الحزب الشيوعي ...(28)/ فيصل الفؤادي
سياسة التهجير
منذ وقت طويل أستعملت الانظمة الدكتاتورية والفردية سياسة التهجير والابعاد والنفي ضد السياسيين المناوئين لها حيث أبعد قبل وبعد ثورة العشرين شخصيات عراقية ثورية الى الهند وأيران و تركيا ودول أخرى من جراء موقفهم من الانظمة المتعاقبة والذي كانوا يطالبون فيه بالحرية او الاستقلال ... الخ وأسقطت الجنسية عن بعضهم .
وقد قامت الحكومة العراقية بعد أنقلاب عام 1968 بتهجير الاكراد الفيلية والعرب الشيعة في كل مناطق العراق بحجج واهية وغير قانونية بل لأعتبارات قومية وسياسية وأيديولوجية .
أما في مناطق كردستان العراق فقد هجر النظام الدكتاتوري القرى الكردية القريبة من مناطق الثوار في الجبال لقطع الرافد المهم لاستمرار الثورة وأستمرار الحياة فيها .
ولم تكن سياسة التهجير التي أستعملها النظام وبرع بها فقط, بل سياسة القمع والاعتقال والاعدام , كما مارس سياسة التمييز الطائفي من خلال الترحيل القسري للالاف القرى في المنطقة .
اضافة الى ذلك تم حرق القرى وبعضها هدم وشتت اهلها ونقلوا الى مناطق اخرى , ووضعت الربايا والافواج التي تراقب الناس الذين يعيشون في تلك المناطق كل ذلك لكي يقطعوا السبل أما م البيشمه ركة والانصار الذين يعتمدون بهذا الشكل وذاك على هذه القرى في التموين والرصد ونقل الاخبار وغير ذلك , بل زرعوا عملائهم في أغلب القرى من المختارين الى الجحوش ( الفرسان ) وغيرهم .
وعملوا على أيقاف الملتحقين من أبناء المناطق الاخرى الفارين من الحرب الذين هم من المناطق الجنوبية للالتحاق بفصائل الانصار أو البيشمه ركة من خلال تشكيل الافواج الخفيفة التي تصدت الى الاعداد الكبيرة من هؤلاء الملتحقين وبعضهم قتل أو تم القاء القبض عليه وتم أعدامه .
لقد عمل النظام على فرض الحصار الاقتصادي والاداري للقرى ووضع بعضها تحت حزام أمني واضعا تلك المناطق في أعتبارات الجانب العسكري تحت غطاء القرى والمناطق المعادية له, اراد النظام أن ينكل بالقرى ورافضي الحرب الذين وصل عددهم الى الالاف ويجبرهم بالرجوع الى المدن.
حاول النظام القيام بعدة أجرأءات للنيل من معارضيه الذين يكافحون من أجل أسقاطه ومنها –
1- القصف اليومي للقرى القريبة من مناطق الثوار .
2- سياسة الحصار الاقتصادي التي حارب بها الاهالي ومنتوجاتهم .
3- ألتهديد بأستعمال الاسلحة المحرمة دوليا والتي استعملها فيما بعد في ضربه حلبجة 1988 وبعض مقرات الانصار.
4- شكل الوكلاء والفرسان والمختارين أدوات النظام في كردستان .
5- الافواج الخفيفة التابعة لبعض العشائر التي كانت تخدم النظام الدكتاتوري وكانت أداة لقتل المواطنين الابرياء من النساء وكبار السن والاطفال .
6- تشكيل لجنة موالية للنظام في المجمعات والوحدات السكنية .
7- أصدار العفو العام بين فترة وأخرى لغرض كسب ود الناس ورجوعهم الى السلطة .
دمر النظام الالاف من القرى من خلال ضربها باللاسلحة الكيمياوية في سليمانية واربيل ودهوك اضافة الى القصف المدفعي الذي أدى الى تهجير القرى الحدودية وسمح له بتشكيل حزام أمني يمتد على طول الحدودالعراقية التركية والحدود الايرانية وحتى السورية .
ومن أكبر حملات التهجير كانت حملات ( الانفال أب 1988 – وهي تعني غنائم الغزو) حيث تم نقل عشرات الالاف من المواطنين الى مناطق غير مؤهوله ولحد الان فأن هؤلاء باتو مجهولي المصير وعدت تلك الحملة من أسوء الحملات وأعتبرت من الجرائم الوحشية ضدالانسانية .
