في قضية مزدوجي الجنسية/ عدنان حسين
المفترض أن كل دقيقة من وقت مجلس النواب تعادل في قيمتها قيمة طن من الذهب الخالص أو سائر المعادن والاحجار النفيسة. الخراب الشامل الذي نحن فيه، وهو مركّب من صنع النظام السابق والنظام الحالي سواء بسواء، يحتاج إصلاحه وإزالة آثاره الى عمل متواصل والى أن يكون اليوم العراقي بخمس وعشرين ساعة والاسبوع بثمانية أيام والشهر بخمسة وثلاثين يومياً والسنة بثلاثة عشر شهراً في الأقل.
المفارقة أن الجاري لدينا أن يوم عملنا، في الدولة على نحو خاص، يقلّ عن ساعة واحدة واسبوعنا لا يتجاوز الثلاثة ايام وشهرنا بالكاد يصل الى خمسة عشر يوماً وسنتنا أشهرها ستة أو أقل. الفراغات هنا هي حصة أوقات عدم العمل في أيام العمل الاسبوعية الخمسة والعطل الرسمية وغير الرسمية التي صار عدد أيامها ينافس عدد أيام الدوام.
زيادة على هذا كله يصرّ مجلس النواب على إضاعة وقته ووقتنا بما لا يفيد في معالجة خرابنا الشامل، بل إنه غالباً ما يزيد الطين بلّة . وآخر ما يريد أن يتحفنا به هذا المجلس الذي هو أحد المصادر الرئيسة للخراب، هو إشعال نار الخلاف على الجنسية المزدوجة لكبار المسؤولين في الدولة.
أقل ما يمكن أن يقال في هذه القضية أنها غير منتجة أو غير مثمرة. القضية ليست أن حاملي الجنسيات الاجنبية شياطين بالمجمل وغير الحاملين ملائكة بالأعم الأغلب. الخراب الذي نحن فيه يتقاسم المسؤولية عنه الحاملون وغير الحاملين للجنسيات الاجنبية. عدم حمل الجنسية الأجنبية لا يعطي غير الحاملين شهادة بالوطنية وحملها لا يجرّد الحاملين من هويتهم الوطنية. نظام صدام حسين لم يكن فيه أحد يحمل جنسية أخرى، بل كان يحرّم تولي الوظيفة العامة بأي مستوى على كل من يحمل جنسية أخرى. أكثر من هذا تحتّم على الكثير من المتزوجين بنساء أجنبيات أن يختاروا بين الوظيفة العامة وزوجاتهم.. يطلّقون الزوجات أو يستقيلون من وظائفهم. برغم ذلك قادنا ذلك النظام الى سلسلة من الكوارث المهلكة. واحدة من هذه الكوارث أنه خلّف لنا طبقة سياسية لا تقل سوءاً عنه.
وفي عهدنا الحالي فان أكثر ما أصابنا من خراب كان على عهد الحكومتين السابقتين، مع انهما كانتا برئاسة مٓنْ لم يتسنّٓ له أن يكون من مزدوجي الجنسية. خرابنا الراهن مصدره نظام المحاصصة الذين وضعه مزدوجو الجنسية ومنفردوها سوية، وخرابنا الراهن مصدره الفساد الإداري والمالي غير المسبوق والذي لا يندر مثيله له في دول العالم الأخرى. الفاسدون ليسوا هم حاملو الجنسية المزدوجة حصراً، فغير الحاملين كانت لهم باع طويلة في هذا الفساد.. أكثر الوزراء والوكلاء والقادة العسكريين والأمنيين والمدراء العامين والمحافظين وأعضاء مجالس المحافظات وسواهم من المتورطين في ضياع مئات مليارات الدولارات لا يحملون جنسية اجنبية، فالفساد، مثل الارهاب، لا جنسية له.
مجلس النواب إذا اراد أن يرفع منسوب وطنيته عليه، قبل كل شيء، تشريع القوانين المعطّلة اللازمة لبناء الدولة، وعليه إلغاء نظام المحاصصة، مصدر الكثير من الشرور التي نواجهها الآن، وعليه أن يكافح بجدية الفساد الإداري والمالي، مبتدئاً بنفسه بالذات، فالمجلس هو أكبر منابع الفساد في الدولة، ولا يغرّنكم الصوت العالي ل " جبهة الإصلاح"، فما خاب العراقي الذي قال " اللي تحت أبطه عنز يمعمع".