الشهيد كانبي ورفاقه الابطال / محمد علي ارحيمة                              

أسر كانبي شوان ورفيقه اشتي
واستشهاد كوكبة من أبطال السهول الدافئة
المكان، سهول أربيل الدافئة.
الزمن، حزيران 1988.
رفيقي كانبي شوان، اسمح لي الان ان اضع جزءا من حزني جانبا واتذكرك بعد هذا الغياب الطويل. غيابكم أيها الأحبة الذي ترك بالقلب اللوعة والوجع والكثير من الندوب.  ولا ينفع التحدي هنا، والادعاء بالقوة والهروب من ثقل الذكرى للأمام دون دموع وحسرات.
بعيدا عن الوعي، ودون أي اقحام للإرادة والرغبة، كانت صورتك قد استفزت ذاكرتي، صورتك التي تداولها الكثير من رفاقك في الأيام الأخيرة قد اعادتني ثلاثين عاما للوراء يوم كنت انت اول آمر فصيل لي اعمل تحت آمرته. يومها أبلغت من قبل الفقيد مام عجيل بانه آمر سريتي وانت آمر فصيلي. كان ذلك في أذار 1981 يوم تم تشكيل الفوج الخامس أربيل، وتمت إعادة تشكيل سرية بالك في ورتة. واتذكر اول سؤال تلقيته منك اي سلاح اجيد استخدامه. وسررت يوم أخبرتك باني اجيد استخدام مختلف الأسلحة فلدي تدريبا جيدا. (ستكون عدد ر، ب، ج،7 في الفصيل) هكذا حددت سلاحي وحسمت الموضوع معي.
ثم بدأنا مسيرتنا سوية وصداقتنا. ورغم اعتراضك على اسمي فهو صعب بعض الشيء لك لكن سرعان ما تعودت عليه. الله كم فرحت يوم تعرفت عليك بشكل أعمق ووجدت عندك تلك البساطة والطيبة الفلاحية والشموخ. وجدتك امميا نظيفا بلا مداهنة او مجاملة. كان ذلك مؤثر لي يوم رددت واحد من السياسيين وقراءته الخاطئة لواقع النضال المسلح الذي نخوضه الان وصعوبته، يوم عد ان وجود البيشمركة العرب هو واحد من تلك الصعوبات. أتذكر قلت له (العكس هو الصحيح)، فاشتراك العرب في الكفاح اعطى للنضال معنى أعمق، فكل العراقيين ضد الديكتاتورية وليس الاكراد فقط.
كانت المفرزة الأولى لفصيلنا في نيسان 1981، فصيل خوشناوتي، هي من خلق الكثير من الانسجام والمودة بين أعضاء الفصيل. درنا و تجولنا في منطقة بالك وحرير وخوشناوتي. نفذنا عملية تدمير ربيئة كوري التي خطط لها رفيقنا ازاد سرسور. أتذكر حماستكم الكبيرة للقيام بتلك العملية، انت وازاد سرسور، وخاصة وان مفرزة مام طه قد حفزتكم يوم ضربت ربيئة (بنانوك) المطلة على شقلاوة ليلة 5/6 اذار 1981 بقذائف (ر.ب،ج 7 )، ودور الرفيق أبو سلمى بذلك .
اسبوعان من التجوال مليئة بالحكايات في منطقة بالك وحرير وخوشناوتي. لقاء بالناس، اهل القرى، والقرى الغريبة الاطوار وبيوت الشعر، و(رزكة) والعمة فاطمة التي لا يفلت من لسانها أي واحد. لا اتذكر باي بستان جلسنا يوم حكيت لنا عن تجربتك في روسيا وسحرها وجمال موسكو وفتياتها الحسان وثلجها الخرافي، يوم قضيت هناك عامان من العمر، كان لونهما ورديا. يومها اكتشفنا أي طيبة وعذوبة يكتنز قلب هذا الشاب الفلاح ابن قرية (كره شيخان) في سهول أربيل.
وفي الفصيل وفي المفرزة كنت صديقا للجميع (رفيق هذي مسائل بسيطة بس هي مهمة) كنت تعلمني على عادات الفلاحين وكيفية التفاعل معهم وطرق احترامنا لعاداتهم وتقاليدهم.
كنا سوية في عملية داخل شقلاوة، وسوية يوم تسلقنا اعلى قمم كاروخ لنقهر أعدائنا الذين هاجموا مقراتنا الصيفية هناك عام 1981 على سفح كاروخ. وكنا سوية يوم فشلنا في اقناع تحسين بان الحزب ضد الثأر العشائري، وطريقته التي أراد فرضها علينا. نعم كانت الحكايات ملونة مثل احلامنا آنذاك.
لكن لم أكن أتوقع منك تلك البرودة وعدم المبالاة، بل السخرية، يوم جاء واحد من أنصارنا الملتحقين الشبان يجر بغلة وجدها تائهة على سفح جبل كاروخ وكان ينوي الزواج منها. قلت لك كيف تسمح له يا رفيق بهذا السلوك. وكنت تضحك من ردود افعالي. قلت لي هذا مجرد مزاح يا رفيق، وحتى لو كان هذا واقعيا فلا علاقة له بنضالاتنا. هذه تصرفات شخصية. جعلتني الحادثة ان اعد منهاجا أخلاقيا على الجميع الالتزام به، لكن سرعان ما اكتشفت كم انا ساذج، وكم انا اسير نصوص وأفكار أكثر من رمادية.
