معركة حسن بك، قتال المعنويات، القسم الاول / محمد علي ارحيمة

المكان قرية حسن بك، سهول أربيل

الزمن 16 كانون اول 1985

حسن بك من القرى الصغيرة والتي لا يتجاوز عدد منازلها العشرين، والواقعة في منطقة كندناوة الغربية والتي لا تبعد خمسة كيلومترات عن الجادة الرئيسة التي تربط أربيل المدينة مع ناحية ديبكة ومن ثم قضاء مخمور. وهي بنفس الوقت تقع شمال شرق جبل القره جوغ التي يتوسط جنوب سهول أربيل. 

وفي العادة تصنف جميع القرى التي تقع بالقرب من الطرق المعبدة بالقرى الغير آمنة للبقاء والمبيت فيها من قبل مفارز البيشمركة، الا إذا كانت تلك من الضرورات القصوى.

كانت مفرزتنا تتكون من اثني عشر نصيرا.  (أبو أحلام، حمه كانكر، سيامند، حاجي فارس، جيفارا، إبراهيم، دكتور عادل، ئاسو، برهان، امير، أبو احرار، ثم الملتحقان سعدون وعزت) 

بدأت حركتنا من بارزان في أواسط تشرين الثاني 1985. كان الهدف هو التواجد في مناطقنا في سهول أربيل، واللقاء بالناس، وممارسة نضالاتنا المعتادة ضد السلطة. وبما يخص العلاقة مع (اوك) كانت سياسة المتاركة وإيقاف الصدامات بيننا، ومحاولة مد الجسور معهم إذا شاؤها. وعموما كان الحزب يطمح الى طي تلك النزاعات التي كلفتنا الكثير طيلة الخمسة أعوام وكانت الأصعب في نضالاتنا المسلحة في كردستان. 

أجبرت على مصاحبة المفرزة. بدأت مشاكلي مع آمر المفرزة أ. أ .منذ ان ودعنا بارزان. وقد اعترضت على توليه المسؤولية لعدم ايماني بذلك.وحاولت مع بيشمركة آخرين إيضاح الآمر انه من الصعوبة بمكان لأي رفيق قيادة مفرزة في منطقة لا يعرف جغرافيتها. لكنه فرض علينا فرضا من قبل قيادة القاطع ايمانا منهم بقدراته الخارقة وفق ما أوضح الرفيق أبو ربيع ذلك. كانت المشاكل تحدث بسبب الأخطاء التي ترتكب في حركة المفرزة ونقاط العبور للمناطق الحرجة واوقات ذلك وغيرها. ومن تلك الأخطاء وقوعنا في كمين للجحوش أطراف قرية شينة. ولكن تمكنا من كسر ذلك بحكم خبرتي ومعرفتي بالمنطقة.

ولكن مساء 15كانون اول 1985 اصطدمنا مع قوة من اوك مؤلفة من كارت (جلو وره نجدر) في قرية (برزوار) والتي تقع على أطراف مرتفعات (زركزراو) في الطريق الرابط بين قرية عوينة وقرية شوره زردة. امتد الصدام لأكثر من أربعة ساعات عجزوا فيها عن التقدم واقتحام القرية. وبحلول الليل انسحبنا من القرية متجهين في العمق من قرى كندناوة. كان هناك جدلا بيننا حول وجهة المفرزة. وهنا قرر آمر المفرزة الاخذ برأي الرفيق سيامند والتوجه لقرية (حسن بك) البعيدة مشيا على الاقدام. و(حسن بك) هي الموطن الام لعائلة الرفيق سيامند، والتي تركوها ونزحوا لمدينة أربيل منذ سنوات خلت. في حين اعترضت انا مع دكتور عادل على ذلك وفضلت الانسحاب لجبل القرة جوغ الذي يؤمن لنا قدرة كبيرة على المقاومة. وببساطة توقعنا خروج قوة تمشط المنطقة بعد المعركة والصدام مع اوك، خاصة وان القرى هناك تزدهر بالجواسيس العاملين لمصلحة النظام. ولكن لا فائدة فآمر المفرزة بيده القرار.

كان الليل في منتصفه عندما دخلنا القرية وتوزعنا على ثلاثة من منازلها. واتفق ان يكون وجودنا اختفاء وعدم الظهور حتى المساء.

كان بصحبتي الرفيق دكتور عادل والشاب الملتحق سعدون. اما جيفارا وأبو أحلام وإبراهيم وئاسو فقد كانوا سوية مع سيامند في منزل بيت عمه. في حين كانت مجموعة حمة تتكون من برهان وامير وملتحق جديد اسمه عزت في أحد المنازل. اما حاجي فارس فقد كان لوحده في أحد بيوت الفلاحين. 

