حول خطاب الحزب .../ جاسم الحلوائي

علق الأستاذ الفاضل رياض الشمري في موقع النور الالكتروني على مقالي الموسوم " انتفاضة معسكر الرشيد في 3 تموز 1963" والمكرس لمناسبة مرور نصف قرن على وقوعها. وبما أن مناقشة ما ورد في التعليق يحتاج إلى حيز أكبر من حيز التعليقات والردود، فقد آثرت نشر تعليقه ومناقشتي له بشكل مستقل.

نص تعليق الأستاذ رياض الشمري

"الأستاذ الفاضل جاسم الحلوائي مع التحية. شكرا جزيلا لمقالتك هذه وكل التحية الى انتفاضة معسكر الرشيد التي كانت تحدياً شجاعاً ضد فاشية طغمة حزب البعث عام 1963 ولكن ومع احترامي للحزب الشيوعي العراقي كحزب عريق في نضاله الوطني المشرف وتضحياته الجسام من اجل الدفاع عن القضايا العادلة لشعبنا العراقي وكحزب لم يخرج من صفوفه عميل للأجنبي مثلما خرج العملاء للأجنبي من بين صفوف الاحزاب القومية والإسلامية العراقية إلا أنه حزب لا يزال الى اليوم يعيد نفس خطاباته السياسية القديمة التي لم تعد تتماشى مع المتغيرات المتسارعة على الساحة العراقية والعربية والعالمية.اتمنى على الحزب الشيوعي العراقي ان يخرج من جموده العقائدي ويتجه نحو التفاعل مع المتغيرات التي تقودها الجماهير الشعبية وخاصة الشباب لان الشباب هم اليوم اداة وعماد التغيير نحو الافضل وشباب مصر وجماهيرها هم اكبر برهان كما سيجد الحزب الخلل في عدم فوزه في الأنتخابات النيابية رغم قول الجماهير عنه بأنه انظف حزب سياسي على الساحة العراقية. أعتقد ماركس بان الثورة الاشتراكية ستنجح اولا في بريطانيا باعتبارها دولة صناعية كبرى وتضم ملايين العمال لكن لينين استطاع بذكائه ان يصنع اول ثورة اشتراكية في روسيا البلد الذي غالبية سكانه كان من الفلاحين وليس من العمال لذلك فأن الشيوعيين العراقيين بحاجة اليوم الى ذكاء لينين اكثر من حاجتهم الى قراءة تعاليمه. مع كل احترامي".

الأستاذ الفاضل رياض الشمري، إنني أثمن رغبتك وطموحك بأن ترى الحزب الشيوعي العراقي موجوداً بقوة على الساحة السياسية ولاعباً قوياً فيها، وهذا هو دافع ملاحظاتك التي أراها جدية، لذلك اسمح لي بمناقشتها.

تشير في تعليقك إلى أن الحزب الشيوعي العراقي " لا يزال الى اليوم يعيد نفس خطاباته السياسية القديمة التي لم تعد تتماشى مع المتغيرات المتسارعة على الساحة العراقية والعربية والعالمية".

لا أعرف أي خطاب تقصد فخطابات الحزب السياسية مختلفة جداً عن بعضها البعض، فخطابه في الحرب العالمية الثانية يختلف عن خطابه في فترة حلف بغداد. وكلا الخطابين يختلفان عن خطابه في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم. وجميع هذه الخطابات تختلف عن خطاب الحزب خلال انقلاب شباط الفاشي. وتبدلت خطاباته واختلفت بما لا يقل عن خمس مرات أخرى، تبعاً لمتغيرات الظروف ومراحل النضال وبشكل خاص بالارتباط مع تغيرات طبيعة السلطة أوالنظام، فخطابه قبل سقوط النظام الدكتاتوري يختلف عن خطابه بعد سقوطه. واختلف خطابه جذرياً من الناحية السياسية والفكرية في مؤتمره الخامس المنعقد في عام 1993 والذي سمي بحق مؤتمر الدمقراطية والتجديد. وهذه التسمية لا يحملها أي مؤتمر من مؤتمرات الحزب التسعة التي عقدت طيلة حياته سوى المؤتمر المذكور. ولا غرو في ذلك فقد جاء هذا المؤتمر بعد التحولات العميقة والواسعة التي جرت في الواقع بعد انهيار النظام الاشتراكي السابق، وانتهاء الحرب الباردة ونشوء القطب الواحد، وتأثيرات العولمة والثورة التكنولوجية والمعلوماتية، وما رافق كل ذلك وتبعه من تجديد أيديولوجي حصل لدي الحزب الشيوعي العراقي.

