلية الإدارة والاقتصاد جامعة البصرة عام 1978