الشهيد د. سعيد (هاني دنحا ) اربيل / محمد علي أرحيمه    

 دكتور سعيد.

يا رفيقي العزيز طيب الله ثراك. أيها الانسان الدافئ والهادئ والصبور، لا أتذكر متى بالتحديد التقيتك، لكن كنا نلتقي في عدد من القواعد والمقرات، ثم المفارز. استقبلت العشرات من الأنصار في عيادتك(الطبابة) وضمدت جراحهم، وعالجت المئات من الناس في القرى القصية، مدفوعا بثقافتك الشيوعية التي علمتك خدمة الناس. كانت الحقيبة الطبية رفيقتك الدائمة.

الله كم هو صعب غيابكم. لكن انظر، انت لم تترك وراءك غير الطيب والذكريات العطرة. وكم كنت جريئا وأحيانا تتحول الى جراح ماهر، ودكتور على حق رغم أنك كنت معاونا طبيا، لكن خبراتك المهنية كانت بلا حدود.  كنت استمتع بالحديث معك وانت تقص على حكايات نجاحاتك المهنية كمعاون طبي وخدمتك للناس وللفقراء دون أية منافع مادية.

أتتذكر ماذا عملتم من معجزة جراحية انت ورفيقنا الطبيب اللامع والذكي دكتور صادق. انا أتذكر.

ففي معارك بنباوي، 6/ أيلول- 14ايلول/1987 حيث الانسحاب، جرح النصير الشاب سمكو من سريتي ( برانتي) بشظايا المدفعية. أخبرني دكتور صادق وانت ايضا بضرورة اجراء عملية جراحية سريعا لقطع النزف الداخلي والا فسوف يكون في اعداد الشهداء. أبديت انا موافقتي وعاضدتكم. ثم بدأت انت تحضر للعملية. وكنتم للتو قد انتهيتم من تضميد جراحات البطلين أبو رشا وكريم.

في أعالي الجبل وبين أحجار بنباوي كان سمكو ممددا يهذي من الوجع غارقا بدمه.  كنت انت تبحث عن المهم. عن كيس او اثنين من الدم لأجراء العملية. قلت لك خذ مني ففصيلة دمي تتوافق مع الجميع، وللأمانة لا اعرف انا حتى الان ما هي فصيلة دمي. كان رفيقنا د. صادق قد أعترض على ذلك واقترح البحث عن رفاق اخرين، لان ذلك يؤثر على حركتي ودوري في قيادة مجموعة من المواقع العائدة لسريتي، كذلك نحن تعبى ومرهقين من القتال المستمر منذ سبعة أيام ولا نتغذى الا بالنز اليسير الذي يأتينا من الأصدقاء في اوك. قلت لكم انا المسؤول عن ذلك وهذا قراري وعليكم احترامه. واقنعتكم باني قوي البنية ومعافى وقد جربت التبرع بالدم مرات. كنت انت قد علقت الانابيب بيدي. كان قصف المدفعية والراجمات وصواريخ السمتيات تتساقط من حولنا في كل جانب. وبتلك اللحظات كنت انا أفكر بوالدة سمكو" ابن قرية شيخ شيروان، وكلماتها التي توصيني بسلامة ابنها وهي تبكي" سمكو امانة لديكم"".

كنت انت تقول لدكتور صادق لا تقلق فالجو هنا غير ملوث رغم القصف العنيف. لأننا في أعالي الجبل. كنت تسحب من دمي وتضخه في جسد سمكو. اما العبقري دكتور صادق فبدى يعمل بتقنية عالية، وهو يعبث بأنامله الذكية باللحم الحي واعشاء الجسم ويجبر ويخيط في سرعة تفوق الوصف. وكأنه يجري الجراحة في أرقي المشافي الاوربية. كنت انت تضرب على خد سمكو وتطمئنه بانه لا يموت وهو البطل، اما د. صادق فيعلن ان النزف تم إيقافه ودرجة حرارة المريض مطمئنة. ناولتني قطعة من الخبز" خذ أكل، ستشعر بشيء من التعب طوال اليوم فقد سحبنا منك أكثر من كيسين".

كانت جراحتكم بتلك الطريقة قمة البطولة والجرأة والشجاعة. كانت يجب ان تخلد. اما انا فسوف لا انسى هذا الدين لكم أيها الابطال.

. كيف لي ان انساك ام للنصير الشاب سمكو ان ينساك، ام للأخرين الذين انقذتم حياتهم

من المؤكد كم مرة اردوا اختبار صبرك وتحملك، كم مرة قاموا باستفزازك، لكنك هادئ لا تستفز، بل تبتسم، وتقول رأيك دون تردد وبوضوح شديد. جلسنا في عدد من الاجتماعات لتقيم العمل حيث اثنيت على الطريقة التي تعمل بها سرية برانتي. وكنت تطالب الاخرين ان يحذو حذونا. نعم  اغضت البعض يومها.

كنت مستشارا سياسيا رائعا للمفرزة الجوالة في مناطق خوشناوتي وباني خيلان أولا، ثم في السهول الدافئة في أربيل لاحقا، وكنت لامعا نفذت مهامك بكفاءة عالية، وليس هناك من أروع منك. طوال معرفتي بك لم اسمعك تتحدث عن عائلتك او أطفالك الذين تركتهم في المدينة، عن الأشياء التي تحبها وحرمت منها، عن حياتك الشخصية او أحلامك. بل الذي كان يشغلك دائما هو قضية الحزب والناس والخلاص من الديكتاتورية. كنت امميا بحق ونادرا من يعرف أحد من الأنصار من أية منطقة انت.

كان خبر استشهادك مع مجموعة الرفاق يوم السادس عشر  من أكتوبر 1987 في منطقة شمامك في سهول اربيل كارثيا علينا ومؤلم ومؤثرا. فقدنا بذهابكم سبعة من الابطال.

سنتذكركم دائما ونوقد شموعكم. المجد والخلود لكم