رجل الايام الصعبة (الاستاذ كوجر) 5+6 / فرهاد رسول وترجمة ماهر هندي

بعد هذه الزيارة لوادي روست التي سعدت بها بلقاء الاستاذ، عدنا وجلبنا معنا بعض الرسائل من الرفاق وبعض الاشياء وسلمناها لعوائلهم، مرت عدة ايام اخرى مرة ثانية قمنا بزيارة اخرى انا وكاك يحيى على الدراجة النارية لرؤية الرفاق، بالرغم من ان ابي لم يحبذ ذلك، لكن رؤيتي للرفاق كشاب كان ممتعة جدا، وايضا اعطتني طاقة واندفاعا جيدا.

من اربيل الى وادي روست بالاضافة الى صعوبة الطريق وخطورته، استغرق الطريق مايقارب الاربع ساعات، لكن رغبتي في رؤية الرفاق تلك الصعوبة والمخاطر والتعب الذي تجلبه كانت هينة خصوصا واني في المرة السابقة سعدت برؤية اعز الناس مثل الرفاق (بريار وداؤد وماموستا) .

بعد الظهر خرجنا من بيت كاك يحيى في قرية (كٌرده ره ش) بدون توقف الى ان وصلنا الى قرية (كويزلنكه) والتي فيها سيطرة للرفاق، من هناك الى قرية (شيركاوه) في دكان وهو يشبه مكان للراحة والجلوس ولكنه لم يبدو في نظري كالمرة السابقة، كحرارة وحركة المرة السابقة، البيشمركة كانوا اقل عددا، بعض البيشمركة كانوا في هذا المكان، يبدو ان الرفاق الذين كانوا هناك والذين اتذكرهم الان، احدهم والذي جذب انتباهي شخص ذو قامة طويلة جميلة ، رشيق ذو شوارب سوداء ، على وجهه اثار جدري ، حنطي وصاحب وجه مبتسم، يتحدث بلهجة ناعمة ،  يرتدي لباد اسود (كه رك) كانت تبدو عليه جميلة جدا، لهجته وطريقة شده لغطاء الرأس (الجمداني) توحي بانه من اربيل، احببته بسرعه، وددت ان اسأله عن اسمه ، لكن لا ادري هل هو الخجل ام انه شئ اخر، لم اسأله، بعد ذلك عندما ذهبنا الى قرية سميلان، قال الرفاق ان الرجل طويل القامة والرشيق الذي تتحدث عنه هو (الرفيق  احمد الكادر).

هناك علمنا ان الرفيق قد ذهبوا الى جهة ايران، كم حزنت لذلك؟ لم اسمع كلام ابي، ولم احظ برؤية برؤية الاستاذ والرفاق!! ماذا افعل، كل هذا التعب يذهب سدى؟؟؟ كلا.. سأذهب انا ايضا الى جهة ايران، حيث الطريق يزيد عن 12 ساعة، وتنتصب امام قمة هلكورد ايضا.

في طريقنا الى قرية روست، جلسنا قرب نبع ماء للاستراحة حيث كان هناك اثنين من اليشمركة جالسين ايضا،  عرفت فيما بعد انه (د. سعيد)، وبعد قليل اتى بيشمركة اثنان اخران، لكنهما كانا بلا سلاح اعتقد انهم كانوا عائدين من جهة ايران يستعدون للذهاب الى خارج البلاد، جلسنا لفترة معا، جعلونا نعتقد بانه من الصعوبة بمكان رؤية الرفاق، ومن الافضل ان لا نذهب الى جهة ايران، لكنني اصريت على الذهاب، احد البيشمركة قال ان الكثير من الرفاق سافروا الى ايران للراحة، ذكرت له بعض الاسماء ومنهم اسم الاستاذ كوجر فقال هذا الرفيق، الاستاذ كوجر هنا، وليس في جهة ايران، كل رفاق المحلية موجودين هنا، فقط البيشمركة هم في جهة ايران، عندما سمعت ذلك فرحت كثيرا فمادمت سأرى الاستاذ فهذا يعني سأرى  كل الرفاق لان الاستاذ كان يعني لي كل الحزب، لذلك قررنا العودة، رفيق اخر طويل القامة اسمر كان يتحدث بطريقة جميلة جدا بحيث لا تود الا ان تسمعه، عندما عرف انني اخو بريار اعطاني رسالة لاوصلها له الى بيت في محلتنا عرضت عليه ان اوصلها فانا اعرفهم جيدا كانوا عدة بيوت من قرية دار بسر كلهم كنوا شيوعيون ولكن معرفتي الاكبر كانت في ذلك الوقت للرفيق بكرجوله، والرفيق صاحب الرسالة (كان الرفيق رنجبر ابن عم رفيق بكرجوله)، في ساعة متأخرة من الليل رجعنا الى قرية سميلان وبقينا هناك.

