الحفل السادس لفرقة طيور دجلة ألق جديد/ فرات المحسن
في مساء خريفي مست برودته الندية شوارع العاصمة السويدية ستوكهولم، كنا على موعد مع حفل جديد لفخر الجالية العراقية في السويد وفخر وطننا العراقي فرقة طيور دجلة في عرضها الغنائي السادس. مساء الثاني من شهر أكتوبر للعام 2016 بدا مساء مورق ندي بحشود الناس المتأنقة أمام باب القاعة.
لم تخني ظنوني فالفرقة ومنذ التأسيس عام 2008 قدمت الكثير من العروض التي كسبت فيها رهان النجاح ومثله حب جمهور الجالية وأيضا الجمهور من خارج السويد. من هذا كان رهاني يصب على قدرة الفرقة على جلب الجمهور للاحتفال معها في موسمها الإنشادي الجديد لعام 2016 ،وأيضا بعد إضافة الفرقة حيوية جديدة لحفلها تمثل بوجود عازف العود الفنان المبدع نصير شمة.
كان الزحام على أشده أمام قاعة المرايا في فندق كَراند هوتيل وسط العاصمة ستوكهولم. الكل يتطلع ليكون هذا المساء مساءا معطرا بأصوات نسائنا البديعات الباسلات اللاتي تدربت أصواتهن بإشارات وإرشاد أنامل وجهود المايسترو الرائع علاء مجيد.وفعلا فقد قدمت الفرقة ما يفرح القلب والوجدان. أعطت الفرقة ومعها تخت الموسيقى الشرقي طقسا احتفاليا باذخا ومبهرا أدخل البهجة في النفوس وجمل العالم حولنا .رحم الله سيدة الغناء الشرقي حين غنت عن معنى الغناء قائلة .
المغنى حياة الروح ..يسمعه العليل يشفيه.
وهي الحقيقة الخالدة وسواها أكذوبة ورياء ووحشة درب وبخس ورخص وجفاف حياة. فالغناء والموسيقى عالم عذب غني ضاج بالفرح يدعوا للمحبة والسلام والطمأنينة.
كان وقع الأداء الغنائي لفرقة طيور دجلة يدخل القلب بسلاسة ودون تكلف، والأذن تتنفس النغم المتكامل العذب المسترسل المكين الحافظ للنغم والدقيق في اللازمة ومخارج الكلمات، غناء شجي حافظ على قوالب الموسيقى وقواعدها وأصولها اللحنية والمقامية التي عرفناها سنوات السبعينات، وكان الأداء مكتملا بمصاحبة إيقاع موسيقي أجادت فيه الفرقة الموسيقية بعزف جماعي مسترسل يسموا في أجواء القاعة ويسمع مثل ماء نهر رقراق ، ساعة يناغم أمزجتنا بخريره وأخرى نستمع لمناجاته وتارة نتنصت لروحه وهي تحاكي الشواطئ والطيور، فيسحبنا معه في عالم بهجة وطقوس تجمل لنا العالم، فنستجيب لها بانفعالات وجدانية، ومعها نتذكر روح الأغنية العراقية الأصيل المترع بكلمات الحب والوفاء والعذوبة.
غفه رسمك بعيني من الصبا لليوم للمطرب الراحل سعدي الحلي وهذه الأغنية تعد من روائع الألحان وأعذب الكلمات العراقية،أيضا كان عتاب أمل خضير في أغنيتها لا لا زين عرفت غاياتك ، وسيتا هاكوبيان في رشاقة صوتها وأغنية بهيدة من تشبكَني، ثم رائعة الملحن مفيد الناصح وغناء فاضل عواد، يا لجمالك سومري ونظرات عينك بابلية،وحضرت لإمتاعنا عفيفة اسكندر في رائعتها بعيونك عتاب وبكَلبي جواب، وأيضا شنفت أسماعنا رائعة المطربة الرائعة أسمهان في أغنيتها يا جمال الورد. وفيروز في أجمل أغانيها التي تغنت ببغداد والشعراء والصور، وهكذا كانت انفعالات القاعة تتجاوب وتتناغم مع اللحن الجميل الذي تؤديه الفرقة وتتلذذ النفوس بتنوعه بين الأغنية الكردية والأشورية والجنوبية والبغدادية والعربية فأرضت جميع الأذواق وأراحت الأنفس .
