الديمقراطية والقيم ... / ئارام باله ته ي

 في خضم أحداث تصحيح مسار الديمقراطية المصرية ، قام العسكر بعزل الرئيس محمد  مرسي من سدة الحكم . هذا الحدث أصبح نقطة خلاف، ليس بين مؤيدي الرئيس ومعارضيه فحسب ، بل في الأوساط الثقافية والفكرية في المنطقة . حيث ظهرمن يعارض ذلك بحجة الديمقراطية التي أوصلت الرئيس الى كرسي الحكم ، بل حتى أن الذين يتوجسون من مصطلح الديمقراطية تحججوا "بالشرعية" وأنها لايمكن أن تمس . هؤلاء أيضا بالأساس يتحدثون عن شرعية الانتخابات وبالتالي عن "الشرعية الديمقراطية" ، ولابأس أن لايؤمنوا بالديمقراطية أصلا !!. اننا أمام إدعاء لا يستند على قناعة حقيقية .

المشكلة تكمن في بعض المتأثرين بالثقافة الغربية الليبرالية نظريا أو بقشور هذه الديمقراطية دون تعمق في ظروفها التاريخية وحاضنتها الاجتماعية . هؤلاء وإن كانوا ضد أفكار الاسلام السياسي ، إلا أنهم يودون الظهور بمظهر المدافع عن الديمقراطية ، فأعتبروا خطوة العسكر انقلابا على الحكم المدني . بالنسبة لي شخصيا كتبت منذ اليوم الأول على صفحتي في الفيسبوك " عادت مصر الى صوابها ولاتليق بمصر إلا أن تكون على صوابها" . وبينما كنا جالسين أنا وأصدقائي المقربين طلبوا مني تفسيرا حول ما حصل، كيف لم أصف ذلك بالانقلاب العسكري على الديمقراطية ؟ . 

أيها السادة ..إن الديمقراطية ليست صنما تعبد ، بل هي لابد أن تكون عبارة عن منظومة قيم مجتمعية . إن هذه الديمقراطية تختلف في الفكر الغربي الليبرالي عن الديمقرااطية في المفهوم الماركسي . وإذا سلمنا أنها تعني في كل الأحوال " حكم الشعب ولمصلحة الشعب" ، فأين تكمن هذه المصلحة ؟ هل في المفهوم الليبرالي الغربي أم في المفهوم الماركسي ؟ أم لكل مجتمع قيم تنبع منها ديمقراطيته ؟ .

إن التجارب الديمقراطية في منطقتنا فشلت لأنها إعتمدت أسلوبا مستوردا دون تغيير القيم الاجتماعية المرافقة لها ، فإما أن نغير قيمنا أيضا أو أن نبتكر ديمقراطية خاصة بنا على أن لاتخرج عن مفهوم "حكم الشعب" .

إن الثورة المصرية الثانية التي أطاحت بالدكتور محمد مرسي وحكم الاخوان المسلمين ، يجب أن تدرس ضمن النظم السياسية والقوانين الدستورية ، لأن الحالة المصرية وإن دون قصد عبرت بوضوح عن ربط الديمقراطية بالقيم المجتمعية . فالرئيس الأمريكي المنتخب لايستطيع أن يسير بالمجتمع الأمريكي نحو اليسار والاشتراكية لأن قيم الليبرالية والرأسمالية متأصلة في هذا المجتمع كقيم راسخة . كما أن الرئيس الفرنسي المنتخب ليس بمقدوره أن يصطحب زوجته الى مكان عام وهي تلبس النقاب ، لأن العلمانية قيمة ثابتة أسست عليها الجمهورية الفرنسية ، وكذلك الحال بالنسبة للرئيس في مصر كائنا من كان لا يمكنه أن يعمل على الضد من القيم المجتمعية الثابتة ، إلا من خلال تغيرات بطيئة طويلة الأمد لايشعر بها المواطنون . فلا يمكن حكم مصر على الضد من ( الأزهر، الكنيسة ، القضاء ، الجيش ) ، حيث أن الأزهر يمثل قيمة عاطفية مجتمعية عظيمة ليس للمصريين فحسب وإنما لسائر المسلمين بإعتبارها المؤسسة الاسلامية الأكثر أهمية في العالم الاسلامي حاليا . كما أن الكنيسة  تعبرعن وجدان مسيحيي الشرق عموما ، لديها جذور تمتد لالاف السنين في المجتمع المصري ، إنها قيمة إجتماعية وجودية بالنسبة لأقباط مصر . أما القضاء والجيش المصريين فيمثلان قيم ثابتة لاتتبدل بتغير الزمان ولاتغيير الحكام منذ الاستقلال . فالقضاء المصري على الأقل في العالم العربي هو القضاء الأكثرنزاهة وكفاءة ، إن المصريون يفتخرون بقضاءهم . في حين أن الجيش المصري هو أقوى جيش في أفريقيا والوطن العربي ويحمل رمزية خاصة في نفوس المصريين لاسيما بعد انتصار عام 1973 ضد اسرائيل . إن هذه القيم الاجتماعية لازالت راسخة في مصر ولايمكن إقتلاعها بطريقة عنترية بين ليلة وضحاها ، وهي جزء من منظومة الحكم في مصر .

أنا لست هنا بصدد التعبير عن موقف ايديولوجي بقدر ما أحاول البحث عن تأصيل إجتماعي لما حصل في 30 يونيو . فالأمر يتعدى ديمقراطية الصندوق وعملية الفرزوالعدد . لقد فشل الاخوان المسلمون في إدارة التعددية المجتمعية بطريقة سلمية وبرهنوا على قصور واضح في مجال الممارسة ، وحان الوقت أن يراجعوا أنفسهم بهدوء وبعيدا عن صخب موال "الشرعية" وشرعنة العنف المقدس ، حتى لا يخسروا أكثر من الذي خسروه .

 

ئارام باله ته ي

ماجستير في القانون

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.