صباحا بعد الافطار ذهبنا الى المقر وبدأت بالسؤال عن الاستاذ، العجيب كان كل واحد يقول شيئا، اوشكت ان اندم على قرار عدم المواصلة الى ايران، عندها فجأة سمعت ان رفيقا قال (اها ايها الشاب هاهو الاستاذ) ، اها ها هو الاستاذ كوجر بعينه يتجه نحونا، كالمرة السابقة بملاسبه الخاكي وسلاحه وبندقيته بمشيته الهادئة ، لا استطيع ان اقول كم فرحت بهذا المنظر، لم استطع الانتظار لحين وصوله الينا، بعدة خطوات وصلت اليه وبدون اي كلام احتضنته، قبلنا بعضنا، وبعد السؤال عن الصحة والاحوال وصلنا الى كاك يحيى وجلسنا لفترة قصيرة تختلف عن المرة السابقة ، الاستاذ سأل كثيرا عن المدينة وعن السيطرات على الطريق كان يبدو انه يريد العودة الى المدينة!!!! جلسنا مايقارب النصف ساعة معا ، يبدو انه كان لديه شغل والا كنت قد حسبت اننا سنبقى هذه الليلة معه ، لنحكي عن كل مايدور في قلوبنا، اضطررنا ان نودعه رأيناه وكأننا رأينا الجميع وقفلنا عائدين.

ليلا اوصلت رسالة الرفيق رنجبر الى بيت (مام حاجي حمد)، في فناء البيت اردت ان اسلم الرسالة وفي الظلام لزوجة مام حاجي بالسر، لان كان لديهم ضيوفا، في نفس الوقت اقتربت منا امرأة شابة لم اكن اعرفها لذلك بدأت بتغيير الحديث لكنها قالت تحدث انها من جماعتنا، بعد ذلك عرفت انها (السيدة شيرين زوجة الرفيق رنجبر) ارادت ان تعرف اخباره باسرع مايمكن، يبدو انه في رسالته قد طلب منها ان تزوره ليودعهم لانه سيسافر الى الخارج.

المشهد السادس

بعد ذلك مرت فترة كنت ارى الاستاذ في المدينة ينصحني ويوجهني ، وحتى كان يكلفني بمهام الى مابعد معارك بشت ئاشان الثانية وعودة مفارز الرفاق حول اربيل وقدومهم الى داخل المدينة ، كل لقاءاتنا تلك انا والاستاذ، والتي اتصورها الان امام عيني ، جميعها كانت بملابس مدنية مختلفة ولم تكن باللباس الخاكي حتى في بعض المرات لم نكن نستطيع التعرف عليه، هذا الوضع استمر الى ان القي القبض على الرفاق، وبعد ذلك ايضا.

