
السعودية في حالة إرتباك/محمد ضياء العقابي
يقال أن وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل ومدير مخابراتها الأمير بندر بن سلطان في حالة هستيرية بسبب تطورات الوضع السوري. لا ألوم السعودية إذا تهسترت. القضية يعرفها السعوديون على أنها ليست قضية سوريا وكفى، رغم أهمية القضية السورية، بل القضية ستعود إلى قلب السعودية ونظامها الشمولي المتخلف في المستقبل القريب وليس البعيد. لم يفت السعوديون أن يلحظوا ما جرى لقادة قطر "النعاج" بعد أن إنتهى دورهم وركلتهم أمريكا.
دعونا نقلب الأمور لنرى ال"طركاعات" التي ستقع على رأس الحكام السعوديين:
1- القضية السورية: لا يدور النقاش الآن حول إسقاط النظام ولا حول خروج بشار الأسد من الرئاسة (كما طالب من ضمن المطالبين السيد أياد علاوي تملقاً لأمريكا وإسرائيل) بل أرادت أمريكا فقط أن تتم الموافقة على عدم ترشح الأسد في إنتخابات 2014 الرئاسية.
لكن روسيا والصين قد رفضتا هذا الطلب بالتنسيق مع إيران إذ تشير التسريبات إلى أن الدولتين قالتا لأمريكا في إجتماع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن: أما تدعين الديمقراطية؟ فكيف تريدين فرض إرادتكِ على السوريين؟ دعيهم يقرروا ما يريدونه بإشراف الأمم المتحدة.
تعرف أمريكا ما عرفه حلف الناتو قبل اشهر؛ إذ قدر الحلف أن 60% من الشعب مع الأسد و20% ضده و20% محايد. في الحقيقة إنقلب الرأي العام إلى جانب الحكومة بعد أن رأى أفعال الإرهابيين من جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام والجيش الحر . لذا فلدى أمريكا قناعة بأن الأسد سينتخب مرة أخرى. وأصبح للسعودية علم بالموقف الأمريكي فجن جنونها كما يبدو مما أصبح معلوماً عن جهود سعودية مشفوعة بإغراءات نفطية لأمريكا بغية ضرب سوريا ولكن دون جدوى.
اليوم، الأربعاء 25/9/2013، بالذات كتب ميشيل كيلو (اليساري الذي إنقلب إلى حليف سعودي) كتب في صحيفة الشرق الأوسط مقالاً إنتقد فيه كل الأطراف المعارضة بضمنها الجيش الحر والإئتلاف المعارض وقال إنهم لا يعيرون أهمية للشعب.
2- تطورات الأوضاع الدولية: تعلم السعودية أن المستقبل على الصعيد العالمي ليس لصالحها حسب المعطيات التالية:
2.1- الإتحاد الروسي يتقدم ويستعيد مكانته السابقة. ويعتبر أن شرق البحؤ الأبيض المتوسط منطقة حيوية جداً في ستراتيجيته لأنها على حدود روسيا الجنوبية ومنها قد تأتي موجات الإرهابيين إذا لن يوضع لها حد في مهدها.
2.2- الصين في تقدم مستمر وخاصة في الميدانين الإقتصادي والتكنولوجي بل وحتى العسكري إذ قد تتفوق على أمريكا من حيث حجم الإقتصاد ربما خلال عشر سنين.
2.3- دول البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) التي تمثل 60% من سكان الأرض ولها قدرة إقتصادية متنامية قد تتفوق على الغرب. إنها في طريقها إلى إقامة مؤسسات مالية وإقتصادية دولية موازية لتلك القائمة الآن والتي هي تحت الهيمنة الأمريكية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي. يبلغ رصيد البنك الخاص بدول البريكس الآن (100) مليار دولار. هذا يعني أن قدرة أمريكا على الضغط على الشعوب ستتضائل مع مرور الزمن.
3- الشرق الأوسط:
3.1- إيران: تتطور إيران عسكرياً وربما إقتصادياً أيضاً رغم العقوبات التي قد تخفف قريباً. لقد نالت ديمقراطية إيران إحترام ألعالم بضمنه أمريكا على لسان رئيسها ضمناً في خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام. وهي الآن أقوى قوة في الشرق الأسط إلى جانب إسرائيل وتركيا. وتزداد يوماً بعد يوم ثقة الشعوب العربية والإسلامية بها وتقتنع بدورها الصلب في مناصرة القضية الفلسطينية، رغم التأليب الطائفي ضدها الموجه من السعودية وإسرائيل.
