الجنـــود  المتطوعون المجهولون (7) / فرهاد رسول ترجمة ماهــر هنــدي

في نفس هذه الفترة التي كان فيها الرفاق منهمكون باداء مهامهم، كما قلت كثير من المرات تجري مداهمات لهذه البيوت من قبل قوات النظام ، وفي هذه المداهمات تجري اعتقالات للبعض، او يجري تفتيش هذه البيوت... الخ، احدى هذه الحوادث جرت في محلتنا.

في يوم صيفي من عام (1984) كان في بيتنا كل من الرفيقين (بريار وادؤد) مع المذكور (ممو)،كان ذلك في حوالي الساعة 11 قبل الظهر، عندما قدمت الى بيتنا (جميلة اخت عبد الله) وقالت( كاكا خسرو اتى الى بيتنا وقال طًلب منا ان نتهيأ لمداهمة بيت في محلة (بلاشاوه) وذلك لورود معلومات بتواجد بعض البيشمركه هناك، فاذا كان هناك احد في بيتكم (يقصد بيت عبد الله) او في بيت فرهاد، ليذهبوا باسرع وقت الى مكان اخر، لاننا سنأتي الان مع دائرة الامن لمداهمة البيت الذي اتت الاخبارية عنه)، الجدير بالذكر، ان (كاك خسرو) من اقربائنا، وابن عم (داؤد وارام) وهو معاون (عمر حسن الذي كان امر مفرزة امن).

لذلك وبعجلة، انهمكنا بمحاولة تدبير سيارة، وكان (عبد الله) هو الشخص الوحيد الذي لديه سيارة، وهو لم يكن وقتها موجودا،ولم يكن ممكنا في منتصف النهار ان نذهب الى الشارع العام ونذهب بسيارة اجرة الى مكان اخر، فما الذي نفعله؟؟؟

في هذا الوقت كنت مشغولا بالدخول والخروج من والى البيت، لمراقبة الوضع ووالتفكير في نفس الوقت بما يجب فعله للحصول على سيارة؟ خطر ببالي، بيتا انتقل الى جوار بيتنا، صاحب البيت لديه سيارة برازيلي بيضاء، خرجت الى الزقاق لاتأكد، شاهدت السيارة مركونة امام بابهم.

 اصحاب هذا البيت كما اسلفت كانوا قد انتقلوا حديثا الى هذا المكان، وعلاقتهم مع اهل المحلة ضعيفة جدا او غير موجودة اصلا، صاحب البيت اسمه (اكرم)، تذكرت ان الرفيق (ماموستا كوجر)(احد كوادر الحزب الذي يعمل في اربيل والذي استشهد لاحقا بعد محاصرته في احد البيوت الحزبية في اربيل) تحدث عن هذا الشخص وقال انه يدعى ( اكرم عولا دوم) ، كان سابقا احد رفاقنا، بالرغم من انه ليس لديه علاقة حزبية الان، ولكنه بشكل عام هو انسان نظيف، وممكن ان يعتمد عليه في اوقات الحاجة، وممكن الاستفادة منه.

عندما رأيت ان السيارة امام البيت، عدت رأسا الى داخل بيتنا، عند الرفاق، وقلت لهم ان هذا الشخص هو في البيت، الذي قال عنه الرفيق كوجر اننا نستطيع الاستفادة منه وقت الحاجة،ليس هناك افضل من هذا الوقت، لاذهب واطلب منه ذلك لنوصلكم الى مكان ما،تردد الرفاق بعض الشئ، لكنني بدون ان انتظر جوابهم، راسا وبسرعة ذهبت وطرقت على باب بيت جيراني (كاك اكرم) بالرغم من اننا لم نتبادل حتى التحية فيما بيننا سابقا، ولم اكن اعرف ماذا سيكون موقفه، وماذا سيكون جوابه!!! ولكننا كنا مظطرين، ولم يكن لنا خيار اخر.

اتى هو الى الباب وفتحه، وكان مرتديا ملابس الخروج، سلمت عليه، وبدون ان انتظر جوابا منه قلت له، ( بسرعة اجلب سيارتك، وتعال امام باب بيتنا، هناك عدة اشخاص نريد ايصالهم الى اي مكان هم يريدون الذهاب اليه)، نظر اليّ،سرح قليلا، ورأسا بدون ان يسأل اي سؤال، كما كنت انتظر منه، استجاب للطلب وقال، (اذهب ودعهم يستعدون، ها انذا قادم)، فرحت كثيرا بهذا الجواب، شخص لا اعرفه، بهذه الرجولة مستعد ان ينقذ هؤلاء الناس، في وضح النهار الذي  كان من الممكن ان تحل كارثة على الرفاق في هذه المحلة، على كل اتيت الى البيت مسرعا وقلت للرفاق ، انه قادم تهيأوا، في هذا الوقت، (يأتي عبدالله الى بيتهم، اخته جميلة تروي له القصة) ويأتي هو مباشرة بسيارته الى بيتنا، عندما تقترب اصوات السيارة، اعتقدنا انها سيارة كاك (اكرم)، فخرجت انا قبلهم الى الخارج، رأيت عبد الله بسيارته واقفا، فرحت اكثر، نظرت لارى (كاك اكرم) ايضا خارج بيته يوشك ان يفتح باب سيارته، شكرته ممتنا من بعيد باشارة من يدي، افهمته فيها بان سيارة اخرى اتت ولا يحتاج ان يتعب نفسه، هو عرف قصدي ، بدون كلام، وبدون تأخير ، دخل الى بيته، دون ان يحاول ان يرى الاشخاص، او ان يعرفهم. ليركب الرفاق سيارة عبد الله ويغادرون.

عندما غادر الرفاق، دخلت الى البيت كما لو انني قد حققت انجازا كبيرا، واسترخيت امام المبردة، وكأنما ليس هناك مانخاف عليه، اذا اتت مفرزة الامن الى بيتنا، مادام هؤلاء الرفاق قد غادروا البيت، لفرحتي لمغادرة الرفاق، نسيت نفسي تماما، لان فقط خروج الرفاق بسلام ،كان لدي مهما جدا، بدون ان يبقى ببالي بان لي علاقة بالتنظيم، ولدي مسدس غير مجاز، ومن الممكن ان تكون هناك عشرات الوثائق والمناشير الحزنبية في بيتنا، وانني كنت قد استدعيت حديثا لاداء الخدمة العسكرية، ولم التحق، اي انني (متخلف عن الخدمة) حيث كانت الحرب مع ايران على اشدها، وكان قرار النظام عند القبض على اي هارب من الخدمة، من الممكن ان يكون الرمي بالرصاص مباشرة.

على كل، بقيت على هذه الحال حتى المساء، بعد المغرب علمنا، انه في الجهة الاخرى من بيوتنا، دوهم بيتا، والقي القبض على بيشمركة ل (حسك) مع عدة اشخاص اخرين من ذلك البيت.

بشكل عام كان قصدي هنا، ان اتحدث عن دور البطولة والفداء ل( كاك اكرم) الذي لحد الان لم اكن قد تحدثت معه اكثر مما  جرى بيننا من حديث، ليكون له هذا الموقف البطولي وفي هذا الضرف الحساس والملئ بالمخاطر، ليبدي هذا الاستعداد، حيث انه لم يجري في اي مكان او في اي من نشريات الحزب، (الحديث عنه، ولا عن كاك خسرو، ولا عن جميلة اخت الشهيد عبد الله، و لاحتى الشهيد عبدالله لم يجري ذكره بالشكل المناسب).