نرحب بكل دعم لمحاربة الإرهاب .. لكن! ليس على حساب الدم العراقي
معالي وزير العلوم والتكنولوجيا في جمهورية العراق المهندس (فارس يوسف ججو)، أهلاً ومرحباً بكم في ستوكهولم، معالي الوزير: أنتم الآن في السويد وقد تعرفتم عن قرب على مفاهيم وأنظمة ومزايا الدولة المدنية المعاصرة، فهل تعتقدون أنه من الممكن تطبيق هذه التجربة الرائدة في العراق وفي البلدان العربية، أو الإستفادة منها على أقل تقدير؟
حقيقة السؤال مهم جداً، فبالإضافة إلى خصوصيات العراق ومزايا الشعب العراقي، تبقى تجارب الآخرين ضرورية لنا، لكني لا أعتقد أنه بالإمكان تطبيق هذه التجربة المتقدمة في بناء الدولة المدنية المعاصرة، بشكل كامل الآن في بلد مثل العراق، خصوصاً وأنها تجربة متطورة ورائدة كما هي في السويد، لكن الأكثر رجوحاً هو الإستفادة منها على أقل تقدير. أما بخصوص البلدان العربية، فهناك بالتأكيد تفاوت بتعزيز الروح المدنية، أو تعزيز الدولة المدنية بين دولة وأخرى، لكنها جميعاً بأشد الحاجة إلى مثل هذه التجربة، إن هذا التفاوت والتباين يعود كما تعلمون، إلى المزايا الثقافية والحضارية وحتى النفسية والإخلاقية والدينية، التي تختلف من بلد لآخر. إن أهم ما يميز الدولة المدنية في السويد كما لاحظته، هو القانون الذي يحترمه الجميع، وأيضاً المستوى العالي من التطور في جميع المجالات، في (الصناعة، الإنتاج، المدرسة، الجامعة، المستشفى، الشارع، والمرور، وفي كل مرافق الحياة الأخرى، إضافة إلى الدستور المتطور الذي يلبي حاجة المواطن، ويحقق إنسانيته وحريته، إن هذه النقاط المهمة من التجربة السويدية في بناء الدولة المدنية، هي التي نستطيع أن ننقلها إلى العراق الآن للإستفادة منها.
هل لديكم أستاذ فارس في الحكومة العراقية، أفكاراً أو خططاً للتعاون مع الحكومة السويدية، في مجال إختصاصكم في الطاقة والعلوم والتكنولوجيا؟
في الواقع أن زيارتي إلى السويد لم تكن زيارة رسمية، وإنما هي زيارة للعلاج فقط ، لكن خلال وجودي هنا في هذه الفترة القصيرة، إتصلت مع بعض الإخوة من ذوي الشهادات العليا وبعض الأساتذة من العراقيين، للتباحث معهم بهذا الشأن، وقد لاحظت أن هناك مستويات علمية وتكنولوجيا عالية، فتولدت لدينا أفكار سنعلنها حين أعود إلى البلد، خلاصتها هي: أن تكون هناك هيئة علمية للعراق وللعراقين في أوربا، تشبه شبكة (نيسا) للعلماء العراقين في الخارج، ويكون بين الوزارة وبين هذه الشبكة أو الهيئة تواصل مستمر، يرفدوننا بما توصلت إليه العلوم وما وصلت إليه مستوايات التكنولوجيا، للبحث أو الإجابة عن المشاكل التي نواجهها في العراق، من خلال المختصين والباحثين في وزارة العلوم والتكنولوجيا في بغداد، وستكون هناك ورش عمل وبحوث مشتركة، وحتى براءات إختراع منجزة بشكل مشترك، وأيضاً تسويق للتكنولوجيا، التي نحتاجها في كثير من مجالات العلوم في بلدنا، نعم موجودة هذه الأفكار، وربما مستقبلاً ستلاحظون تفعيلها وترجمتها على أرض الواقع في العراق.
ألا ترون معالي الوزير، بأن هناك مبالغات في خطر تدخلات دول الجوار في الشأن العراقي بذريعة الإرهاب؟ مما إنعكس ذلك سلباً على العلاقة مع الدول العربية، وجعل العراق معزولاً عن محيطه العربي.
حقيقة أن تدخل العديد من الدول في الشأن العراقي، لا أحد يستطيع أن ينكره، والسبب هو إعتماد الحكومات المتعاقبة على الحكم منذ عام (2003)، على أسس المحاصصة المقيتة ونهج الطائفية البغيضة، هذا الشكل من نظام الحكم ولد الكثير من التخلخل في الدولة، مما سهل من كثرة تدخلات الدول الأخرى في شؤوننا، ولا يمكن معالجة هذا الخلل إلا بوجود حكومة وطنية قوية، تستطيع أن تجد حلاً لمشاكل البلد، وأمام الحكومة الآن الكثير من التحديات الكبيرة، ولا تستطيع أن تواجهها لوحدها، وأهم هذه التحديات هو محاربة الإرهاب والقضاء عليه، وإرجاع المهجرين والنازحين إلى مناطق سكناهم، وتسيهل عودتهم الآمنة، وكما تعلمون أن الإرهاب إتخذ طابعاً دولياً، فلهذا لابد من إيجاد صياغات دولية تنحصر في هذا الجانب فقط، وقد يكون هذا مبرراً للتعاون مع الدول الأخرى في محاربة الإرهاب، صحيح أن كل دول الجوار، تسعى إلى أن يكون لها حضور ووجود في العراق بشكل معين، لكن علينا أن نعمل على أن لا يكون هذا التدخل، من أجل تحقيق مصالحها وترحيل مشاكلها إلينا، ويكون كل ذلك على حساب الدم العراقي، بالتأكيد أن هذه التحديات التي تواجهها الحكومة كبيرة جداً، لكن لو توفرت الإرادة السياسية والوطنية السليمة، لحجمت الكثير من هذه التدخلات في شؤوننا، ونحن جميعاً نحاول العمل كفريق واحد داخل الحكومة، لتذليل الصعوبات وإزالت التراكمات التي أدت إلى هذا المآل الموجود في البلد.
