استأثرت موضوعة استقلالية البنك المركزي باهتمام واسع من قبل المختصين والمهتمين بالشأن الاقتصادي وقادت الى جدل واسع بخصوص دور واستقلالية المركزي وعلاقته بالسلطة التنفيذية.
وفي حديث لعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي لجريدة "الصباح" على هامش ندوة اقامها المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي بهذا الخصوص قال ان "استقلالية البنك المركزي مطلوبة ومرغوبة شريطة ان تنسجم مع الدور والاشراف الحكومي، انطلاقا من ان بعض الانشطة المنوطة بالبنك المركزي تخرج عن اطار رسم وتنفيذ السياسة النقدية لمكافحة غسيل الاموال والرقابة والاشراف على المصارف ووضع الضوابط عليها".
وقال فهمي ان "الجدل الدائر حول البنك المركزي وطبيعة علاقته بالسلطات التنفيذية والتشريعية وعن دوره في رسم السياسة النقدية للبلاد تختلط فيه الاعتبارات السياسية والفنية التخصصية بصورة تضبب النقاش وتدفعه باتجاهات تحرفه عن القضايا الرئيسية وتنفيذ سياسة اقتصادية سليمة وفعالة تستنهض الاقتصاد الوطني وتحقق شروط نمائه".
واضاف، "وهذا يتطلب بالضرورة التوافق والانسجام بين السياستين المالية والنقدية وتكامل عمل وفعل الادوات السياسية الخاصة بكل منهما من اجل تحقيق النمو الاقتصادي واعادة بناء وتحديث وتطوير البنى التحتية المادية والمؤسسية، وتنويع القاعدة الانتاجية للاقتصاد، فضلا عن الأهداف الاجتماعية والتوزيع والتصرف العادلين بالموارد"، داعيا الى "وضع القضايا مدار الجدل حاليا، بشأن البنك المركزي في اطارها السليم، بعيدا عن المنازعات السياسية المحتدمة لأجل أن يفضي النقاش إلى نتائج واستنتاجات تسهم في توضيح الرؤية الاقتصادية للدولة وتقويم الأداء والارتقاء بالبناء المؤسسي للدولة وبفاعلية ادوات السياسة الاقتصادية المالية والنقدية".
وتابع، "ثمة موضوعتان اساسيتان مترابطتان تثيران جدلا، ان لم نقل صراعا سياسيا وفكريا محتدمين، الاولى تتعلق باستقلالية البنك المركزي والاخرى بسياسته في مكافحة التضخم وتثبيت سعر صرف الدينار العراقي امام الدولار، وفيما يخص امر استقلالية البنك المركزي، فقد نص الدستور في المادة (103) على ان البنك المركزي العراقي يُعدّ هيئة مستقلة ماليا واداريا وينظم عمله بقانون ويكون مسؤولا امام مجلس النواب، ولا يزال العمل جاريا بقانون البنك المركزي رقم 56 لعام 2004 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة رغم ان صدوره سابق للدستور، وحدد هذا القانون اهداف ووظائف البنك المركزي في المواد (3) و (4) من الباب الأول، حيث تم تحديد الهدف الرئيس للبنك "هو السعي لتحقيق والحفاظ على استقرار السعر المحلي وتعزيز والحفاظ على نظام مالي مستقر تنافسي ويستند الى السوق، ووفقا لذلك يقوم البنك المركزي ايضا بتعزيز النمو المستدام والعمالة والرخاء في العراق".
واشار الى ان "اهداف البنك تشمل مكافحة التضخم وتحقيق استقرار النظام المالي، وهو اوسع من النظام النقدي، وكذلك تعزيز النمو المستدام والعمالة، ويعمل البنك على تحقيق هذه الأهداف من خلال ممارسة الوظائف التي حددتها المادة (4) واهمها "صياغة وتنفيذ السياسة النقدية، بما فيها سعر الصرف"، مضيفا، "واستنادا إلى هذه النصوص الدستورية والقانونية اعتبر البنك المركزي انه يتمتع بشرعية كاملة في ممارسة سلطته بصياغة وتنفيذ السياسة النقدية باستقلالية تامة، وجعل البنك المركزي من هدف مكافحة التضخم محور ومركز اجرائاته وتــوظيف ادواتـه ارتباطا باهداف البنك وبالتزامات العراق في اطار برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية مع صندوق النقد الدولي واشتراطاته لمساندة طلب العراق لتخفيف عبء مديونيته الخارجية إلى نادي باريس".