في الصباح كانت العائلة المضيفة لنا قد أعدت الفطور الذي قد فرغنا منه. وكانت تهيئ لنا الغداء حيث كنا نحلم بوجبة دسمة من الديك الرومي. 

في تمام التاسعة والأربعين دقيقة اقتحم غرفتنا كل من أبو أحلام وإبراهيم وجيفارا وأخبروني ان القرية قد تم تطويقها من قبل الجيش والجحوش وهناك قوة كبيرة قادمة. قلت لهم نقاتل حتى الشهادة.

بعد دقيقتين من رصدت مجموعة من أربعة جحوش قد اقتحمت الدار، كانوا قد رصدوا حركة رفاقنا الثلاثة عندما دخلوا البيت الكبير. طلبت من الرفاق الاصطفاف خلفي على الحائط وعدم الرمي الان وكنت الأول لفتحة الباب عندما أبصرت أن الجحش المتقدم علينا لا يبدو شكله غريب لي، وسرعان ما تذكرته. فقد اسرناه مرة في عام 1984(مفرزتي مع النصير السابق والخائن صادق، كريم قادر) وأطلقنا سراحه بكفالة ومبلغ ألف دينار. وكان اسمه سيد خ. كان يحمل رشاش خفيفا ر.ب. ك. 

صاح سيد خضر بالكردي (اوانه) أي (هؤلاء هنا)، ولم يكد يكمل جملته عندما عالجته برشة كبيرة من بندقيتي جاءت جميعها في جنبه الأيمن ويده التي تمزقت، مما لم تعنه في حمل البندقية فقد خر سلاحه ارضا مما عبرت واحدة من اطلاقاته العمياء من تحت الباب لتخترق رجلي اليسرى في المفصل بين القدم والساق. وهنا قفز البطل الخرافي جيفارا من وراء ظهري ومسكه من راسه وعالجه بمجموعة نطحات براسه وسحبه الى داخل الغرفة. كان يحمل الى جانب البندقية مسدسا. اما جماعته فهربوا خارج الدار عند بدأ الاشتباك.

كما أصيب أيضا الملتحق الشاب سعدون في يده اليسرى، بمجموعة اطلاقات دخلت علينا من بهو الدار.

والبطل جيفارا لا يحمل بندقية، بل كان سلاحه قاذفة ر.ب.ج.7.  بدأ الرفاق بالرماية خاصة البطل إبراهيم ودكتورعادل، اما جيفارا فبدأ بحفر كوة في الجدار لغرض القتال وهو لا يحمل بندقية، بل كان سلاحه قاذفة ر.ب.ج.7. استل بندقية أحدنا ومن تلك الكوة التي حفرها أرسل جحشا الى الجحيم كان ينوي تفجيرنا بالقاذفة ب.7. وبمقتل هذا الجحش اضطر الآخرون من زملائه الى التواري خلف الجدران.

وهنا صار الموقف أكثر تعقيدا. كان الأسير يتوسل بأطلاق صراحه وهم سوف ينسحبوا، وكان ممدا ارضا ويبكي ويستغيث، حتى سألته إذا كان يتذكرني. كان يصر على انهم استلموا بلاغا كاذبا باننا قوة من اوك وليس شيوعيين. والمعلوم ان جماعة سيد قهار أعداء الى اوك.

طلبت من الرفاق عدم الوقوف في الغرفة بل الانحناء والانبطاح قدر الإمكان حتى تحين الفرصة لخلق غارة نقوم من خلالها بالانتشار، فبقاءنا في مكان واحد مكشوف للعدو هو انتحار صريح. 

حتى هذه اللحظات كنا نسمع صوت الرصاص وبعض من القاذفات في جوانب القرية المختلفة، ولكن من الصعب معرفة ماذا يحدث. 

في هذه اللحظات فقدت الوعي بفعل النزف الذي أصابني. استعدت الوعي بعد دقائق يصعب تقديرها ووجدت جنبي الرفيقين ئاسو عدد الرشاش ب.ك.س. والبطل دكتورعادل الذي كان قد قسم جهده بين اسعافنا نحن الاثنين انا وسعدون وبين امتشاق بندقيته والقتال مع ئاسو لئلا يقتحموا الدار ثانية. وحينها صحت اين الأسير الجحش وأين الرفاق، اين ذهبوا. كان جواب عادل ثقيلا على ومؤلما، فقد تم إطلاق صراحه بقرار من آمر المفرزة، وبكامل عدته وعتاده بما فيه المسدس والرشاش. 

وكان هذا جرحا اشد ايلاما على من الجرح الأول.