الحزب الشيوعي..13 / فيصل الفؤادي

   وردا على هذا النهج تحرك بعض اعضاء الحزب في الخارج معارضين لهذا النهج , فقد شكلت مجموعة ( لفيف من الثوريين ) هذا مافعلوا في براغ. وفي بريطانيا وقفت منظمة بريطانيا ضد هذا الخط وكان يقود هذا التحرك خالد أحمد زكي , واعلنت مجموعة من الاعضاء الخروج من الحزب ومنهم (ابراهيم علاوي ) وبعد أن عوقب اصدر بيانا تحت عنوان: (مذكرة فريق من الكادر ) يذكر فيها الوضع  وماترتب عليه. وأستمر العمل بين هذه المجاميع ومجاميع أخرى شكلت (الثوريون ) أو ( اللجنة الثورية ) وضمت المجموعة بعض الكوادر ومنهم ( الملازم شاكر العزاوي ومعاون الشرطة جواد القرطاس والملازم الطيار صلاح الطيار والملازم الطيار عبد النبي جميل ونائب الضابط كريم عزيز ونصيف جاسم ( أبو جمهورية ) ورمضان كاطع موزان وخليل العزاوي وعبد الحسين منذور ومتعب خميس ) وأتصلوا مع الضباط الشيوعيين الموجودين في الجبل  حيث التحق بهم العقيد الركن سليم الفخري فقط  , ومجمل هذا النشاط بين هذه المجاميع في الاتفاق والاختلاف تغير ,حيث أنشق بعضهم وشكلوا فيما بعد ( القيادة المركزية بقيادة عزيز الحاج ), أي أساس هذا الانشقاق يبدأ من خط أب والتي تراكمت مشاكله ومواقفه حتى وصلت الى حالة الانشقاق عام 1967 .

  و(عندما شعرت قيادة الحزب بخطأ " خط أب " عقدت أجتماعا لها في نيسان 1965 في الداخل وبعد المداولات أقر مشروع تضمن تعديلا اساسيا في سياسة الحزب . اذ طالب بأسقاط الحكم الدكتاتوري العسكري والدعوة الى اقامة حكومة أئتلاف وطني ديمقراطية , تنهي الاوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد وتصفية مخلفات انقلاب 8 شباط وتحقيق الديمقراطية للعراق والحكم الذاتي لكردستان )[1].

   في 18 نيسان من عام 1965 انعقد في بغداد اجتماعا ضم مجموعة من الكوادر الحزبية المتقدمة و من بينهم أعضاء في اللجنة المركزية والمكتب السياسي وعلى رأسهم بهاء الدين نوري القطب (اليميني). وكان التحضير (للعمل الحاسم ) محور الاجتماع ولم يكن العمل الحاسم سوى انقلاب عسكري تقوم به وحدات من الجيش بأسلوب (الكتمان والمباغتة ) كما جرى في 14 تموز 1958 وقد تمنى عامر عبد الله على المجتمعين أن يقرأ بنفسه البيان الاول للعمل الحاسم من الاذاعة والتلفزيون وأقترح تعديلا جوهريا هو أن الحزب الشيوعي العراقي وجد ليبقى أضيفت هذه الجملة للتقرير الذي قدم للاجتماع والذي اكد أن الحزب الشيوعي العراقي لايمكن أن ينضم تحت لواء أي حزب أوحركة  . وكان رأي بهاء الدين نوري هو : لماذا يحرم الحزب الشيوعي القيام بانقلاب عسكري بواسطة وحدات من الجيش في حين تمارس الاحزاب الاخرى هذا الاسلوب[2] .

  وعقدت اللجنة المركزية وبعض الكوادر الحزبية أجتماعا لها حيث يقول : ( في 9 تشرين أول 1965 في دار لم تكتمل تشيدها بعد في حي جميلة في بغداد . وقد دام الاجتماع لثلاثة أيام وحضره 25 من كوادر الحزب المتقدمة كان من بينهم سبعة من أعضاء اللجنة المركزية هم – بهاء الدين نوري وعبد السلام الناصري وعامر عبد الله وصالح دكله .. وبعد النقاش حول خط أب بين مؤيد ومعارض فحسم التصويت وكان بالاغلبية مع الراي المعارض لخط أب .