وفي هذا السياق، اوضح فهمي ان "البنك المركزي استخدم ادوات السياسة النقدية المتاحة له، وبشكل خاص توظيف سعر صرف الدينار العراقي كوسيلة للسيطرة على التضخم وكبح جماحه، ولهذا الغرض يتدخل البنك المركزي في سوق الصرف لرفع قيمة الدينار مقابل الدولار والدفاع عن هذه القيمة المرتفعة للدينار بتلبية كل الطلب على الدولار عند هذا السعر عبر عمليات بيع الدولار إلى المصارف وشركات التحويل المالي المرخصة في مزاد العملة الذي ينظمه البنك".
وبين "في رأينا ان الفهم والممارسة السائدتين حاليا لاستقلالية البنك المركزي وللسياسة النقدية المتبعة بحاجة إلى مراجعة ونقاش جديين يتسمان بالشفافية والموضوعية العلمية ويكون المنطلق والاساس فيه الوصول إلى سياسة اقتصادية منسجمة وفعالة وكفوءة من شأنها تحقيق اهداف التنمية الاقتصادية المستدامة وتحفيز النمو وتوسيع العمالة وتطوير القطاعات الانتاجية ورفع مستوى المعيشة لعموم المواطنين".
واشار الى ان "سياسة البنك المركزي خلال السنوات الماضية ركزت بصورة تكاد تكون حصرية على كبح التضخم وخفض معدلاته دون اعارة الاهتمام المطلوب لهدف النمو المستدام ومكافحة البطالة والتي تنص عليها ايضا اهداف البنك، بل تم اعتماد سياسات قد تتعارض مع هذه الأهداف، كما جرى خلال السنوات التي ارتفعت فيها اسعار الفائدة إلى مستويات عالية جداً لعبت دورا كابحا للاستثمار برفع تكلفة الاقتراض وتشجيع المصارف على ايداع اموالها وسيولتها في البنك المركزي عوضا عن توجيهها نحو الائتمان لقطاع الاعمال والافراد، كما ان سياسة سعر الصرف المرتفع للدينار مقابل الدولار واحتساب تكلفتها جديرة بأن تكون موضع نقاش، فهي من شأنها تشجيع الاستيراد واضعاف القدرة التنافسية الدولية للمنتجات العراقية، كما انها تقلل من كمية الدينار العراقي المتاحة للموازنة العامة وللانفاق الحكومي مقابل الايرادات النفطية المقومة بالدولار التي تقوم الحكومة بتحويلها إلى دينار عراقي لدى البنك المركزي".
ونوه الى ان "الهدف من هذه الملاحظات هو تأشير التعارض الذي قد ينشأ بين هدف السياسة النقدية الذي يتبناه البنك المركزي وبين اهداف اقتصادية أخرى مهمة قد تكون ضمن اولويات السياسة المالية للحكومة، والطريقة الأسلم لتجنب حدوث شرخ كبير واختلال ما بين ذراعي السياسة الاقتصادية العامة للدولة، السياسة المالية والسياسة النقدية، هو تحقيق الانسجام في الأهداف وتأمين آليات فعالة للتنسيق والتفاعل بين الاجهزة والجهات المسؤولة عن رسم وتنفيذ السياستين"، ودعا عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي الى ضرورة "تطبيق مبدأ استقلالية البنك المركزي، وتقدم تجارب العديد من البلدان المتقدمة امثلة واضحة على المشاركة بين الحكومة والبنك المركزي في رسم السياسة النقدية، لذا لا نجد تعارضا بين مثل هذا الفهم لاستقلالية البنك المركزي وما نصت عليه المادة (110 – ثالثا) المتعلقة باختصاصات السلطة الاتحادية التي ادرجت "رسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي وادارته" ضمنها، ومن يعد الفقرة تخص البنك المركزي كسلطة اتحادية، نشير إلى ان "رسم السياسة النقدية" جاء قبل "انشاء البنك المركزي" في الفقرة المذكورة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة "طريق الشعب" ص 3
الثلاثاء 23/ 4/ 2013