روائح الفساد في العراق أزكمت الأنوف، فهل هناك من خطة، للقضاء على المحاصصة السياسية والطائفية البغيضة، التي ولّدت الفساد؟ وهل ستمضي الحكومة قدماً بمحاربته؟ أم أنها ستكتفي بأكباش فداء، ويبقى المفسدون يسرحون ويمرحون؟
أنا برأي أن الفساد لا يقل خطورة عن الإرهاب، وأنا أصنف محاربته وفق المعادلة التالية: (الإرهابيون والطائفيون والفاسدون، أقابلها بالوطن والمواطنة والوطنية)، هذه المعادلة قد تبدو صعبة بعض الشيء، لكن لا خيار لنا إلا أن نحاربهم بهذه التسميات، فالفساد هو وليد نظام المحاصصة الطائفية، ولم تولي الإهتمام أو الإنتباه إلى آثاره، التشكيلات السياسية البائسة في السنوات السابقة، إلى أن إستشرى وطغى بشكل ملعون، وتعدى حدود الرشوة وأخواتها، وصار مرضاً سرطانياً، إنتشر في جسد الدولة العراقية، فأصبح سلوكاً إجتماعياً مع الأسف، وأصبح من يعمل بضمير وحس وطني محط سخرية وتندر، إن المشكلة في الإنسان وفي أنظمة العمل وفي الحكومة، التي يجب عليها أن تتخذ إجراءات حاسمة، وتضرب بيد من حديد على كل من تثبت عليه حالة فساد، في أي موقع كان في الدولة، وأن تتخذ هذه الإجراءات من قبل: (رئيس الوزراء ومجلس الوزراء، هيئة النزاهة والعدالة، المحكمة الإتحادية، رئاسة الجمهورية، البرلمان، ولجنة النزاهة في البرلمان)، وعلى كل هذه المؤسسات والهيئات، أن تعمل كفريق واحد للقضاء على الفساد وإجتثاثه، وهناك ملفات لدى الدولة وتعلم بها الحكومة، يجب كشفها أمام الشعب، حتى يتأكد المواطن من جدية الحكومة في محاربة الفساد، فيتشجع ويصبح عاملاً مساعداً في الكشف عن الفساد والمفسدين، وإذا لم نعمل بهذه الطريقة سيكون من الصعب علينا القضاء على الفساد وآفته الفتاكة.
تعود الدول الديمقراطية في الأزمات والمحن والمنعطفات التأريخية عادة إلى شعوبها لتصحيح المسار، والحكومات في العراق وفي كل الدول العربية تنادي دائماً بالديمقراطية، فأين هي من هذا المفهوم؟
كما تعلمون أن الديمقراطية في البلدان المتطورة، عمرها طويل جداً ويصل إلى قرون عديدة،وأستطيع القول لو كانت الديمقراطية تقاس من دخول الروضة إلى التخرج من الجامعة، فنحن الآن، ربما لا زلنا في الصف الأول أو الثاني الإبتدائي، في إتقان وممارسة مفاهيم وقيم الديمقراطية، وسنواصل الإستمرار في هذا النهج، بالرغم من العثرات والسلبيات والخروقات، التي حصلت في جميع الإنتخابات، وبالرغم من شراء الذمم وصرف الأموال بلا حساب لكسب هذه الجهة أو تلك،لكنها تجربة جديدة في ممارسة العمل السياسي، وأنها لأول مرة ربما في تاريخ العراق، يتم فيها إختيار الحكومة والبرلمان من قبل الناس، ومع هذا فإن الجميع يتخوف من أن يمس إختيار الناس بشيء ما، مثلما كان يسمى سابقاً بالمؤامرات أو الإنقلابات العسكرية، لكن الشعب إذا أراد أن يغيير فإنه يستطيع ذلك، فهذه إرادته كما حصل في مصر مثلاً، إن التجربة الديمقراطية في العراق في بدياتها، وعلينا أن نسعى لطويرها، وستكون لها آفاق أخرى، أكثرة رحابة مما هي عليه الآن.
أود في ختام هذا اللقاء أن أشكر الجالية العراقية في السويد، فأجمل شيء لاحظته فيها، هو أن العراق لازال حاضراً بينها، بكل تفاصيله وأوجاعه وحضارته وتقاليده، وأشكر كرمهم وحسن ضيافتهم لنا جميعاً، والشكر الجزيل موصول لكم أعزائي، على إستضافتكم لنا في هذا اللقاء الجميل.
كان هذا الحور قبل دمج وزارة العلوم والتكنولوجيا مع وزارة التعليم العالي.
نشرت هذه المادة في شبكة الكومبس الإعلامية.