وهكذا رفيقي الطيب كانبي تباعدنا بحكم العمل. كنا جنود مطيعين لا نرفض مهمة او قرار يوجه عملنا. ذهبت انت لتعمل في سرية ملكان، وذهبت انا الى دشت أربيل والقرة جوق. ثم التقيتك صيف 1988 عندما جئت الى دشت أربيل وهذه المرة كنت تعمل لصالح محلية أربيل في مهمة وسط الفلاحين، وللأسف كانت هذه آخر المرات. قرر القتلة الإيقاع بك.
كيف تم الإيقاع برفاقنا في السهول الدافئة صيف 1988
صورة عن الوضع العسكري آنذاك.
بوادر توقف في الحرب العراقية الإيرانية. تعاظم في قوة الجيش العراقي وتراجع في الجانب الإيراني. انهيارات في صفوف ييشمركة الأحزاب القومية، وعودة معاكسة للتجحيش. تقدمات للجيش في عموم كردستان وبوادر لهجومات. انسحاب أغلب فصائلنا من مناطقها الى المناطق الجبلية في سماقولي وخوشناوتي، واحتفاظنا بنصيرين او ثلاثة من سرية في المنطقة.
من سرية برانتي بقاء النصيرين كرمانج وزيور فقط.
من سرية القرة جوغ بقاء دكتورعادل ديبكة ورزكار .
من أربيل بقاء هيرش و سالار وكمال.
كيف غدر بكم الأعداء؟
نعم رفيقي كانبي غدروا بك وضيعوك للأبد.
في أوائل حزيران 1988 ذهبت مجموعة تقدر قرابة 28 مسلحا بصحبة ثلاثة من قادة المفارز من بيشمركة اوك وسلموا الى السلطة. وهؤلاء كانوا من قواتهم في سهول أربيل. وهم (صلاح شينة) وكان آمرا لفرقة، و(نورة) وهو معاون آمر فرقة، و(محمد حسين) وهو كادر منطقة مخمور للتنظيمات المحلية. وكانت المخابرات العراقية قد اشترطت عليهم القيام بنشاطات ضد البيشمركة، كجواز مرور لقبولهم في المفارز الخاصة التي تتحرك تحت قيادة الحاكم المطلق للمنطقة كردستان المجرم (علي حسن المجيد). وللأسف قد اختار هؤلاء المجرمين أنصارنا الباقين في المنطقة هدفا لهم.
في الرابع من حزيران 1988 نصب صلاح شينة كمينا قاتلا بالقرب من قرية ((برنكة)) وذهب ضحيته الرفاق الشهداء (دكتور عادل ديبكة، ورزكار وكمال) وهؤلاء جميعا من سرية القرة جوق.
وفي اليوم التالي تحركت مفرزة من بسط الشرغة الى منطقة ملكية في دشت أربيل لجلب جثامين الشهداء، وهذه المفرزة مكونة مما تبقى من سرايا برانتي واربيل. ووقعت هذه المجموعة في كمين المجرم صلاح شينة، استشهد البطل كرمانج الذي كان يقود السيارة، وجرح النصيرين (سالار وهيرش).
اما كانبي شوان ورفيقه اشتي، فقد وقعوا في حبائل هذا المجرم صلاح قبل الجميع. فقد استدرج كانبي شوان واشتي الى واحدة من القرى، حيث تعهد المجرم بتقديم المساعدة الى كانبي، والتي كانت عبارة عن عجلات لسيارته السوبر والتي كان يتجول بها في القرى بعيد ودون تنسيق مع مفارزنا. حيث كان كانبي يعمل لصالح التنظيمات الفلاحية في المنطقة، بالارتباط مع محلية أربيل. تم اسر رفاقنا والغدر بهم، ولا معلومة موثقة تؤكد انهم قتلوا على يد هذه المجموعة، او تم تسليمهم للسلطة أحياء وانا أرجح الثانية، لان فيها الكثير من شراء رضا السلطة.
هكذا وضعت نهاية لستة من الانصار الشيوعيين الابطال الذين شهدت جبال ووديان وسهول كردستان بسالتهم وشجاعتهم وتضحياتهم.
وصحيح ان الأنصار عموما كانوا مشروعا للشهادة، كما لم تكن هناك ضمانات بالعمل العسكري والكفاح المسلح الذي اخترناه، ولكن كان من الممكن تجنب تلك الخسائر الرهيبة. كان من المفترض ان يتحلى الرفاق بالمزيد من اليقظة والحذر.
لا اعرف أي من القادة في العالم قد قال (يجب عدم التسامح حتى مع اخطاء الشهداء).
والان يا رفيقي وآمر فصيلي الأول، يا كانبي يا طيب، لم يتركوا لك شاهدة قبر يستدل بها عليك. لكن لا بأس، فنحن الاحياء من الانصار سوف نتذكركم دائما وابدا ولا ننسى تضحياتكم.
المجد لكم جميعا.