شناشيل - عن الهيئات "المستقلة" ! / عدنان حسين   

المقدمات الخاطئة لا يمكن أن تؤدي الى نتائج صحيحة. هذا أمر يدركه حتى تلامذة المرحلة الابتدائية، لكن لدينا دولة لم تدركه بعد أو لا تريد إدراكه، كما هو واضح في سياسات تنتهجها وفي إجراءات تتخذها، وكأن القائمين على هذه الدولة مصابون بمرض غريب تتمثل أعراضه في تجربة الخطأ وارتكابه المرة بعد الأخرى، من دون أن ينقطع لهم نفس من كثرة التكرار.

رئيس الوزراء منشغل هذه الأيام، بين ما من منشغل به، بما يقال إنها إعادة هيكلة الهيئات المستقلة. بالطبع هي ليست إعادة هيكلة لأن هذه تعني إعادة البناء والترتيب على أسس جديدة وعلى وفق ضوابط مختلفة عما سبقها، فيما الحاصل الآن أن رئيس الوزراء يسعى إلى تعيين رؤساء لهذه الهيئات بدلاً عن رؤسائها الحاليين المنتهية ولايتهم، وهم في الواقع منتهية صلاحيتهم منذ سنوات لأنهم جميعاً تقريباً ممن عُيّنوا في عهد رئيس الوزراء السابق بالوكالة، وهو إجراء يخالف أحكام الدستور الذي يفرض عرضهم على البرلمان للمصادقة عليهم خلال أشهر من تعيينهم، فضلاً عن أنهم  في معظمهم من لون واحد هو لون  إئتلاف دولة القانون.

الهيئات المستقلة التي لم تثبت ولو مرة واحدة أنها مستقلة بحق ( حتى البنك المركزي، أكثرها استقلالاً نسبياً، أطيح باستقلاله يوم استغل نوري المالكي سفر محافظه السابق سنان الشبيبي الى خارج البلاد في مهمة رسمية لعزله وعدد من مساعديه بتهمة أثبت القضاء لاحقاً أنها ملفّقة من الأساس عمدا، حتى أن أحد مساعدي الشبيبي، نائبه مظهر محمد صالح، صار الأن المستشار الاقتصادي والمالي الكفء للحكومة الحالية ورئيسها!).. هذه الهيئات من المفترض أن أمرها، سواء تعلّق باعادة هيكلتها أو بمجرد تغيير فوقي فيها، ليس معقّداً كما هي الحال مع تشكيلة الحكومة . عملية تأليف الحكومة تتطلب تفاهمات وتوافقات ومساومات مع قوى سياسية مختلفة ومتنافرة ومتنافسة ومتصارعة على المغانم والامتيازات وليس على السياسات وبرامج العمل.

الدستور حدّد قواعد وشروط تشكيل الهيئات المستقلة، وإسمها في حدّ ذاته يدلّ على الطريق اللازم السير فيه لتشكيلها من دون الكثير من وجع الرأس،  ذلك أن وجع الرأس المتأتي للحكومة ورئيسها ولنا جميعاً من هذه الهيئات سببه التجاوز على استقلاليها شكلاً ومضموناً، وجعلها مطيّة للقوى والأحزاب المتنفّذة في السلطة على وفق نظام المحاصصة الذي أعتمد في المرحلة الأولى للعملية السياسية ليكون قاعدة للعمل الحكومي والبرلماني لدورة برلمانية واحدة فقط. أي أنه كان من المفترض أن يصبح نظام المحاصصة من الماضي مع عقد الانتخابات البرلمانية الثانية أوائل  2010، بيد أنه بقي حتى الآن والبعض يريده أن يبقى الى الأبد، بذريعة أنه أصبح أمراً واقعاً(!)، لأن القوى المتنفذة في السلطة استمرأت عملية تدّفق مئات ملايين الدولارات سنوياً عليها من المال العام الذي يسرقه معتمدوها في الدولة من وزراء ومدراء ومحافظين وسواهم.

ما يتعيّن أن يدركه رئيس الوزراء، وهو يتولى  عملية تعيين رؤساء جدد للهيئات المستقلة أن هذه الهيئات تلزمها عملية إعادة هيكلة  كيما يصبح مجدياً وجودها وتكون قادرة على تحقيق الغاية منها. هذه الهيئات إن لم تكن مستقلة تماماً عن الحكومة وعن القوى والاحزاب الموجودة في السلطة وخارجها لا نفع يرتجى منها البتة، والغاؤها أكثر جدوى للشعب العراقي، لأنه في الأقل سيوفر له الأموال الطائلة التي تُصرف عليها من دون عائد حقيقي.