طرق على شبابيك المؤتمر ىالعاشر (الحلقة 7)/ تحسين المنذري

الحزب والحركات المطلبية الشعبية

لقد كان أبرز ما ميّز الشيوعيين عن باقي الاحزاب والقوى السياسية في المجتمع، منذ اللبنات الاولى في التأسيس، قدرة الشيوعيين على تشخيص مطاليب الناس ورسم الشعارات والسياسات وأساليب العمل لتحقيق تلك المطاليب بما في ذلك قيادة الاضرابات والمظاهرات الشعبية. ويوم كانت الناس والطبقات المسحوقة منهم تحديدا يحتضنون الحزب ويدافعون عنه وينخرطون في صفوفه ويشكلون أسيجة لمناضليه وكوادره، لم يكن هؤلاء على معرفة كافية بنظرية الحزب بل إن جلهم لم يقرأ من الماركسية سطرا، لكنهم كانوا يرون في الشيوعيين قادة لهم يستطيعون إيصالهم الى بر الامان، وكان الشيوعيون بالفعل جديرين بتلك القيادة حيث كانوا يعيشون وسط الناس بكل بساطتهم ويقدمون التضحيات الجسام من أجل حقوق الاخرين ويتصدون لقيادة الحركات الاحتجاجية والمطلبية بكل بسالة ونكران ذات، وذاك نفسه ماكان يرعب السلطات ويؤكد بحق إن شبح الشيوعية يقض مضاجعهم ويرعبهم في كل عمل يتصدى له الشيوعيون. كما إن صياغة المطاليب والشعارات بشكل راديكالي وبوضوح لايقبل اللبس كان من أهم سمات عمل الشيوعيين في مختلف الاصعدة. حتى إن الكثير من القوى والاحزاب السياسية التي كانت قائمة قبل الحزب الشيوعي أو التي تأسست بعده تعلمت من الحزب أساليب العمل بين الجماهير، بل وإن بعضها قلّد الشيوعيين بشكل واضح وسار بنفس خطوات الشيوعيين في تبني مطاليب الناس وصياغتها ورفعها في مناسبات مختلفة، والى اليوم هناك من القوى السياسية التي إستحوذت على شرائح كبيرة وواسعة من جمهور الحزب الشيوعي بفضل تعلمهم من الحزب بل وتقليدهم له في بعض أساليب العمل . إلا إن الحزب ومنذ العام 2003 حيث التغيير وإشتراك الحزب في مجلس الحكم وبعض الوزارات اللاحقة لم يكن العمل بين الجماهير همه الاول بل إعتمد بالاساس على تصورغريب هو العمل على تغيير الاوضاع عبر العلاقات مع القيادات السياسية، وللاسف كان ذلك على حساب العلاقة مع الجماهير، فلم يولي الحزب تلك العلاقة الاهتمام الكافي في أدبياته وعمله اليومي وكان من نتائج ذلك عدم إستطاعة الشيوعيين من لعب الدور القيادي الذي جبلوا عليه أصلا!! وهذا ما يفسر حصول الكثير من الاضرابات العمالية والحركات الاحتجاجية الشعبية والتي لم يظهر فيها أي دور قيادي أو حتى فقط بارز للشيوعيين، إن لم تخلوا بعضها من وجود الشيوعيين فيها فإن وجدوا كان وجودهم قليل وخجول وليس ذو تأثير مهم. والغريب في الامر إن قيادة الحزب صارت تعلل ذلك بأن الحزب مع الجماهير ولا يريد فرض نفسه على الناس ولا هو يريد مصادرة حق الاخرين في الاحتجاج والاضراب وغير ذلك الكثير من التبريرات والتي كانت تبرز من قبل الرفاق في قيادة الحزب مع كل مناسبة حصول، او الحديث عن، إضراب أو حركة إحتجاجية، والحقيقة هي إن تلك التبريرات لم تكن إلا تعبير واضح عن تخلي الحزب عن دوره الريادي في قيادة الجماهير بمختلف