المعارك ضد قوات النظام
لقد خاضت قوات البيشمه ركه والانصار عدة معارك ضد قوات النظام الدكتاتوري من الجيش النظامي بمختلف صنوفه وكذلك الجحوش ( ويسمى الفرسان ) والافواج الخفيفة وغيرهم , وأغلب المعارك القتالية كانت غير متكافئة من ناحية العدة والامكانيات وعدد القوات المهاجمة أو المدافعة وأستعمل الجيش فيها الاسلحة التدميرية والكيمياوية وبعض المعارك أستعمل فيها الطيران الحربي الذي قصف مقر قيادة قاطع بهدينان الذي أدى الى أصابة أكثر من 150 نصيرا بسموم الاسلحة الكيمياوية , وبرغم قوة النظام وجبروته فقد حققت قوات الانصار الكثيرمن ألانتصارات في بعض المعارك ومواقع السلطة من ربايا أو أفواج أو عمل كمائن محكمة .
وبعض المعارك أدت الى خسائر غير قليلة في قوات الانصار وكان بعضها بسبب اللامبالات وضعف اليقظة أو قلة الخبرة في التخلص من الكمائن , ومن هذه المعارك, معارك كرميان ودربنديخان ومفرزة الطريق وربيئة سركلي في العمادية والخسارة الكبيرة في منطقة (بيرموس- كلي كورت ) والتي أدت الى أستشهاد 9 أنصار من خلال هجوم الطائرات السمتية ( الهليكوبتر ) على المفرزة وغيرها .
أضافة الى المعارك بين قوات المعارضة فيما بينها والذي أدى الى خسائر كبيرة بين قوات الانصار والبيشمه مركة حيث أدى أيضا الى تدهور في معنويات تلك القوات , ومنها المعارك المسلحة التي حدثت بين قوات جود وقوات الاتحاد الوطني .
( وفي هذه الفترة من مسيرة الحركة الانصارية وقعت احداث سياسية وعسكرية هامة تركت اثارها على الحركة وعلى مسارها وتقييمها , وظلت هذه التأثيرات ملحوظة طوال فترة الحركة . وكان في المقدمة من تلك الاحداث الاصطدامات المسلحة بين الاطراف الكردية [1] ) .
ورغم تطورالحركة الانصارية في الامكانيات التسليحية والمادية والعددية , الا أنها بقيت أسيرة المنطقة الحدودية , وامام قوة النظام الدكتاتوري التي تحدثنا عنها لايمكن أن تحتل قوات الانصار مواقع معينة للجيش العراقي ( ربية أو فوج أو ناحية ) وتبقى فيها أكثر من ساعة , وخلال العمل الانصاري كانت قد تحققت الكثير من البطولات وكان بعضها جريئاً وبعضها فيه نوع من المجازفة كما حدث في ( جامعة صلاح الدين ومانكيش ومطار بامرني وتحرير ناحية نوجول وفوج سوتكي ... ألخ ) .
من جانب أخر لم ترتق الحركة الانصارية الى درجة كافية من التطور الجماهيري وتحفيز الجنود والضباط ورافضي الحرب للالتحاق بها .
( واخفقت حركتنا الانصارية في كردستان في احتواء جمهرة الجنود الهاربين وخاصة من المناطق العربية , والسبب يعود الى ضعف تنظيماتنا الحزبية في مناطق السلطة وبالتالي ضعف دورها في توعية الجماهير وكسب هؤلاء الجنود , وبعد مناطقها عن مواقع الانصار في كردستان ومصاعب الظرف السياسي وقساوة الارهاب في بقية أنحاء العراق[2] ).
وفي حزيران 1988 درس المكتب السياسي للحزب وضع الحركة الانصارية وقيادتها وقرر نقل قيادتها للجنة أقليم كردستان , وكان هذا المقترح قيد دراسة منذ أجتماع اللجنة المركزية في كانون الاول 1986, وطبقا لهذا القرا قرر أخراج قيادة قواطع الحركة الانصارية الى الخارج .
لقد عاشت الحركة الانصارية ظروفا صعبة للغاية في التموين والنقل خاصة وأن المنبع الاساسي للحركة الانصارية قد زال وهي القرى التي كانت ترفد الحركة بكل شيئ .
وأخيرا كانت الانتكاسة والخسارة للحركة الانصارية وقوات البيشمه ركة حيث خرجت تلك القوات في نهاية عام 1988 الى دول الجوار تركيا وأيران وسوريا .
شهداء الكفاح المسلح[3]
قدم الحزب الشيوعي العراقي منذ أتخاذه أسلوب الكفاح المسلح مئات الشهداء وخاصة في الفترة ( 1963 الى عام 1970 والفترة اللاحقة من عام 1979 وحتى عام 1988 ) وسيصدر لاحقاً كتاب عن شهداء الحركة الانصارية .
لقد قدم الانصار الشيوعيون مأثر بطولية ومثالا للتفاني والاخلاص والاقدام وبقيت تضحياتهم شاخصة باقية لاتنسى وكانوا مثالا للبطولة التي يذكرها الاعداء والاصدقاء على السواء من الاحزاب والمنظمات التي عاشت عن قرب في ساحات النضال .