وقد قرر الاجتماع ,الاسلوب الانجع في الاستيلاء على السلطة وكان أغلب الحاضرين يؤكدون على العمل الحاسم كما أقترحه عامر عبد الله وتتلخص فكرته في – استخدام قوى الحزب الشيوعي وحده في الجيش لانتزاع السلطة بأنقلاب عسكري فوري وحذر من تفويت الفرصة [3]) .

 وكان في حوزة المجتمعين بعض قطع السلاح والذخيرة والتي بقيت لفترة من الزمن حتى بعد أنقلاب تموز 1968 في بيت الرفيق جمعة عبد الله في مدينة الثورة .

وحينما تبنى الاجتماع " العمل الحاسم " اواسلوب العنف على أن يتم التوجه بتوسيع العمل المسلح في مناطق كردستان العراق والاستفادة من مساعدة الحركة الكردية , و أضافة الى امكانية تطوير العمل المسلح في الاهوار وفي الجنوب . وقد شكلوا (القيادة المؤقتة ) ومهماتها الاعداد الى عقد المؤتمر الثاني للحزب الذي تأخر كثيراً .

وكما أشرت ففي بعض الاحيان أن بعض القياديين يراوح في أرائه بين اليمين والتطرف اليساري الذي أوجد خللاً فكريا لدى البعض من أعضاء الحزب , وكان بأستطاعة الحزب بقيادته وبعض الكوادر عقد كونفرس حزبي ( أستثنائي ) لمعالجة الوضع وتدارك هذا التداعي داخل التنظيم لتوفيت الفرصة على كل من يفكر بتخريب الحزب والاخلال بالتنظيم.

في 18 و19 تشرين الثاني  1965دعا سكرتير الحزب انذاك الرفيق عزيز محمد لجنة تنظيم الخارج وعددا أخر من قادة وكوادر الحزب الاساسية الى اجتماع في براغ ... وأتفق الحاضرون على تخطئة السياسة التي رسمها أجتماع أب المعروف. وقال الرفيق عزيز محمد: ( أن الكثير من تقديرات وسياسات أب لم تعززها الحياة , وأنها خاطئة وان الحزب أنتبه لها وخطأّها[4] ).

 وكان من الضروري أن يعقد الحزب أجتماعا أستثنائيا لتلافي ماحدث في وقتها دون انتظار ما تقرره حكومة بغداد من أصلاحات لا تمت بتغير جوهري في الحياة السياسية الاقتصادية والاجتماعية . ويذكر الكاتب الى أن أجتماع براغ أنتهى على أن يصوغ سكرتير الحزب وبعض رفاق المكتب السياسي ( كريم أحمد وباقر أبراهيم ) رسالة بهذا الخصوص، ويبدو ان الرسالة جاءت بمثابة " خط وسط " هو أقرب الى رأي سكرتير الحزب عزيز محمد وكريم أحمد، وحذرت مركز الحزب من ( أي عمل متسرع يقارب المقامرة ). كما تلخص الرسالة موقف المجتمعين عندما اكدت على ما يلي: (أننا نؤيد الاعداد لانتفاضة شعبية يتم أنجازها من خلال نضال الجماهير بنفسها بشرط ان نتذكر وحشية العدو تجاه الحركات الشعبية والفترات الطويلة من الارهاب الحكومي وتجاربنا الاخيرة في هذا المجال . اننا نؤيد بالكامل فكرة الاعتماد على المساعدة الفاعلة في  التنظيم الحزبي في الجيش ) و قالت الرسالة ( عندما يفكر حزب ثوري بتنظيم هجوم عنيف على العدو معتمدا الجماهير ورافضا للمغامرة فأن عليه أن يأخذ الحرب الاهلية في حسابه . أن وضع بلادنا في المنطقة والقوى الموجودة في خدمة الرجعية الداخلية بالاضافة الى حقيقة ان الحركة التي يقودها حزبنا لها طابع يساري تقدمي مميز ... كل هذه العوامل قد تثير مقاومة داخلية وخارجية صلبة في وجه حزبنا . ان أخذ هذا في الحسبان يتطلب اعدادا جديا للحرب الاهلية . وهنا ستشكل الثورة الكردية عنصرا مساعدا . في راينا – أستنادا الى خبرتنا التأريخية أن بأستطاعة القسم العربي من بلدنا ان يدعم حركة مقاومة مختلفة في السمات عن حركة الاكراد بالاشارة الى ديمومتها والى امكانيات مناورتها ... ويبدو من رسالتهم الى المركز الحزبي في الداخل ( هو السعي لامتصاص فورة الحماس التي تصاعدت في صفوف الحزب للموقف العنيف اتجاه حكم عارف)[5].