3.2- العراق ستتطور فيه الديمقراطية بالضرورة لأن النظام الديمقراطي هو النظام الوحيد الملائم لحكم العراق بسلام. وإذا أصر أحد على "نجاعة نظام الدكتاتور العادل" فليس أمامه سوى دكتاتور شيعي والدكتاتور هو الدكتاتور سواءً كان سنياً أو شيعياً. سيقضى على الإرهاب في كل من سوريا والعراق فهذا قرار دولي لا مناص منه. وهما، أي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام، آخر معاقل القاعدة وأقواها في العالم بعد إضمحلال قوتها في كل من أفغانستان والباكستان. لقد أدت القاعدة دورها (كعميلة لإسرائيل وأمريكا من حيث تدري أو لا تدري) في كل من العراق وسوريا وأن أوان إنهائها حسبما تقتضيه مصالح جميع اللاعبين في الأزمة السورية عدا السعودية والخليجيين وتركيا . هناك تفاهم أممي بعدم السماح للقاعدة بالتمدد خارج سوريا إلى دول الجوار بل ضربها داخل سوريا ومساعدة العراق على القضاء عليها. من هذا جاءت التصريحات الروسية والأمريكية الداعمة للعراق ضد الإرهاب. ومن هذا جاء الإهمال لتظاهرات الأنبار والموصل وتكريت وغيرها بسبب الروائح الإرهابية الكريهة التي تنبعث منها.
إن تطور الديمقراطية العراقية والإستقرار السياسي ونمو الإقتصاد (حتى إذا بقي ريعياً معتمداً على النفط لفترة من الزمن) ستمنح العراق مكانة مرموقة في المنطقة وسيلعب دوراً سياسياً مؤثراً في الجامعة العربية وخارجها.
يستطيع العراق، إذا ما وظف خبراته الإدارية والتخطيطية المتراكمة منذ عشر سنوات، إضافة إلى الخبرات الجيدة والخيرة من الموروث، وشدد جهوده للقضاء على الفساد والنمط الروتيني المتوارث منذ تأسيس الدولة العراقية، وحقق إقتصاداً متطوراً متوازناً وعزز نظامه الديمقراطي وعمقه بمضمون العدالة الإجتماعية والكفاية ورسخ مفهوم دولة المواطنة التي يجري بناؤها منذ عدة سنوات – يستطيع عندئذ جذب أنظار الجماهير العربية والإسلامية إلى تجربته لتضغط بإتجاه الإقتداء بهذا النمط من التنمية متعددة الأوجه.
سيكون العراق اقل عرضة للضغوط الخارجية وستحترم إرادته وإستقلاله وسيادته من جانب جميع الأطراف الإقليمية والعالمية. وستضطر القوى السياسية العراقية إلى قطع علاقاتها مع الدول الخارجية رغم أنفها وسيفعّل قانون السلامة الوطنية .
ستتطور الصناعة النفطية في العراق وقد تبلغ مستويات عالية تقترب من 9 ملايين برميل يومياً عندئذ سيكسر الإحتكار السعودي وبالتالي الإبتزاز السياسي الذي يرتكز على النفط، وستشتد الضغوطات الداخلية والإقليمية والعالمية ضد الحكم الشمولي المتخلف والمطالبة بإحترام حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية.
3.3- يبدو أن مستقبل سوريا ومهما كانت نتائج إنتخابات الرئاسة لعام 2014 فضغط الجماهير سوف لا يسمح لأية حكومة قادمة أن تقترب من المحور السعودي التركي لقربه من إسرائيل بل سيتجه الرأي العام نحو العراق ومصر والجزائر وتونس وليبيا واليمن وفلسطين وإيران.
قد تنشأ وحدة بشكل ما بين العراق وسوريا رغم المعارضة الشديدة المتوقعة من قبل إسرائيل وأمريكا والسعودية وتركيا. وإذا ما نجحت هذه الوحدة قد ينضم إليها الأردن ومن بعد دول أخرى وأخرى.
