بتاريخ 10 أيار 2013، وبإشراف سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي الرفيق حميد مجيد موسى (ابو داود)، وبحضور العديد من رفاق قيادة الحزب، وبمشاركة ما يقارب المئة رفيق ورفيقة، التأمت أعمال الفعالية الفكرية المركزية الرابعة التي عقدت تحت عنوان:

الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية

الواقع - الرهانات - الآفاق

افتتحت جلسات الفعالية بالوقوف دقيقة صمت تخليدا لذكرى من رحلوا عنا خلال الفترة الاخيرة من رفاق واصدقاء. في حين رحب الرفيق د.صالح ياسر، وباسم لجنة العمل الفكري المركزية، بالرفيق (ابو داود) وبقية الرفاق من قيادة الحزب وبالمشاركين من الرفاق والرفيقات، متطلعا الى ان تساهم مشاركتهم في اضفاء الحيوية والجدية على اعمال الفعالية، وتحقيق هدفها الاساسي في بناء معرفة افضل بشأن ما يجري من حراك مجتمعي وانتفاضات شعبية في العديد من البلدان العربية وما يترتب على ذلك كله من اثار.

وبعد ذلك قدم الرفيق (ابو داود) مداخلة ضافية مثنيا فيها في البداية على اهمية مواصلة تقليد عقد مثل هذه الفعاليات سنويا، ثم توقف مفصلا عند الانتفاضات واندلاعها في هذه اللحظة التاريخية من تطور البلدان العربية طارحا العديد من الاسئلة  لتكون بمثابة مرتكزات استند اليها في تناول هذه القضية ومن بينها:

- لماذا نشأ الربيع العربي؟

- وما هي اسبابه وجذوره الفعلية وما هي مساراته والدروب التي سياخذها؟

- ولماذا علينا ان نرعاه وكيف ينبغي ان يتواصل هذا المسار؟

واشار الى ضرورة تجنب الاستغراق في سجال يضع (الثورة) بمواجهة (الانتفاضة)، فالثورة بالمعنى الماركسي تعني تغييراً جذريا في المجتمع بانتقاله من تشكيلة اجتماعية الى اخرى، في حين ان الانتفاضة - ان احسن ادارتها - يمكن ان لا تؤدي فقط الى تغيرات في البناء الفوقي بل توفر الفرص لتغيير ميزان القوى الطبقي السائد في المجتمع. اما ونحن نشرع في الخطوات الاولى للثورة، وتتم الاطاحة بالمستبدين، فهذا وحده لا يتيح لنا الحق في القول ان الثورة قد تحققت.

واختتم الرفيق (ابو داود) حديثه مؤكدا على أهمية مثل هذه اللقاءات الفكرية وعلى الاختيار الصحيح لموضوعاتها ومحاورها، والاستفادة من نتائجها لكي نكون على دراية افضل بمجتمعنا وحركته وطبيعة قواه، وما يجري في البلدان المحيطة بنا وبما يمكن رفيقاتنا ورفاقنا من الاجابة على الأسئلة التي تطرحها حركة الواقع بأصعدته المتعددة.

وطبقا لبرنامج عمل الفعالية المُقر سلفا، فقد توزع المشاركون على تسع ورش لدراسة محاور ورقة العمل التي كانت قد عممت على المنظمات مسبقا وبوقت مناسب، حيث انجزت في جلستين.

في المحور الاول الموسوم: نحو مقاربة نظرية/تاريخية للحراك الاجتماعي والانتفاضات الشعبية، قدم المشاركون في هذه الورشة مقاربات معرفية - فكرية لاشكالية المفاهيم الضرورية لفهم ما جرى من حراك اجتماعي في العديد من البلدان العربية وكيفية توصيفه باستخدام مقولات من قبيل: ثورة، انقلاب، انتفاضة شعبية، ربيع عربي .. الخ من المفاهيم، وذلك من منظور معرفي مركب، يجتهد في تقديم نموذج تفسيري لما جرى وبالاستناد الى المنهج الماركسي بماديته وجدليته وتاريخيته.  كما توقف المشاركون عند اشكالية العفوية والوعي في الانتفاضات الشعبية التي اندلعت، باعتبار ان مقولتي "العفوية" و"الوعي" تضطلعان بدور كبير في تحليل المنطق الموضوعي الداخلي للانتفاضات والحراك الجماهيري عموما.

        وبالمقابل افردت مناقشات المحور الاول حيزا الى التجارب التاريخية السابقة في محاولة لفهم دروسها والمشتركات فيها وتوظيفها في المعركة الدائرة حول أفق الحراك المجتمعي والانتفاضات الشعبية، ومواجهة قوى عديدة تحاول سرقة الانتفاضات وتفريغها من محتواها الشعبي العميق.