لن أوفي حق الفنان العبقري المبدع الأستاذ نصير شمة إن تحدثت عن ما قدمه من عزف منفرد على العود أو بمصاحبة الفرقة الموسيقية، فكل حديثي لن يحيط بتلك الطاقة التي فجرها أمامنا والقيم الفنية التي استعرضها، فإذا كانت فرقة طيور دجلة قدمت بأصواتها الرخيمة أجمل الألحان فإن عود وألحان نصير شمه ألهبت أحاسيس الجمهور وتفاعل مع أنامله وأوتار عوده بالانبهار والدهشة،حيث نقلتنا موسيقاه نحو طبقات عليا من العذوبة وبتنا في غمر واسع من سعادة وبهجة وكنا نود المزيد، وشعرنا بأن قلوبنا تتنفس جمال موسيقاه، وأنغام عوده الساحرة تتسلل نحو أرواحنا وكأنها تهمس محبة وتومض عشق .
ولكن ومع كل الأسف، كان هناك حديث مختلف بعيد عن كل ذلك الإبداع والرقي الذي جادت به فرقة طيور دجلة وقائدها ومعهم الفنان نصير شمة والفرقة الموسيقية، والحديث عن هذا له وفيه الكثير من الشجون لا يعرف عنه الكثير من الذين حضروا الحفل. فالاستعدادات للحفل أخذت وقتا طويلا وجهد كبير من الفرقة وهيئتها الإدارية وقائدها المايسترو علاء مجيد. لم تحصل الفرقة على حجز لقاعة خلال زمن عام 2016 لعدم توفر قاعة لتقديم الحفل السنوي للفرقة، وبالصدفة وحدها جاءت الفرصة لتتفق الفرقة مع منظمة سويدية تقدم العون للأطفال من متضرري الحرب في سوريا،وبعد المداولات جرى الاتفاق على وضع مساعدة أطفال العراق ضمن منهاج هذه الجمعية لتقدم لهم أيضا المساعدة المناسبة من خلال ريع الحفل والتبرعات خلالها. وتبنت المنظمة السويدية ممثلة بالسيدة صوفيا وهي سويدية من أصول تركية التهيئة للحفل إداريا أي تهيئة القاعة وتوزيع المقاعد وتلبية احتياجات الفرقة وضيوفها وغير ذلك من توفير أجواء مناسبة لإقامة الحفل في ذلك المكان، وعلى فرقة طيور دجلة إعداد نفسها في هذا الإطار لتقديم فعاليتها السنوية مساء يوم 02 / 10 / 2016 .ولكن السيدة صوفيا أخلت بكل بنود الاتفاق وباشرت بتقليص الصرف لحد أسكان 6 أشخاص من الموسيقيين في غرفة واحدة في سكن جماعي والأستاذ نصير شمة في غرفة من دار للمسنين، مما اضطر الفرقة لتدارك الآمر ونقلهم لفندق مناسب.
