انقضى يومان وقت كتابة هذه السطور على اغلاق صناديق الاقتراع، التي توجه اليها ملايين الناخبين يوم السبت لاختيار ممثليهم في مجالس المحافظات، عدا كركوك والموصل والانبار ومحافظات الاقليم الثلاث.
ويسرنا ان نتوجه في هذه المناسبة بالتحية الى ابناء شعبنا، وان نشيد بإصرارهم ، رغم كل المنغصات، على الإدلاء بأصواتهم ، تأكيدا لحقهم الدستوري، وانتصارا للنهج السلمي الديمقراطي في تداول السلطة، سواء على الصعيد المحلي ام الوطني.
كذلك نعرب عن التقدير والامتنان والعرفان لناخبينا في المحافظات الاثنتي عشرة، والى كل من منحوا أصواتهم للقوائم المدنية والديمقراطية، التي خاض الحزب الشيوعي العراقي الانتخابات في اطارها.
لقد جرت الانتخابات في ظروف صعبة ومعقدة، وتخلف عن المشاركة فيها، حسب المعطيات الاولية المتوفرة، اكثر من نصف مجموع الناخبين، واثّرت فيها كثيرا حالة الاستعصاء السياسي، وضعف الاداء الحكومي، والعلاقات المتشنجة بين الكتل، والازمة العامة التي تلف البلد، والركود الاقتصادي وتردي الخدمات والبطالة، واستمراء البعض التهييج والتجييش الطائفيين، واداء المفوضية القاصر، بل والمخيب بالنسبة الى الاعداد الكبيرة من الناخبين، الذين تمكنوا من الوصول الى مراكز الاقتراع ثم لم يدلوا باصواتهم جراء ما اتضح انه خلل كبير في سجلات الناخبين، ولا شك ان الناخب يتحمل هنا نصيبه من المسؤولية، جراء التقاعس والاهمال في متابعة التحديث، وهذا امر لا يمكن ، باي حال، عزله عن حالة العزوف الواسعة عن التصويت رغم النداءات والمناشدات، لا سيما في بغداد العاصمة ذات الثقل الانتخابي الكبير، التي لم تتجاوز نسبة المصوتين فيها 33 في المائة.
وواضح ان الممتنعين عن التصويت ارادوا توجيه رسالة احتجاج، سلبية على كل حال، الى المتنفذين الذين ما انفكوا يغدقون الوعود دون ان ينفذوها، وقد يكون العزوف ايجابيا اذا اشر بداية وعي بضرورة التغيير، والتوجه لانتخاب الكفوئين والمخلصين والوطنيين.
وكما في الانتخابات السابقة فقد سجلت، للاسف، مئات الخروقات التي اعلنها ووثقها الوكلاء والمراقبون، والتي كان يمكن تجنب الكثير منها لو ان القوائم المتنافسة، خاصة المتنفذة، التزمت قواعد الممارسة الديمقراطية الحقة، ونأت بنفسها وبمناصريها ومؤيديها عن شراء الذمم والتزوير، وعن استغلال المال العام وامكانيات الدولة والمواقع الوظيفية للمتنفذين.
ومن المهم ايضا في هذا الشأن ان يتم تضبيط التصويت الخاص، ومثله التصويت المشروط، بما يضمن شفافيته وحرية الاختيار بعيدا عن الاكراه والاملاء.
على ان الانتخابات لم تجر بمعزل عن هاجس القلق الذي ظل ينتاب المواطنين، جراء تهديدات الارهابيين وعملياتهم الاجرامية، وهو ما استوجب اتخاذ اجراءات امنية مشددة، وفرت اجواء مناسبة عموما لاجراء الانتخابات وتأمين وصول الناخبين الى مراكز الاقتراع، لكن هذا استوجب بدوره فرض حظر على المركبات، ادى الى جعل التنقل مهمة صعبة، وحد من القدرة على الوصول الى مراكز التصويت.
من جانب آخر - اذا كانت انتخابات السبت الماضي جرت في ظل تعديلات حسنت من قانون اجرائها، وضمنت عدم ضياع اصوات الناخب اوهدرها، وهذا انجاز كبير تحقق للقوى المدنية والديمقراطية، فانها على العموم جرت في اجواء غير مؤاتية، وفي ظل عدم تكافؤ في الفرص والامكانيات المتاحة للقوائم المتنافسة.
وتبقى هذه الانتخابات، بغض النظر عما لها وعليها وما ستكون عليه نتائجها النهائية، محطة اخرى وتجربة محملة بالعديد من الدروس الثمنية المضافة، التي تتوجب الاستفادة القصوى منها مع بدء التهيؤ والاستعداد لانتخابات مجلس النواب القادم، التي لم تكن انتخابات مجالس المحافظات الحالية الا تمرينا وتحضيرا لها.
وارتباطا بهذا سيتوجب تدشين حملة وطنية لادخال التعديل المطلوب على قانون انتخابات مجلس النواب، وفقا لقرار المحكمة الاتحادية بشأن الباقي الاعظم، ولاصدار قانون عصري ديمقراطي ينظم عمل الاحزاب السياسية، واجراء الاحصاء السكاني.
والى ان يحين موعد الانتخابات القادمة لا بد من اعادة ترتيب الاجهزة التابعة لمفوضية الانتخابات على كلا صعيدي المركز والمحافظات، وإبعاد من خالفوا تعليمات المفوضية ذاتها، وسهلوا للمتلاعبين افعالهم غير القانونية.
من جانبنا، كحزب، سنواصل مع حلفائنا مراجعة وتدقيق حملتنا الانتخابية وادائنا، بما يعزز الجوانب الايجابية المتحققة، ويساعد على ردم الثغرات ومعالجة النواقص.
اننا، وبغض النظر عن المقاعد التي سنحصل عليها وعددها، سنبقى كما كنا مع الناس، مع جماهيرهم، ندافع عنها وعن حقوقها العادلة وطموحاتها المشروعة، بمختلف الاشكال والوسائل السلمية والدستورية والحضارية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص 1
الثلاثاء 23/ 4/ 2013