وفي المحور الثاني الموسوم: الانتفاضات الشعبية: المقدمات - الأسباب - الآثار تركزت النقاشات على المقدمات التي افضت الى هذه الانتفاضات، والاسباب الفعلية لها والاثار التي تركتها على مختلف الصعد.

اكدت خلاصات المناقشات، في هذا المحور، خطأ المقاربة التي ترى أن ما حدث في العديد من البلدان العربية هو توقيت ذاتي ارادوي لانفجار الأحداث. فالأمر ليس كذلك البتة، فقد شهدت البلدان العربية في العقود الأخيرة تحولات و تطورات كثيرة لا بد من التوقف عندها لفهم أسباب وجذور ما حدث عبر قراءة اقتصادية - سياسية لها.

    حيث اكدت المناقشات ان الانتفاضات تشير، في معظمها، بما لا لبس فيه إلى أن الأثر السلبي للسياسات النيوليبرالية التي طبقت في العالم العربي قد بلغ حالة من الخطر لا يمكن الاستهانة بها وهي التي هيأت الظروف لمقدمات الانفجارات الشعبية.

    في حين تناول المحور الثالث دور المؤسسة العسكرية في البلدان التي اندلعت فيها الانتفاضات - الخصوصيات والمشتركات، في محاولة لفهم هذا الدور الذي شهد تجليات مختلفة في البلدان التي شهدت الحراك الاجتماعي والانتفاضات الشعبية تبعا لطبيعة هذه المؤسسة وطبيعة المجتمع وتركيبته الطبقية - الاجتماعية ومستوى تناقضاته الملموسة في المرحلة الانتقالية، وطبيعة تطور مؤسساته السياسية .. الخ.

واكدت المناقشات في هذا المحور انه لا يمكن فهم ادوار الجيوش العربية في الانتفاضات الشعبية ولاحقا في عملية الانتقال الديمقراطي دون العودة الى التجارب السياسية العربية الحديثة، ففي معظم الحالات، كان العديد من الجيوش في هذه البلدان يقع ضمن قائمة الجيوش "المتدخلة" في العملية السياسية، الأمر الذي طرح تساؤلات بشأن إمكانية تغيير مثل هذا الدور "التدخلي" لتلك الجيوش خلال المرحلة المقبلة، وتحولها إلي جيوش "حارسة" للعملية السياسية، من دون التدخل في توجيه مساراتها، خصوصا وأن تلك الثورات قد رفعت شعار الديمقراطية والدولة المدنية.

وبالمقابل فقد تركز نشاط الورشة التي ناقشت المحور الرابع المعنون: موقع ودور الشباب في الانتفاضات الشعبية على البحث في جذور وأسباب مشاركة الشباب في الانتفاضات الشعبية: الاسباب الاقتصادية والاجتماعية: السياسات النيوليبرالية، الخصخصة، اليات السوق والتجارة الحرة، وتراجع الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة، البطالة، الاستقطاب والتهميش الاجتماعي، الخلل في منظومة توزيع الثروة بسبب طبيعة علاقات الملكية السائدة، انسداد الافق السياسي، القمع، والاستبداد، وغياب الحقوق والحريات، وانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، تركيز السلطة في يد "نخب" مرتبطة بالحزب أو الأسرة الحاكمة.

اما المحور الخامس الموسوم: دراسات حالة فقد كرست الورشة اعمالها لبحث خصوصيات الانتفاضة في كل بلد من البلدان التي اندلعت فيها الانتفاضات والحراك الاجتماعي في محاولة لكشف فلسفة الانتفاضة في كل بلد، وخصوصيات الخلفيات الاقتصادية - الاجتماعية - السياسية للانتفاضة وخصائصها وشعاراتها، و للجذور والمقدمات الاقتصادية - الاجتماعية، الشعارات، ودور العامل الخارجي في حسم النزاع، قوى الثورة والثورة المضادة.

في حين تركزت اعمال الورشة التي ناقشت المحور السادس الموسوم: جدل الداخل/الخارج في الحراك الاجتماعي والانتفاضات الشعبية أو العلاقة بين العوامل الداخلية والعوامل الخارجية، على تطور المواقف الاقليمية والدولية بشان الانتفاضات الشعبية، ومحاولات احتواء الحراك المجتمعي.

كما توقفت المناقشات عند انعكاس الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية على الستراتيجية الاقليمية للدول الرأسمالية وخصوصا الولايات المتحدة، اضافة الى تأثير الازمة الاقتصادية العالمية على احتدام الصراعات الاجتماعية في البلدان العربية.