كان زخم الحضور كبير جدا لم تكن لتستوعبه القاعة وهذا الآمر جعل إدارة الحفل تدخل وعلى شكل وجبات كراسي أضافية لتغطي العجز وحدث هذا أثناء تقديم الحفل مما شوش على المشاهدين وأيضا على الفرقة. وعند الاستفسار عن ذلك أخبرنا بأن المنظمة وبشخص السيدة صوفيا التي تدير وتشرف على الحفل استبدلت القاعة الكبيرة بهذه القاعة المتوسطة الحجم، ربما الآمر يتعلق بكلفة إيجار القاعات إن أحسنا الظن.وقد بدا الإرباك وسوء الإدارة منذ الوهلة الأولى حيث كان المستقبلون لا يتمتعون بالمهنية، وليس لهم قدرة على إدارة وتسهيل دخول الجمهور بل كانوا مجموعة من الشباب الصغار وظفتهم السيدة صوفيا، يقفون في استقبال المشاهدين ولا يعرفون ما يفعلون، لا بل كانوا سببا في حدوث كل ذلك الهرج والإرباك. وأول فشل رافقهم كان في مهام استلام البطاقات من الجمهور لدخول القاعة. حيث كانوا يأخذون البطاقة كاملة وعلى الجمهور حفظ أرقام مقاعدهم والذهاب إلى القاعة. بعد مضي ربع الساعة الأولى من دخول الجمهور بدأت الفوضى، حين عاد البعض من الجمهور ليشتكي من وجود البعض ممن يحتل المقاعد التي خصصت لهم. فالمشتكي حين يصل إلى رقم كرسيه يجده شاغرا من قبل غيره، بعد أن رفع رقم المقعد ورمي بعيدا أو أخفي، والمطالب برقم مقعده لا يملك ما يسند شرعيته وحقه بالمقعد، كون بطاقته قد أخذت منه كاملة في الاستعلامات. وحدث غبن كثير، فالبعض دخل وأحتل مقاعد مخصصة لغيره وبيعت بسعر 1000 كرون سويدي وكذلك بسعر 800 كرون ولكن المقاعد هذه احتلت من قبل من دخل أولا وسبق أن اشترى بطاقة بسعر 600 كرون. وكان هذا الوضع مربكا جدا مما سبب هرجا ولغطا ورافقه صراخ من قبل البعض لسوء تصرف إدارة الحفل ومن هؤلاء من سراق المقاعد.
وقد تصرف البعض من الجمهور وكأنه يجلس في الأزقة الخلفية للمحلات الشعبية وأن عادات الريف لازالت عالقة في ذهنه. فالحديث الجانبي الغير معني بما تقدمه فرقة طيور دجلة من رائع الغناء وبديعه وبتلك الألحان الشجية من التراث الأصيل للطرب العراقي أو العزف الجميل الخلاب للفنان نصير شمه والفرقة المصاحبة. والشيء الغريب يبدو لي إن البعض وليس الكل من الجمهور، كان يهوى التهريج ولم يكن حاضرا لسماع موسيقى أو تراث أغاني أو عزف شجي لآلة موسيقية، ولذا كان يبدأ بالانفعال ليصاحب الغناء والموسيقى بالتصفيق ويطغي تصفيقه على جميل العزف والغناء ، كنت حينها أقارن كيف يستمع ويستمتع الجمهور السويدي والأوربي بسماع الموسيقى الكلاسيكية والتراثية وكيف يتفاعل معها ثم ينتظر حتى النهاية ليحيي المطرب والموسيقي على أدائه. ولكني أيقنت إن البعض لا يهوى غير سماع أغاني ( سارية السواس ).
ولكن أكثر ما آلمني هؤلاء الوحوش الذين لم يتعلموا ألف باء الثقافة ولم تمسهم الحضارة ولو بالشيء القليل وبقوا على عادات النهب والغنيمة، هؤلاء الذين دخلوا أولا واحتلوا كراسي غيرهم عنوة دون وازع أخلاقي أو محاسبة ضمير.فكيف تسنى لهؤلاء سرقة أماكن غيرهم بكل تلك الصلافة والوحشية واللؤم
وبعد أن شاهدت سوء الإدارة الذي أربك الجمهور، فأنا أتمنى على الفرقة وهيئتها الإدارية أن تأخذ مستقبلا على عاتقها مسؤولية الإدارة، حتى وإن استعانت بشخصيات لها خبرة في تنظيم وإدارة الحفلات وعملية التسويق.