3.4- أعتقد أنه وفي نهاية المطاف سوف تنتصر الديمقراطية في دول الربيع العربي ولو بعد مخاض عسير. إلا أنها وعلى أي حال سوف لا تكون قريبة من السعودية والخليج بل أقرب إلى المحور الديمقراطي.
3.5- الجامعة العربية: ستستعيد الجامعة العربية مكانتها وسيتعمق مضمون عملها إذ سوف تهيمن على قراراتها حكومات عربية منتخبة من الشعب وتبعد عنها تأثيرات النظم الشمولية المتخلفة. سينشأ تضامن عربي حقيقي قد يقود مسيرة نحو الوحدة تسبقها خطوات فرعية وحدوية في كافة مناحي الحياة من سياسة وإقتصاد وأمن ومواصلات وإتصالات وتعليم تبنى على أسس علمية متأنية بعيدة عن التهور والمتاجرة. وستبنى علاقات ديمقراطية قائمة على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة وحق تقرير المصير مع جميع الإثنيات القومية والدينية والمذهبية في الوطن العربي.
للأسف سيضيف هذا ضغطاً آخر على النظام السعودي.
3.6- تركيا: لقد إرتدت سياسة أردوغان الهوجاء في كل من سوريا والعراق – إرتدت عليه ويواجه الآن مصاعب سياسية جمة مع شعبه. سيتقلص نفوذ تركيا السياسي في المنطقة. سيقوى إحتمال بقاء تركيا ضمن الحلف الأطلسي بعد عودة التعددية لقيادة العالم وإحتمال قيام حرب باردة جديدة رغم الصعوبة التي ستصطدم بها بسبب حركة الشعوب المتنامية للمطالبة بالعدالة الإجتماعية التي لم تحققها، بقدر مرضٍ، الديمقراطية السياسية التي بلغت الشيخوخة.
كل هذا يشكل خسارة للنظام السعودي فهو الشمولي وهو أول المشمولين بغياب العدالة والديمقراطية معاً.
3.7- إسرائيل: أعتقد أن إسرائيل ستواجه ضغوطاً سياسية وعسكرية لم تواجهها طيلة حياتها، ستتوحد الفصائل الفلسطينية وسيزداد الدعم العربي والإسلامي لها وسيزداد مفعول الدعم لأن النظم الجديدة ستكون أقرب إلى الديمقراطية والشعوب. هذا وستواجه إسرائيل رأياً عاماً عالمياً أشد نقداً لها وتذمراً منها ومن عدوانيتها وأكثر تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة التي كفلتها قرارات الأمم المتحدة. ستزول أطروحة أن إسرائيل واحة الديمقراطية في مستنقع الدكتاتورية.
هذا بدوره سيزيد في حراجة الموقف السعودي.
3.8- أعتقد أن محور الممانعة الذي يضم سوريا وحزب الله وحماس وإيران قد يتسع ليضم دولاً عربية أخرى وربما الجامعة العربية برمتها. وستزداد أهمية وقوة حزب الله وستفشل مؤامرة تلبيس مسؤولية إستشهاد الرئيس المرحوم رفيق الحريري به.
إذا أصرت إسرائيل على غمطها لحقوق الشعب الفلسطيني وتحدي الإرادة الدولية المتمثلة بهيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قد يتبنى لبنان حزب الله ويجعله إفرازاً شرعياً ضمن وزارة الدفاع بهيكلية خاصة غير مسبوقة.
خلاصة، يحق لقادة النظام السعودي أن يصيبهم الذعر لأن الأيام القادمة لا تبشر بخير لهم ومن وجهة نظرهم القاصرة المختبئة وراء دخان نار الطائفية التي أشعلوها على كامل الساحتين العربية والإسلامية لصالح نظامهم الشمولي المتخلف ولصالح إسرائيل والإمبريالية العالمية وأساءوا للعرب والمسلمين وللإسلام أيما إساءة سوف لا يغفرها التأريخ لهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للإطلاع على "مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي" بمفرداته : "النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه" و "الطائفية" و "الوطنية" راجع أحد الروابط التالية رجاءً:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995
http://www.baghdadtimes.net/Arabic/?sid=96305
http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181"