أما المحور السابع وعنوانه: صعود قوى الإسلام السياسي في الانتخابات والحاجة الى تفسير ينطلق من مواقع ماركسية، فقد توقفت مناقشات الورشة عند اسباب صعود أو ازدهار الجماعات او التيارات الاسلامية المعاصرة في محاولة لفهم الجذور الطبقية/الاجتماعية لهذا الصعود. كما توقف عند نتائج الانتخابات التي جرت في بعض البلدان العربية، وخصوصا في كل من مصر وتونس والمغرب وفوز بعض قوى الاسلام السياسي فيها ودروسها المستخلصة.

وبالمقابل اولت الفعالية الفكرية المركزية الرابعة اهتماما خاصا لدور قوى واحزاب اليسار، حيث كرست لذلك المحور الثامن الموسوم:  موقع قوى واحزاب اليسار والديمقراطية في الحراك المجتمعي والانتفاضات الشعبية في البلدان العربية وآفاقها. وتركز البحث في هذه الورشة على القضايا التالية:

- تقديم مقاربات نقدية للممارسة النظرية والسياسية لقوى اليسار والديمقراطية في البلدان العربية بشأن الانتفاضات الشعبية.

- التوقف عن تحديات ما بعد الانتفاضات او آفاق تطورها والأخطار التي تواجهها ومواقف اليسار منها.

- الحديث عن ضرورة  بلورة ستراتيجية جديدة- مهمات قوى اليسار والديمقراطية في ظل الاوضاع الجديدة.

- التوقف عند اشكاليات بناء تحالفات واسعة لقوى اليسار والديمقراطية وما هي المستلزمات والشروط، وكذا الامكانيات والعوائق.

اما الورشة التاسعة فقد حمل محورها عنوانا هو:  آفاق...ورهانات - بدائل...وسيناريوهات، وركزت اعمالها على البحث في افاق تطور الانتفاضات الشعبية وتنوع الخيارات والبدائل المطروحة. وتوقفت المناقشات عند جملة من القضايا من بينها: الملامح المميزة للمرحلة الانتقالية وتناقضاتها بعد سقوط الأنظمة والأخطار التي تواجهها في ظل بيئة ستراتيجية متغيرة، السيناريوهات المحتملة، قوى الثورة المضادة وإمكانياتها في إعاقة تحقيق أهداف الانتفاضات الشعبية، اضافة الى الدروس النظرية و العملية المستخلصة من الانتفاضات الشعبية- أي جدل العام والخاص.

وبعد انتهاء المناقشات داخل الورش واعداد خلاصات بما تم التوصل اليه داخل كل منها من افكار وملاحظات وتقييمات، التأمت اعمال الجلسة العامة مجددا حيث عرضت كل ورشة نتائج أعمالها، وجرى نقاش مستفيض بشأنها ساهم فيه معظم المشاركين اضافة الى العديد من رفاق قيادة الحزب.

واكدت خلاصة المناقشات على اهمية الاستفادة من هذا المنبر المهم لتغذية سجال جاد من اجل أن نفهم بشكل افضل طبيعة هذه الانتفاضات ومعرفة منطقها وطبيعة التناقضات التي تفجرت وادت الى اندلاعها والتغيرات في تناسبات القوى التي احدثتها بما فيها تفكك النظام الريعي - الطفيلي - الكومبرادوري. وهذا يتطلب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إعمال الماركسية وتوظيفها توظيفا صحيحا لقراءة دقيقة لمجتمعاتنا في لحظة تطورها الملموسة، الحقيقية والفعلية، وليس انطلاقا من " مسلمات " لا تقبل المساءلة والنقد. 

إن هذه الممارسة الفكرية لدراسة قضايا مثل الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في العديد من البلدان العربية لا تشكل بالنسبة لحزبنا ترفا فكريا، كما يتصور البعض، بل تدخل في صلب مهماته عند بنائه لخطه السياسي ورؤيته للاحداث ومساراتها عبر دراسة المرحلة التاريخية التي يعمل فيها وتحديد تناقضها الرئيس المحرك وتناقضاتها الثانوية.

وبروح الحماسة والهمة العالية انهت الفعالية أعمالها على أنغام نشيد الحزب: سنمضي.. سنمضي الى ما نريد.... وطن حر وشعب سعيد،، الذي انشده جميع المشاركين والمشاركات مؤكدين على توظيف ما توصلت اليه الفعالية من نتائج لتعزيز وتنشيط العمل الفكري في عموم منظماتنا وترقيته ليكون بمستوى التحديات المتجددة دوما.