المفاصل وعلى مختلف الاصعدة. ولعل الحركة الاحتجاجية التي بدأت في 25/ شباط/2011 ابرز دليل على ذلك فقد كان الاجدر بالحزب أن يعلن تبنيها بشكل صريح وواضح سيما وإن بعضا من قيادييه وكوادره كانوا على رأس تلك الحركة وبعلم السلطات السياسية والامنية بذلك بدليل محاولتهم الضغط على الحزب بإفتعال أزمة تأجير مقريه الرئيسيين في بغداد، ولست أدري ما السبب الذي جعل الحزب يتخلى عن إعلان تلك المسؤولية ، بل والاكثر إيلاما فقد تخلى عن معركة مع السلطات كان النصر فيها واضحا للحزب والتجأ الى الطلب من رئيس الجمهورية لحل ذلك الاشكال، وكان الاجدى بالحزب أن يلجأ الى الجماهير لتحريضها ضد السلطة بدل إسلوب التهدأة الذي إتبعه والذي أشر بشكل واضح لاحدى أهم سمات عمل الحزب الدخيلة عليه في هذه المرحلة، فلماذا؟ وتبرز بعض التبريرات في الفينة والاخرى من رفاق قياديين بارزين في الحزب منها ما نظّر له أحد رفاق المكتب السياسي وبشر به بشكل كبير هو إن الاحتجاجات التي برزت في 2011 وتطورت لاحقا في 2015 إن هي إلا إمتدادا للحركات الاحتجاجية التي بدأت في فرنسا عام 1968 ويطرح بعض أوجه التشابه هنا وهناك ويستند الى أسماء كتاب غرباء عن العراق والقضية العراقية ، وكأن الارث العراقي يخلو من أية حركة مطلبية أو إحتجاجية، ولا أدري هل إن هذا الرفيق سبق له أن إطلع على إنتفاضة تشرين 1952 أم لا؟ وهل يعلم إنها بدأت بإضراب لطلبة كلية الصيدلة ضد ممارسات عميد الكلية وإمتدت لتشمل بغداد كلها بكل قطاعاتها وشرائحها المتضررة وبعض المدن القريبة ، وتشارك بها كل الاحزاب السياسية المعارضة للحم الملكي آنذاك ويعتقل جل قادة الاحزاب وتعلن الاحكام العرفية ، ولم تكن المبادرة في كل ذلك إلا للشيوعيين وتصديهم البطولي لقيادة الاضراب الطلابي ومن ثم الانتفاضة الشعبية، لا أدري لماذا لم نلجأ الى تاريخنا ونستفيد من دروسه ؟ بل الاكثر إيلاما إن هذا الرفيق عضو المكتب السياسي الذي نظّر بتلك الطريقة يصل الى قرار خطير هو إن الحركة المطلبية لاتنوي تغيير نظام الحكم !!! أليس في ذلك ما يقدمه الرفيق من هدية ثمينة لقوى التخلف والظلام قوى السلطة السياسية؟
إن تشتيت المصادر الفكرية للحزب على الطريقة التي تم تثبيتها في البرنامج تشكل العامل الاهم في ضياع بوصلة التقييم والانحياز للروافع الاجتماعية ـ التاريخية ـ للحزب ومشروعه، وقاد ذلك الحزب الى التماهي في بعض المواقف مع قوى سلطوية متهمة بالفساد والاستفادة من تكريس نظام المحاصصة، وذلك ما أدى وسيستمر يؤدي الى تراجع شعبية الحزب وتسليم زمام المبادرة لقوى أخرى أقل شأنا في تبني مطاليب الكادحين ولا تملك نفس التجربة والتاريخ والتضحيات اللائي يمتلكها الحزب، وكل ذلك من شأنه أن يقود الى تراجعات في حجم المكاسب والخدمات الانسانية المشروعة لشرائح المجتمع المتدنية إقتصاديا والتي كانت الى الامس القريب ترى في الحزب الشيوعي ومشروعه المنقذ الاهم والقائد التاريخي لكل نضالاتها في سبيل حياة حرة كريمة.