في ربيع عام 1985 خرجت من المدينة الى حد ما للحماية نفسي ابتعدت عن اربيل، في احد الايام اتى والدي عندي حيث كانت قد مرت فترة لم اره فيها ، كنت فرحا جدا بقدوم والدي لكنه لم يبد عليه اي فرح، استغربت كثيرا!!! بي بعد فترة لم يرني و لايبدو عليه الفرح!! يبدو ان هناك شيئا ما، فكرت كثير، لم اعرف ،  همست باذن صاحب البيت قلت اسأل والدي لمَ يبدو حزينا هكذا، لانني كنت اخجل كثيرا من والدي ، صاحب البيت سأل والدي،  اجاب والدي بصوت متهدج مليئ بالبكاء (لم ار والدي ابدا بهذا الحال حتى عند القبض على الرفيق بريار الذي هو ابنه البكر، لم يهتز بهذا الشكل) قال (البارحة ليلا، في محلة الجمهورية استشهد ماموستا كوجر)، ماذا؟؟؟؟ كيف ( استشهد الاستاذ)؟؟ لم اصدق ، قال ابي (نعم البارحة ليلا بعد ان خانوه، قوة كبيرة جدا طوقته، وبعد معركة شديدة وبعد ان انتهى عتاده، اطلق رصاصته الاخيرة على نفسه واستشهد). من جهة تمنيت لو لم يقم والدي بزيارته هذه لي، ولم يأت لي بهذا الخبر، (ما كنت اعرف انه هو ايضا من شدة الضيق الذي يحس به اتى لرؤيتي) بالرغم من انه في مثل ظروفي تلك ليس هناك احب من رؤية الوالد، من جهة تكوّن شعور لدي مع نفسي اواسيها (نعم رجل الايام الصعبة)  هكذا يحل به،لان الاستاذ كان نسرا لم يقبل ان يعيش ذليلا، عاش برجولة وسيموت برجولة ايضا.

الختام

قد  يكون عند اغلبنا مداهمة شخص واستشهاده الى حد ما شيئا طبيعيا، لان في فترة العمل السري وفي حياة البيشمركايتي كثير من المرات حدث مثل ذلك، لكن الهجوم على الاستاذ كوجر  واستشهاده ، كان يختلف كليا عن ماقبله وما بعده، على حد علمي في كل كردستان والمنطقة ايضا لم يحدث مثيل له، فيما اذا اردنا المقارنة،واذا ابتعدنا عن المنطقة بالكامل  فقط حدثين وقعا، الاول في سنة 1988 في تونس حيث هاجمت اسرائيل (ابو جهاد-خليل الوزير)الرجل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية والثاني استشهاد الاستاذ كوجر، لان الاثنين، كانا مداهمة شاركت بها كل الاجهزة الحكومية لهذه الدول كالامن والاستخبارات وقوات جوية وارضية،

من الجدير بالذكر بكثير من الاوجه كانت المداهمة التي حصلت للاستاذ اكبر من ماحصل لابو جهاد ، اولا ان الاستاذ كان في عقر دار العدو، اما ابو جهاد فقد كان في دولة اخرى تبعد 3000 كم ، ثانيا ان الاستاذ في حالته حصلت خيانة بينما لابو جهاد  كانت عملية مداهمة فقط، ثالثا الاستاذ كان لديه مسدسا فقط بينما ابو جهاد كان له حراس  مسلحين على بابه ورابعا ان الاستاذ قاتل حتى اخر طلقة بينما مع الاسف ابو جهاد هو وحرسه لم يستطعيوا ان يطلقوا ولو حتى اطلاقة واحدة، وخامسا ان الاستاذ قتل منهم العديد وجرح اخرين وكل اسراره احرقها ولم يقع بيد العدو سوى جسد بلا حياة، في النهاية اود القول الف تحية لروح الاستاذ الطاهرة ولنضال ولمقاومة وفداء وللارواح الطاهرة لكل شهداء الحرية والاستقلال.

 

رسالة الشهيد كوجر بخط يده قبل دقائق من استشهاده والتي ترك فيها وصيته لاخيه دكتور بزارولرفاقه

..