قضية ممو (4) / فرهاد رسول وترجمة ماهر هندي                 

بعد فترة قصيرة من اطلاق سراح الاستاذ ناصح من السجن، انتشرت اشاعة بان الاستاذ خرج من المدينة والتحق بمفارز الحزب الاولية ، هذا الخبر سمعته من ابي وهو كان قد سمعه من شخص موثوق ويبدو ان الخبر كان صحيحا، (رجل المئة مهمة) سيصبح رفيق النسور والصقور وسيختار الجبل مكانا لينفذ الواجبات التي على عاتقه، في نفس الوقت، لن يهمل العمل التنظيمي، اغلب وقته في داخل المدينة يسخره للتنظيم الحزبي، انه كما نقول انه بطبيعته رجل الاعمال الصعبة والمليئة بالمخاطر.

انقضت فترة وتنظيمات الحزب دبت فيها الحياة، والبيانات والمنشورات في اماكن وبيوت  كثيرة ، حتى في اماكن التجمعات لجميع الفئات والشرائح، وتسلم يدا بيد واسم الاستاذ الذي صار يعرف ب( الاستاذ كوجر)  كان توأما يرتبط بكل نشاطات التنظيم وبوضوح كانت بصمات الاستاذ كوجر في كل حركات ونشاطات ذلك الوقت في المدينة ، في ذلك الوقت كم من مرة كوادر الحزب الذين يساعدون الاستاذ كانوا يأتون الى المدينة ويكونون ضيوفنا، لكني ابدا لم يصادف ان أُسعد برؤية الاستاذ وان اعرف ان الاستاذ ناصح النشيط والحيوي الذي كان في عرس احمد كريم، وبائع الرقي ومشكل الخلايا السرية والذي يرسل الرفاق الى الجبل لم يصادف ان احضى برؤيته، انه الان منهمك بالعمل التنظيمي والبيشمركايتي واصبح معروفا باسم الاستاذ كوجر ،الا زال  كما كان في السابق حيويا ونشيطا ام تغير ، حيث كانت لدي قناعة تامة (بان رجل المئة مهمة هو رجل الايام الصعبة) ان لم يكن اكثر نشاطا وحيوية من السابق فلن يكون اقل مما كان عليه، اليس منذ خروجه والتنظيم يتطور!!.المفارز بدأت تكبر وتشكلت منها سرايا وافواج، واصبحوا قوة كبيرة وفعالة ومؤثرة وبدأوا بنشاطات مختلفة في المدينة وخارج المدينة وبصماتهم اصبحت واضحة. 

في ربيع (1983) حدث الاقتتال الداخلي بين (جبهة جود واليكيتي)، بالرغم من ان القتال توقف لفترة قصيرة ، لكن ما اسرع ما اشتعل مرة ثانية ونتج عنه ان منطقة بست الشرغة بالكامل وقعت تحت سيطرة قوات الشيوعيين والاشتراكيين فيما عدا عدة  قرى على الزاب بقيت بيد اوك، وحدث شكل من اشكال الهدنة غير المتفق عليها،في هذه الاثناء وصلنا خبرا بان حشع بمناسبة ذكرى التأسيس سيقيم حفلا في قرية (جاله كرده له) وسيكون الحضور كبيرا، نحن ايضا قررنا ان نذهب، فذهبت منذ الصباح واستأجرت سيارة جيب من تلك التي تعمل على خط كوران كي نذهب نحن وبيت عبدالله مع عوائلنا لنشارك بهذا الحفل وكي تكون فرصة جيدة للقاء.

من الجدير بالذكر اننا انطلقنا فرحين للاشتراك بذكرى تأسيس الحزب في قرية جاله كرده له، انا كنت فرحا جدا بهذه السفرة مع انه كان فيها خطورة لكن رؤية الرفاق بشكل عام ورؤية الاستاذ كوجر والذي هو الان بيشمركه باللباس الخاكي وبكامل سلاحه كان مهما جدا عندي لان الاستاذ لم يكن انسانا عاديا عندي كان بطلا،الان بملابسه الخاكي وسلاحه و طاقم عتاده ايّ فارس سيكون!! لقد كان الاستاذ في خيالي رفيق الشيخ الخالد (شيخ محمود)، وبيشوا(قاضي محمد)، وسيد رضا وامثال هؤلاء الابطال !! على طول الطريق كنت اسأل نفسي هذه الاسئلة، هل سيكون لي الشرف لاحضى بلقاءه وان اخذه بالاحضان، ساقول له ايها الاستاذ بالرغم من كوني قد اتيت للاشتراك بهذه الحفلة لكنني لا اريد ان اعود بل اريد ان اصبح بيشمركه ارجو ان تقبلوني كي اكون تحت اشرافكم(من الجدير بالذكر هذه الفكرة لم اتحدث بها حتى مع ابي وامي فقط قررت ذلك مع نفسي)

