الاختبار الأخير للعبادي/ عدنان حسين                                

مرة أخرى يبتسم الحظ لرئيس الوزراء حيدر العبادي  ابتسامة بعرض الكرة الارضية وبطولها وارتفاعها... ومن المفترض أن يتشبّث

بهذه الفرصة النادرة بأسنانه وأظافره ولا يضيّعها مثلما ضيّع على نفسه وعلينا فرصة تاريخية نادرة هي الأخرى عندما حظي برنامجه الإصلاحي، منذ سنة بالضبط، بتأييد طاغ من الشعب والمرجعية الدينية في النجف ومن مجلس النواب بكل أعضائه.

هذه المرة أيضاً كانت الرمية من غير رام ، فالسيد العبادي لم يكن راغباً بمساءلة وزير الدفاع في هذا الظرف بالذات عشية الانطلاق باتجاه الموصل لتحريرها من داعش، لكن أصحاب الغايات السياسية والحزبية والشخصية كان لهم حساب آخر، وكان في المقابل أن فجّر وزير الدفاع، في جلسة استجوابه،  قنبلة من العيار الثقيل أحدثت ثقباً كبيراً في سفينة الفساد التي ظلّ ركابها يظنون أنهم في مأمن من كل خطر.

لم ينجح العبادي في اختبار العام الماضي الإصلاحي. يمكن أن نختلف في الأسباب والمبررات، موضوعية كانت أو ذاتية، لكنًًًًّ رئيس الوزراء الآن في وضع يمكن له أن يعوّض فيه عن عدم نجاحه ذاك، بالطبع إذا كان بالفعل يرغب في الإصلاح الذي تعهّد به ويطلبه الشعب بإلحاح وتؤيده مرجعية النجف.  ضرب قلعة الفساد الحصينة  في الدولة والمجتمع هو ضربة المعلم المطلوبة من العبادي. هي الآن متيسرة له ويسيرة عليه، فالاتهامات والاتهامات المضادة المتبادلة بشأن عمليات الفساد يمكن لها أن تختصر المسافات وتوفّر الزمن على العبادي لقصم ظهر الفساد بالقانون،  وفتح طريق الإصلاح الذي كان الفاسدون أكبر العقبات التي تعترضه بثبات ورسوخ.

لن يتطلب الأمر من العبادي أن يفاوض هذه الجهة أو يسترضي تلك أو يدخل في مساومات ... كل ما عليه فعله هو أن يترك القانون يأخذ مجراه وأن تتحقق العدالة.. كل ما يتعيّن عليه عمله أن يحول دون أي عملية التفاف وتحايل في أثناء التحقيقات الجارية الآن، ثم في أثناء  الإحالة الى القضاء .

بكل الصراحة، ليست هناك ثقة بالجهات الموكلة اليها عملية التحقيق، سواء كانت برلمانية أو قضائية.. لجان التحقيق البرلمانية عوّدتنا  على  التوقف عند منتصف الطريق بفعل عمليات المساومة والابتزاز المتبادلة بين القوى المتحكمة بمقدرات البلاد. والقضاء هو الآخر  عوّدنا على الخضوع لنفوذ هذه القوى.

من المؤكد أن بوسع رئيس الوزراء، إن أراد وإن تحلّى بالقدر اللازم من الشجاعة والمسؤولية الوطنية، المساعدة في معرفة الحقيقة وإعلانها على الملأ، بتوفير الوثائق الدالة على حصول عمليات الفساد وضلوع مسؤولين كبار في الدولة ، مدنيين وعسكريين ، فيها في عهود الحكومات المختلفة.  

نعرف أن رئيس الوزراء بالذات يمكنه أن يقدّم لهيئة النزاهة ولجهاز الإدعاء العام  وللإعلام مئات الأطنان من هذه الوثائق.

السيد العبادي يواجه الآن اختباره الثاني ... والأخير، فإن تردّد وتلكأ وخضع للابتزاز هذه المرة،  سيسقط من الأعين الى الأبد.