وكانت خسائر الحزب كبيرة نتيجة لتحارب أصدقاء الامس وخاصة ماجرى مع الاتحاد الوطني في بشتاشان أيار 1983 والتي راح ضحيتها أكثر من 60 نصيرا غير الجرحى والمفقودين , وهم من الكوادر الحزبية المختلفة .
وكذلك المعارك الغير متكافئة مع قوات النظام المتمكن تسليحا وقوة وعددا .أضافة الى الاخطاء في العمل العسكري والذي أدى الى أستشهاد عدد غير قليل من الانصار .
وقد بعث المؤتمر الوطني الرابع للحزب تشرين الثاني 1985رسالة الى عوائل الشهداء معبراً عن أحترامه وتقديره العالي لتضحية هؤلاء الابطال[4] .
بعض من رافضي الكفاح المسلح يؤخذ على الحزب اتخاذه طريق الكفاح المسلح , لو أتخذ أسلوب نضالي أخر لكانت خسائره أقل من هذا العدد , في حين هؤلاء وغيرهم لايعرفون مدى الذل الذي وقع فيه رفاق الحزب أبان هجوم الاجهزة الامنية والمخابراتية للنظام في عامي 1978 و1979 والذي راح ضحيته حوالي 70 ألف حسب تقديرات الحزب بين أعتقال وتعذيب وأسقاط سياسي وأعدام . وكان الكثير من هؤلاء المناضلين يتمنون الشهادة على كشف أسرار الحزب أو كشف الرفاق أو التنظيم . وقد أستعمل النظام الدكتاتوري في شباط 1963 ومابين 1978 و1979 مختلف أساليب الارهاب من وسائل التعذيب من مثل أجبار المعتقل على الجلوس على القناني أو الخوازيق أو الاعتداء الجنسي أو التعليق في المروحة السقفية أو قلع الاظافر أو الكي بواسطة السكائر أو الالات أخرى , ويذكر كتاب طوارق الظلام لمؤلفيه توفيق الناشي والسيدة ابتسام الرومي – كيف كان البعثيون يمارسون الارهاب ويقتلون ضحاياهم[5] .
************
[1] وثيقة تقيم الحركة الانصارية 1979 –1988 ص 87 .
[2] نفس المصدر السابق 1979 – 1988 ص90 .
[3]من كتاب شهداء الحزب شهداء الوطن ( عمال وفلاحون ..مبدعو المعرفة والكلمة والقصيدة واللوحة. من كل المهن الشريفة .. حشد من البررة . من كل قوميات وطوائف وطننا الغالي العراق .أعضاء ومرشحون .. أصدقاء حزبنا .. مستلهمو الافكار التقدمية ..نساء .. يافعون ..شباب ..كهول ..شيوخ ..جسدوا بشرف الامثولة الاسمى .امثولة الشهادة ) .
[4] ( يتقدم المؤتمر الوطني الرابع للحزب الشيوعي العراقي الى عوائل شهداء الحزب والشعب بتحيات الاعتزاز , معبرا عن أحترامه لذكرى أولئك الذين سقطوا صرعى رصاص الاعداء , الطبقيين في سوح النضال وسياط التعذيب الهمجي في اقبية وزنازين الارهاب الفاشي ... لقد تعلم الشيوعيون العراقيون , في خضم معارك النضال الشاق كيف يحولون الحزن المقدس على شهدائهم الى طاقة ثورية خلاقة , والى سعير ملتهب يحرق الجلادين القتلة , ويعلمهم أية لعنة سيظل الشعب والتأريخ يلاحقهم بها .... فاليكم , يا من انجبتم خيرة الشيوعيين والثوريين , العهد على مواصلة الكفاح حتى الظفر , والقصاص من القتلة .. ولكم الشرف العظيم وساماً في دماء أبنائكم الزكية ومن تقدير الشعب المناضل .. ث ق 170 لسنة 1986 ص 192
[5] (في الليل يمسي المعتقلون فريسة لتلك الوحوش , ويبدأ الموت زحفه البطيئ في عشرات الاجساد , بينما ينتظر الاخرون النهار الذي مافتى يحاذر في خطواته في ذلك المكان الذي تقمصه الرعب ومل الصراخ والعويل ووقع الاناشيد الحماسية , نعم لقد سقط البعض وانهار منذ اللحظات الاولى وكان بينهم كوادر مهمة في الحزب ولكن الغالبية كانت تتمنى الموت على السقوط والخيانة وتصمد قدر المستطاع أمام تلك الاساليب الفظيعة بعد أن صار الموت هو الطريق الوحيد للخلاص , وكان المتنبي قد جرب مثل تلك المعانات النفسية عندما قال :كفى بك داء ترى الموت شافيا... وحسب المنايا أن يكن أمانيا . صار الموت أمنية كل منكودي الحظ الذين أوقعتهم الظروف في أيدي أولئك الجلاوزة ) . ..طوارق الظلام 2009 طبع السويد ص 85 .