لقد شكل الحزب تنظيمين انذاك  , الاول - تنظيم عسكري يضم الشيوعيين من منتسبي القوات المسلحة يقودها عضو اللجنة المركزية  اراخاجادور ( خط هاشم ) والثاني تنظيم شبه عسكري أي ميليشات مسلحة وتكون بقيادة عضو اللجنة المركزية كاظم فرهود  ( خط حسين ) , وهذا جزء من رد الاعتبار الى التنظيم العسكري الذي ضعف بشكل كبير بعد أنقلاب شباط 1963 وتكون من مجموعة من الرفاق المسرحين من الخدمة العسكرية وبعض الضباط وضباط الصف والمختصين في الجانب العسكري .

في مكان أخر يذكر كتاب سيرة مناضل أن عضو المكتب السياسي زكي خيري عند ذهابه الى تنظيمات الفرات الاوسط حيث كان معاقبا بتنحيته من اللجنة المركزية ما يلي: ( كنت في احاديثي مع باقر أبراهيم لا أتحرج من تبيان مشاريعي بصدد تطوير الكفاح المسلح كتعبئة جيش من الانصار الفلاحين للزحف على بغداد , والاستعانة بعربات السكك الحديدية بدلا من الدروع وهلم جرا ).

إن وضع الحزب في هذه المرحلة كان مربكا وجاء على خلفية صراعات كبيرة في قيادته  منذ حزيران 1959 والتي أثرت على خطط الحزب اللاحقة ،وجاءت نتيجة الاراء التي كانت تدعو الى الضغط على قاسم والاشتراك في السلطة. ويبدو ان خلفية بعض القيادة وتوجهاتهم وطموحاتهم هي التي أثرت في حسم كثير من الامور , فماذا يعني التكتلات منذ السنوات الاولى من بناء الحزب في عام 1937 و1943 وثم 1953 أي راية الشغيلة والتكتلات في زمن ثورة 14 تموز حتى أنشقاق أيلول 1967   هذا كله يطرح روح المسؤولية التي يجب أن يتحلى بها القيادي في الحزب، وكذلك روح الوطنية والتضحية من أجل المبادئ والقيم التي أمن بها والتي أعطى الحزب من اجلها الالاف من الشهداء وما يماثله من الاعتقال والتشريد والسجن. وهذا يتطلب من  أي قيادي أن يفكر مئة مرة قبل  ان يقدم على أي خطوة بأتجاه الانعزال أو الانشقاق او التكتل وغير ذلك .

لقد أصبح خط أب 1964 هو الاساس الفكري الذي بني عليه أنشقاق 1967 أضافة الى تأخر عقد المؤتمر الثاني للحزب وعدم جدية القيادة في تجاوز الاشكالات التي تنخر العمل التنظيمي والحزبي , وأبتعاد الجماهير عن الحزب نتيجة السياسة التي تبناها .

ولكن هذه ليست الحقيقة كلها فالحزب تراجع عن خط أب بشكل كامل وعمل على رفع شعارات جديدة تندد بممارسات النظام الدكتاتوري ورفع شعار أسقاطه . والامر الاخر أن قيادة الحزب لم تتفرغ بشكل جيد لعقد كونفرس أو مؤتمرجديد نتيجة الهجمة التي تلقاها الحزب في 8 شباط 1963من الانقلاب الفاشي .

والامر الاخر بتقديري أن قيادة الحزب كانت تعيش في الخارج وهي بعيدة عن ظروف البلد والجماهير .



[1]  نفس المصدر السابق ج 3 ص46 .

[2]  سيرة مناظل ثمينة ناجي ص 142 .

[3]  عقود عزيز سباهي ج3 ص 52 .

[4]  عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي عزيز سباهي ج2 ص 54 .

[5] نفس المصدر السابق