قبل الظهر وصلنا الى المكان المحدد كان الحضور كبيرا خصوصا البيشمركة، جميعهم كانوا يرتدون الملابس الخاكي باسلحتهم وطواقمهم كما توقعتهم قبلا، رحبوا بنا، واجتمعوا معنا خصوصا معارفنا واقاربنا مثل (الرفيق بريار) والذي كان لنا اربعة سنين لم نر فيها بعضنا، و(الرفيق داؤد) الذي كان ذلك اليوم هذا الشاب الرشيق النشيط الحنطي المبتسم ، من الجدير بالذكر ان عائلته ايضا كانوا هناك، انا كنت اجيل النظر بالرفاق علني ارى الاستاذ بلباس الخاكي وبسلاحه وبطاقمه في هذا اللقاء لاسعد بلقاءه حيث كنت مشتاقا للقاءه ، كم جلت بنظري، لكن لم تقع عيني على (الاستاذ القائد)، نفذ صبري بدأت بالاستفسار، في البداية سالت (داؤد) يبدو انه لم يكن لديه علم، مر وقت قال الرفاق لقد حل موعد الطعام، لنذهب الى مكان قصي لنتناول الطعام، لان مكاننا هذا مزدحم اولا، وليس فيه ظلال ،من الافضل ان نذهب الى اشجار قرية خرخر، انا تململت في مكاني ، وماذا عن الاستاذ؟؟؟؟ في هذا الوقت وصل الرفيق ارام ، كنت اعرف انه لديه المعلومات الكاملة عن الاستاذ لانهما يقومان بالعمل التنظيمي معا في المدينة، رأسا سألته، (اين هو الاستاذ كوجر لماذ هو ليس هنا) اجابني بصوت هادئ وفي اذني (لن تراه لانه قد ذهب بمهمة خاصة) يا لهذ الحظ !!! منذ البارحة وانا افكر بلقاءه ، من حظي هو ليس هنا ولن اراه

بعد الغداء، ذهبنا حيث مكان الحفل، واختلطنا بالناس الحاضرين بشكل عام حتى المساء بقينا بهذا الشكل، وانا كنت مستمرا بالبحث بين الحضور عسى ان يظهر الاستاذ الان في جهة ما ويكون قد اتى والاخرين ليس لهم علم بقدومه، لكن بلا فائدة، كلما تاخر الوقت اكثر كلما خاب املي اكثر برؤيته. قبل ان نعود قلت للرفيق بريار انني لا اريد العودة الى المدينة واريد ان اصبح بيشمركة ، هو رفض بحجة اولا ان الاقتتال الداخلي قد بدأ ومحتمل ان يكون وضعنا سيئا وثانيا حتى الان انك تستطيع البقاء في المدينة وليس لديك اي مشكلة وتستطيع ان تعمل للحزب والذي لن يكون اقل اهمية  من البيشمركايتي، وامامي كلف الرفيق ارام ان يتصل بي في المدينة واذا احتاجوا يستطيعون الاستفادة مني، في نفس الوقت الرفيق ارام اعطاني مجموعة من المغلفات مغلقة جيدا وقال لي اعطها بيد (عيشوك-اخت ابو راستي) يبدو ان هذه الامرأة الشجاعة كانت تعمل معهم، اخذت تلك الاشياء منه باهمال ، تغير مزاجي تماما لان اقتراحي لطلب الالتحاق بالبيشمركة رفض، ولم اسعد برؤية الاستاذ ، بعدها عند المساء عدنا وسلمت البريد بامانة. هذا العمل كان فيه شئ من الفرح لي الا وهواني استطيع القول انني الان اعمل في التنظيم. 

من الجدير بالذكر ان قوات الحزب بعد فترة انسحبت الى باليسان، وحدثت معارك باليسان، وبعد ذلك هجوم اوك على بشت ئاشان، وبدأ انسحاب القوات الى وادي روست، كانت فترة سيئة بالنسبة لنا، لم يكن يصلنا اي خبر، يوميا كنا نسمع اخبار سيئة من راديو اوك عن (حشع) وعن انتشار قواته، اضطررت في احد الايام انا مع (ملا عمر دوستبه ابن خالتي) قررنا ان نذهب الى منطقة بالك في وادي روست لنعرف اخبارهم ، بداية ذهبنا الى ديانا، ومن هناك استقلينا سيارة (جيب لاندروفر) كانت لرجل كامل استطيع ان اقول انه شيخ مذواق وطروب في الطريق كان يغني لنا الحيران والمقامات الجميلة بصوت جميل جدا كل مقامات سيوه ورسول كردي كان يغنيها بطريقة احترافية.

عصرا وصلنا الى قرية شيركاوه، هناك صادفنا الرفيق بريار بعد ان جلسنا قليلا معه ذهبنا الى قرية جمباروك يبدو ان اغلب رفاق سهل اربيل كانوا هناك، ( الرفاق عباس، داؤد، برايم....الخ) وكل قوة الحزب في هذه المنطقة بشكل بحيث كان عدد البيشمركه اكثر من عددالمدنيين، كان يجري الاستعداد للذهاب الى جهة ايران ومن هناك للهجوم على بشت ئاشان.

عند المساء ذهبنا للعشاء في احد البيوت، قبل ان نأكل، دخل شخصان الى الغرفة، اوووه !!!! هذا هو (ماموستا كوجر) بالملابس الخاكي وبسلاحه وبطاقمه هذا المنظر الذي كم  كنت اتمنى ان اراه،الان فجأة وبدون اي مقدمات اواي استعدادات ينتصب امام ناظري، (ماموستا) بالضبط كما تصورته في خيالي، نشيط، حيوي، كما رأيته في حفل الزفاف، لا بل ان البدلة الخاكي وبندقيته وطاقمه كانت قد اضافت له رونقا، بابتسامة عريضة احتضنته وقبلنا بعضنا البعضن تعانقنا بحرارة وسألت عن صحته وحاله ، ثم جلسنا ووضع لنا العشاء ويبدو انه قد اعد الرز والدجاج بمناسبة وجودنا ولاحظت شيئا غريبا بعكس ما يجري عندنا ، انه يوضع لحم الدجاج تحت الرز، سألت عن ذلك ، قالوا انها عادة هذه المنطقة، بقينا  حتى الصباح هناك معا، وفي الصباح ودعونا ، تلفتّ عدة مرات الى الخلف، ونظرت اليهم، لانني كنت اخاف ان يكون ذلك اللقاء هو الاخير مع اخي والاقارب والاصدقاء وخصوصا (ماموستا كوجر)