لقد تحول الحزب من حزب شديد المركزية ذي ضبط حديدي إلى حزب ديمقراطي، من حيث جوهره وأهدافه وبنيته وتنظيمه ونشاطه، ومن حيث علاقاته بالقوى الاجتماعية والسياسية الأخرى. و تبنى الحزب التعددية والتداول السلمي للسلطة، وتخلى عن موضوعة ديكتاتورية البروليتاريا، ولكنه ظل متمسكاً بخياره الاشتراكي وبمبدأ التضامن الأممي.

ولولا هذا التحول لما تمكن الحزب، كما أعتقد، من المساهمة في العملية السياسية التي نشأت بعد سقوط النظام الدكتاتوري واحتلال العراق، وكان من الممكن أن يصطف الحزب كما اصطف بعض الشيوعيين، الجامدين عقائديا، صراحةً مع حارث الضاري الذي صرح جهاراً: "القاعدة منّا ونحن منها".

إن عدم فوز الحزب الشيوعي العراقي في الانتخابات النيابية لا يعود إلى طبيعة خطابه السياسي، بل يعود إلى ظرف موضوعي اقتصادي –اجتماعي ونتائج ما أحدثه النظام السابق من خراب اجتماعي واقتصادي وفكري وتأثير ما يجري في المنطقة من طغيان التعصب القومي والطائفي والتشدد الديني، إلى جانب قانون الانتخابات الظالم الذي سمح للقوائم الكبيرة أن تلتهم أصوات القوائم الأصغر. هذا القانون الذي اعترضت عليه المحكمة الاتحادية، ولكن لم تجرأ على إلغاء عواقبه. وقد فاز الحزب مع التيار الدمقراطي بجملة مقاعد في الانتخابات المحلية الأخيرة بنفس خطابه السابق ولكن في ظل نظام انتخابي آخر وهو نظام سانت ليغو العادل نسبياً. أقول نسبياً لأن الحزب يطمح أن يكون العراق دائرة انتخابية واحدة، وتمنح المقاعد المتبقية للمتبقي الأقوى. وبذلك تتحقق العدالة في توزيع المقاعد. إن مثل هذا النظام الانتخابي من شانه أن يعزز الهوية الوطنية على حساب الهويات الفرعية المدمرة لاسيما الهويات الفرعية المقيتة كالطائفية والعشائرية.

إنني أشاركك الرأي من أن الشباب أداة وعماد التغيير، وأعرف بأن ذلك ما يتبناه الحزب أيضا،ولديه خطط عملية من أجل تحريك الشباب وتعبئتهم، إلا أن ذلك دون الطموح. وفي كل الأحوال، فلا أمل في التغيير  بدون الشباب، فتيات وفتيان بطموحاتهم  وخيالهم الواسع وحماسهم ونشاطهم.

لقد اختتمت رسالتك بالقول: "اعتقد ماركس بان الثورة الاشتراكية ستنجح اولا في بريطانيا بأعتبارها دولة صناعية كبرى وتضم ملايين العمال لكن لينين استطاع بذكائه ان يصنع اول ثورة اشتراكية في روسيا البلد الذي غالبية سكانه كان من الفلاحين وليس من العمال لذلك فأن الشيوعيين العراقيين بحاجة اليوم الى ذكاء لينين اكثر من حاجتهم الى قراءة تعاليمه".

وهنا أتوقف عند قضيتين ، الأولى: لا أعتقد بإمكان أي إنسان بمفرده أن يحقق ثورة مهما بلغ من ذكاء. فالثورة تتحقق في ظل نضوج الظروف الموضوعية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والذاتية المتمثلة في دور الجماهير وطليعتها. والقائد الناجح سواء أكان حزباً أم زعيم سياسي هو الذي يستوعب الحالة الثورية ولديه وضوح استراتيجي ويستخدم تكتيكات صائبة لإنجاح الثورة، وهذا ما فعله لينين الذي لم يكن وحده، بل كان معه قادة لامعين آخرين.

القضية الثانية: إن أكثر البحوث رصانة تعزو أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي والنظام الاشتراكي إلى جملة عوامل منها تخلف روسيا "البلد الذي كان غالبية سكانه من الفلاحين" وتؤكد هذه البحوث على صواب نظرية ماركس القائلة بإمكانية تحقق التحول الاشتراكي في البلدان الصناعية المتطور وليس في بلدان ضعيفة التطور.

مع تقديري واحترامي

نشر في موقع النور بتاريخ 9 تموز 2013